مواقع الإنترنت في الصين.. بين رقابة الدولة وجرأة المدونين

رغم منع العديد من المواقع.. يزيد عدد المدونين على 70 مليوناً والمستخدمون أكثر 300 مليون

TT

كان القصد منه أن يكون بديلاً تهكمياً لحفل المنوعات الذي يتم بثه إلى مئات الملايين من المشاهدين عشية كل عطلة للعام القمري الجديد. إلا أن البرنامج الذي يطلق عليه «شنزهاي»، والذي تعني (احتفال)، «سري» أو «غير مسموح به»، لم يُكتب له أن يرى النور. وبعد أن سحبت محطات التلفزيون تعهداتها بحجز مكان له ضمن قائمة برامجها، اتجه منتجو العمل الهزلي إلى الإنترنت. ومع ذلك، أصيب من حاولوا تحميل البرنامج البالغ وقته 3 ساعات في 25 يناير (كانون الثاني) بالإحباط. فقد قامت الرقابة بحذف العرض، ومن المرجح أن ذلك حصل بسبب تهكمه على مؤسسة مقدسة وعلى هيئة الدولة. وأثارت هذه الحادثة عاصفة من الاحتجاجات بين متصفحي الإنترنت داخل الصين والذين أوضحوا بدورهم أن ما حدث ما هو إلا مثال آخر على الرقابة الشديدة للحزب الشيوعي على مواقع الإنترنت. ومنذ أوائل يناير (كانون الثاني)، شنت الحكومة حملة للآداب العامة على مواقع الإنترنت، أسفرت عن إغلاق أكثر من 1500 موقع عبر الإنترنت، وجدت أنها تحتوي إما على الجنس أو العنف، أو محتويات «سوقية وابتذال». وردت العديد من المواقع الأخرى بإزالة أي صفحات قد تثير حساسيات. وفي الشهر الماضي، أغلقت السلطات موقع «بولوغ» - وهو معقل للمدونين - موضحة أنه كان يحتوي على «قدر هائل من المعلومات الضارة بشأن الأحداث الجارية»، وذلك بحسب إعلان نشره مؤسس الموقع لو يونغهاو. وعندما حاول لو يونغهاو إعادة فتح الموقع يوم الأحد من جديد باستخدام خادم إنترنت من خارج الصين، تم إغلاقه مجددًا. ويعتقد الكثير من الأفراد هنا أن «بولوغ» قد يكون تجاوز الحد المسموح به بنشره معلومات عن الميثاق 08- وهو عريضة على الإنترنت تنادي بإصلاحات ديمقراطية. وأفاد المنظمون أن هذه العريضة استطاعت جمع آلاف التوقيعات منذ عرضها للمرة الأولى في شهر ديسمبر (كانون الأول). ونظرًا للرقابة الصينية النشيطة على الإنترنت، أصبح من المستحيل حاليًا الحصول على نسخة من هذه العريضة. وفيما يرى البعض أن هذه الإجراءات الصارمة المفروضة منذ قرابة شهر نذير بزيادة القيود الحكومية على حرية التعبير الإلكترونية، يقول المتابعون لعلاقة الصين النامية مع الإنترنت إنه مازال الوقت مبكرًا للبت في هذا الأمر. ويقول شياو كيانغ- مدير تشينا إنترنت بروجيكت بجامعة كاليفورنيا، بيركلي: «تضيّق السلطات الخناق كل بضعة أشهر، وفي بعض الفترات تكون القيود أشد من أوقات أخرى، لذا فليس هناك شيء جديد». إلا أن شياو وآخرين يقولون إن العامل الذي لم يكن متوقعاً هذه المرة هو التباطؤ الاقتصادي، والذي يطرح احتمالية ظهور اختبار جديد لرقابة الحزب الشيوعي على محتويات الإنترنت. وعلى مدار سنوات، حاولت الصين إحداث نوع من التوازن بين السماح بنمو قوي للمواقع الإلكترونية ومنع ذلك من أن يصبح أداة لتقويض حكم الحزب. إلا أن احتواء الغضب الشعبي ضد فساد المسؤولين أو عدم الكفاءة قد يصبح أمرًا عسيرًا في ظل الضيق الاقتصادي.

