خادم الحرمين يدعو الفرقاء الفلسطينيين إلى التكاتف ويعتبر تنافسهم خطأ كبيرا

عبر خلال حوار صريح مع أعضاء من الشورى السعودي عن اعتزازه بالترابط الكبير بين قيادة وشعب السعودية

TT

دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الفرقاء الفلسطينيين إلى التكاتف ونبذ الشيطان، مشيراً إلى أن تنافسهم يعد «خطأ كبيرًا سيؤدي إلى تفريقهم أكثر مما عملته فيهم الصهيونية» .وقال «أرجوهم رجاء مسلم إلى إخوانه المسلمين أن ينبذوا الشيطان ويتعوذوا منه ويلتفوا حول بعضهم، وهو الأمر الذي سيرفعهم ويرفعنا ويرفع العرب جميعاً». وأضاف «أرجو منهم عدم التنافس، عدم الانتحار، عدم حب الذات. لا بد أن ينكروا ذاتهم في خدمة دينهم ووطنهم فلسطين».

جاء ذلك خلال استقبال خادم الحرمين الشريفين في قصر اليمامة بالرياض أمس، الدكتور صالح بن حميد رئيس مجلس الشورى السعودي، ونائبه الدكتور بندر حجار، وأعضاء المجلس وكبار المسؤولين بالمجلس، حيث دار حوار بين خادم الحرمين الشريفين والحضور، اتسم بالصراحة والوضوح، أجاب خلاله على أسئلتهم، وتطرق إلى ما تم تقديمه من مساعدات طبية للفلسطينيين، مؤكداً حرصه على الأنفس السعودية والعربية والمسلمة، وقال «ما من شك أن ذلك واجب، والمطلوب منا أكثر وأكثر». كما أكد على الترابط الكبير بين قيادة وشعب المملكة العربية السعودية، وعلى اعتزازه بذلك الترابط قائلا «أنا لولا شعبي لا شيء. أنا فرد».

وكان رئيس مجلس الشورى السعودي قد ألقى كلمة في بداية اللقاء، قال فيها «لقد شاهدنا وشاهد العالم معنا مفاجأة القائد شاهد التحول الكبير في مسار القمة، فقد كنتم بحق ـ يا خادم الحرمين ـ القائد العظيم ذا الحضور الكبير في كل المحافل، يترك أثره الفاعل في كل مجريات الأمور، تقدمون حين يحجم الآخرون. قمة الكويت كانت علامة فارقة في تاريخ القمم العربية الاستثنائية منها والعادية، والطارئة منها والدورية. كان العرب، ومن ورائهم العالم كله، يترقبون لحظة الحقيقة. كل المؤشرات كانت متشائمة، وكانت حالات الحذر والترقب والتوجس وظروف الأمة تحيط بالمؤتمر، وبدت حالة العرب وكأنها حالة مستعصية، فعلى الرغم من الجراح والدماء والقتلى والأشلاء والدمار، كانت الثقة مهزوزة، والأولويات مشوشة، والعرب الذين اشتغلوا بالتسميات والتقسيمات في محاور وتحالفات لا يدرون أين يتجهون. في هذه الظروف والأجواء تحدث الكبار، وكان حديثهم حاسماً جازماً، يعلن قائدنا بصراحة وبقوة وصرامة رفض السير في ركاب الخلافات، ويزيح الهم الجاثم على الصدور. بدأتم بنفسكم فأسقطتم خلافاتكم مع أي دولة ومع أي نظام. هذه الشجاعة النادرة من قائد عظيم بحجم قمة وقامة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، قوة وشجاعة نحسب أنك أبرأت بها الذمة، ووضعت الجميع على محك الشجاعة واختبار المصداقية.

أطفأتم نيران التوتر، وفتحتم الباب واسعاً للصلح وجمع الكلمة ووحدة الصف، مجسدين الديانة وصلاح القلب وروح الأصالة والنخوة. إنه خطاب القوي بربه، ثم القوي بشعبه وبأمته. لم تقدموا أي تنازل؛ المبادرة العربية مطروحة، ولكنها لن تكون مطروحة إلى الأبد. والسلام خيار، ولكنه ليس الخيار الوحيد. كانت كلمتكم في أقل من عشر دقائق، ولكنها كانت كافية لقلب الموازين، بل لضبط الموازين. غيرتم اللغة؛ فغيرتم المواقف. لقد عد العادون الكلمات بحروفها وزمنها، شخصت الداء ووصفت الدواء. إنها كلمة استثنائية، نعم استثنائية، ولكنها ليست استثنائية في قاموس الملك عبد الله، ولا في شخصيته ونهجه. وثيقة تاريخية أغلقت باب التدخل الخارجي، وأعادت الهيبة، وأمسكت زمام المبادرة، وغيرت صورة المعادلة في منطقتنا. إنها كلمة رجل الإسلام وفارس العروبة وملك الإنسانية في قيادته الحكيمة ودبلوماسيته الناجحة. كلمات قليلة ليس فيها مراوغة أو محاولة لكسب أو تبرير، ليس فيها حديث شخصي ولا منجزات ذاتية. كلمات صادقة حكيمة، نابعة من القلب؛ فكان موقعها الرضا والقبول.

جاء حديثكم ليقطع الصمت الرهيب، وليبدد الهواجس ويمزق التشاؤم، حديث من الفؤاد بنبرة معبرة وعبارات مؤثرة ومشاعر عربية إسلامية صادقة، ومصارحة متناهية ومصالحة خالصة، ثم أعلنتم باسم الجميع تجاوز مرحلة الخلافات وفتح باب الأخوة العربية والوحدة لكل العرب، دون استثناء أو تحفظ، ومواجهة المستقبل ـ بإذن الله ـ نابذين الخلافات صفاً واحداً كالبنيان المرصوص.ولئن كنت رجل المبادرات الجادة الحكيمة المحكمة، فإن هذه أم المبادرات وقمتها.. وما عليك بعد اليوم يا أبا متعب، وأنت رجل الإصلاح والحوار والعرب والإسلام والإنسانية، نحسب أنك قد أديت الذي عليك ونصحت لأمتك، ونرجو أن الله سبحانه قد أذن لهذا الليل الحالك أن ينجلي بفضل الله، ثم بمبادرتكم وصدقكم وطهارة قلبكم ونقاء سيرتكم وصفاء سريرتكم.

لقد أحرجتم الخصوم والمشككين في مواقفكم، بل لقد أنطقتموهم ليقولوا ما أردتم أن يقولوه، لا ما أرادوا أن يقولوه. عجزوا أن يلوذوا بالصمت، بل ألجأتموهم بصدقكم ومصداقيتكم ليقولوا الحق ويشيدوا بدوركم ويقدروا مواقفكم وليعترفوا بفضلكم. لقد ارتفع مقامكم فوق القامات، وعلا دوركم فوق الأدوار، وتحلق حولكم إخوانكم الزعماء والقادة كما تتحلق الكواكب حول مدارها. لم تقفوا عند الماضي متسائلين أو معاتبين، بل انتقلتم إلى المستقبل. أما ما أعلنتم من تبرع باسم الشعب، فجاء خالياً من الترفع أو المنة، بل لقد قلتم وصدقتم أن أي مبلغ مهما بلغ لا يوازي قطرة من دم فلسطيني. وهكذا فليكن الصدق، وهكذا فلتكن الدبلوماسية، واسمحوا لي يا خادم الحرمين أن أرفع لمقامكم الكريم التحية والتقدير باسمي واسم زملائي أعضاء مجلس الشورى على مواقفكم المخلصة وجهودكم الصادقة تجاه الوطن والأمة، فسيروا على طريق الحق والعزة والإباء، ونحن لكم ـ بعون الله ـ بعد ولي عهدكم السند والعضد والنصير».