ورغم منع العديد من المواقع داخل الصين، ما زال لدى الصين مجتمع من مستخدمي الإنترنت من أكثر المجتمعات ديناميكية ونشاطًا في العالم. فهناك أكثر من 70 مليون مدون في الصين، وفي الشهر الماضي أعلن المسؤولون بتباهٍ أن عدد مستخدمي الإنترنت ناهز 300 مليون، وهو رقم أكبر من مثيله في أي دولة أخرى. وأصبحت شبكة المعلومات الدولية بمثابة منتدى للنشاطات العامة، كان سيتم قمعها سريعاً، أو تجاهلها على نحو واسع، إذا ما ظهرت خارج نطاق الإنترنت. وفي الشهور الأخيرة، تم شن عدد كبير من الحملات النشطة ضد صغار المسؤولين، متهمة إياهم بالفساد، أو السلوك غير اللائق. وفي إحدى الحالات الملحوظة في شهر ديسمبر (كانون الأول)، وجدت صورة عادية لزهو جيوغنغ- مسؤول إسكان في نانجينغ- طريقها إلى الإنترنت. ولاحظ المدونون، شديدو الملاحظة، الساعة السويسرية البالغ ثمنها 15 ألف دولار حول رسغ زهو، وعلبة السجائر التي يبلغ ثمنها 22 دولارًا التي كانت أمامه على الطاولة الجالس عليها. وبعد أسبوعين، تم فصل زهو بعد أن قرر المحققون أنه يعيش حياة مترفة غير ملائمة مقارنة بكونه مسؤولاً مدنياً يحصل على راتب متواضع. وقبل ذلك بأسبوعين، استقال مسؤول في الحزب الشيوعي في شنزين بعد اتهامه بالاعتداء على طفلة تبلغ من العمر 11 عامًا في حمام إحدى المطاعم. وأوقعت به كاميرا الفيديو الخاصة بالأمن، وعلى الفور تم تداول مقطع فيديو على الإنترنت، أظهره وهو يلوح بيديه لأسرة الطفلة المضطربة، ساخرًا منهم بطريقة متغطرسة. وهناك قضية وفد ونزهو الحكومي والذي فضح مدون الرحلات التي قاموا بها على نفقة الدولة إلى لاس فيغاس، وشلالات نياغرا، وفانكوفر، حيث وجد المدون إيصالات تدينهم في محطة مترو شنغهاي. وعقب نشر الوثائق على الإنترنت في ديسمبر (كانون الأول)، تم طرد مسؤولين اثنين بارزين من منصبيهما، فيما أجبر المسافرون الآخرون التسعة على كتابة مقالات نقد ذاتي بحقهم. وأقنعت تلك الحالات، بالإضافة إلى عشرات الحوادث الأخرى، المعلقين مثل أي ويوي، أن شبكة المعلومات العالمية ستمهد الطريق لعهد جديد من حرية التعبير والديمقراطية. وقال ويوي: «طالما أن هناك أناساً يهتمون بمشكلات المجتمع، فسيلجأون إلى الإنترنت لمعرفة المعلومات». ويقول أحد الفنانين وهو صاحب مدونة من أكثر المدونات قراءة في الصين، إن «أي» ساعد في إثارة زيادة التأييد الشعبي ليانغ جيا، وهو شاب يبلغ من العمر 28 عامًا تم اتهامه بقتل 6 ضباط شرطة في شنغهاي. ورغم إعدامه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، إلا أنه حاز على تعاطف شعبي كبير بعد أن أظهر السيد «أي» والعديد من المدونين الآخرين الإساءات التي قال يانغ إنه تعرض لها على أيدي ضباط الشرطة قبل ثورته التي أفضت إلى قتلهم. وتتخذ الحكومة لنفسها وضعًا جيدًا للحيلولة دون حدوث المزيد من الاحتجاج. ورغم عدم فعاليتها، فإن أسلحة الحكومة تتضمن إزالة مواقع إلكترونية، والذي يضمن منع مواقع أجنبية مثل موقع منظمة العفو الدولية، وفالون غونغ، بالإضافة إلى عدد من المواقع الإعلامية الناطقة باللغة الصينية في تايوان. وأزالت أيضاً الإعلانات والمنشورات التي تضمنت كلمات مثل «الديمقراطية»، «والدلاي لاما»، و«مذبحة تيانانمن». وعندما تخفق تلك الأدوات، تكون فرق الرقابة الموظفة من قبل المواقع الإلكترونية الخاصة مستعدة لتحقيق المراد. وهناك الآلاف من المعلقين الذين يتقاضون الأجور، ويمارسون عملهم على الإنترنت كمستخدمين عاديين للإنترنت للتصدي للانتقادات التي تنصب على الحكومة. وتعرف تلك الفئة بصورة ساخرة على أنهم أعضاء حزب الـ50 سنتًا، حيث يتم دفع مبلغ ضئيل قوامه 50 سنتًا صينياً لهؤلاء المتجهين إلى تشكيل الرأي العام نظير كل تعليق يتم نشره على الإنترنت.

وليس لدى ربيكا ماك كينون، الأستاذة المساعدة بمركز الدراسات الإعلامية والصحافية بجامعة هونغ كونغ، أدنى شك في أن الإنترنت قد أصبح أداة للإصلاح السياسي. فقد أصبحت مواقع الشبكة العالمية تعج بالرأي والانتقاد، وأضافت أنه عندما تحين اللحظة التي يتحدث فيها المشاركون عن التنظيم، يتم إغلاق الموقع والمحادثات التي عليه. وتابعت ماك كينون، والمطلعة على المدونات الصينية والرقابة المفروضة على الإنترنت: «لم تقرب كل تلك المحادثات عبر الإنترنت الصين من الديمقراطية عما كانت عليه قبل 10 سنوات».

وأضافت أنه من ناحية أخرى تستخدم الحكومة الإنترنت كصمام ضغط، وهذا من شأنه أن يتيح للمواطنين الشاعرين بالضيم أن ينفّسوا عن غضبهم قبل أن تأتي عليهم المرحلة التي يثورون فيها. وقالت: «يمكن لأحدهم أن يقول إن الإنترنت يمكّن الحزب الشيوعي من البقاء في السلطة لفترة أطول، لأنه يتيح مساحة للشعب لبث شكواهم دون تحقق تغيير حقيقي». * خدمة «نيويورك تايمز»