ساركوزي يتطلع إلى «صداقة استراتيجية» في المنطقة ويؤكد تعزيز دور بلاده في الخليج

دعا إلى «تفهم وحزم» في مشاورات واشنطن مع طهران

عمال في مطار الكويت ينظفون السجاد الأحمر قبل وصول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وسط عاصفة رملية (رويترز)
TT

أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أن زيارته للمنطقة التي اختتمها أمس في الكويت، وشملت على مدى يومين العراق وسلطنة عمان ومملكة البحرين، أتت لتعزيز دور بلاده في المنطقة بعد غياب طويل عنها. كما أن ساركوزي تطرق إلى عدد من القضايا التي تهم بلاده والمنطقة، منها احتمال فتح حوار أميركي - إيراني، قال إنه يجب أن يتم بـ«حزم»، مع ذهنية منفتحة، بالإضافة إلى قضية السلام.

وصرح ساركوزي في مؤتمر صحافي عقده أمس، في ختام زيارته للبلاد، التي توقف فيها لساعات، بأن زيارته للكويت وحرصه على أن تكون آخر محطات زيارته للمنطقة، «تعد تجديدا لالتزام فرنسا بخدمة الكويت ورعاية مصالحها، فهي اعتمدت علينا بعد الغزو العراقي عليها في 1990، ولن نتوانى عن تقديم الدعم وتوفير الحماية لها متى استدعى ذلك، فالتزام فرنسا بأمن الكويت ثابت وحازم».

واعتبر ساركوزي أن «هناك تحالفا بين البلدين ويجمعهما اتفاق في إطار من التفاهم، وتوافق حول مشروع الأمن في المنطقة، وضمان أمن الكويت»، معلنا أن وزيري دفاع البلدين «سيلتقيان حول هذا الأمر خلال الأسابيع المقبلة، وسيتوصلان إلى اتفاق قبل نهاية العام، بشأن مشاريع مهمة لضمان أمن الكويت، ومنها شراء أحدث الطائرات الفرنسية، وفرقاطات بحرية ونظام دفاع صاروخي». وذكر الرئيس الفرنسي: «نحن نعمل من أجل شراكة استراتيجية، عنوانها التحالف والصداقة بين البلدين، كما نطالب باعتبار فرنسا صديقة حاضرة في المنطقة، ولدينا خطط اقتصادية، وبحثنا عددا منها خلال لقائنا مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، كما وجدنا تطابقا في وجهات النظر بين البلدين حول الأوضاع في المنطقة، وهذا يعود إلى العلاقات الممتازة بين البلدين، ورغبتنا في تطوير هذه العلاقات». وأشار إلى أن «هناك عددا من الدول التي شملتها الجولة، وهي الكويت وسلطنة عمان ومملكة البحرين، تسعى إلى تنويع التعاون العسكري مع الدول الكبرى، وهذه الدول صغيرة من حيث عدد السكان، لكنها كبيرة من حيث حكمة واعتدال قادتها وحرصهم على الحفاظ على التنوع والسلام والوئام في المنطقة، وفي ما يتعلق بفرنسا، نريد أن نكون حاضرين في المنطقة لنساعد على إعمار العراق، وفرنسا تريد أن تكون صديقا استراتيجيا لدول مثل الكويت، ولهذا فإن هناك أمورا كثيرة ينبغي فعلها معا».

ودوليا، طلب الرئيس الفرنسي إمهاله إلى حين تشكيل الحكومة الإسرائيلية قبل أن يدلي برأيه حول عملية السلام ومستقبلها، قائلا: «لا أريد التحدث عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية قبل النتائج النهائية، والأمر الآن يعود إلى الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس، لتسمية رئيس الحكومة خلال أسبوع، وأتمنى الاحتفاظ بتعليقاتي لنفسي حتى يتم تعيين الحكومة، والسلطة هناك ستكون في موقف صعب في قضية السلام، لأن السلام يجب أن يكون بين معتدلين، لكن وزير الخارجية كوشنير سيشارك الشهر المقبل في مؤتمر إعادة إعمار غزة في القاهرة». وأضاف: «فرنسا أعلنت في أكثر من مناسبة استعداداها لمساعدة الفلسطينيين وتحسين الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، واعتبرت أن السلام وحده يحقق أمن إسرائيل، ونحن مع وجود دولة فلسطينية قابلة للاستدامة، لأنها هي التي تستطيع تحقيق السلام، ونحن سنشارك بعد أيام في مؤتمر الدول المانحة، لإعادة إعمار قطاع غزة الذي دعا إليه الرئيس المصري حسنى مبارك، وسيعقد في شرم الشيخ».

وعن دور فرنسا على الصعيد اللبناني في ما يتعلق بالمحكمة الدولية في مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، جدّد ساركوزي موقف بلاده وتصميمها «على استمرار المحكمة وأداء مهامها، وأسهمت في تمويلها، وفرنسا مصممة على معرفة الحقيقة في هذه الجريمة، ومعاقبة مرتكبيها، وملاحقة قتلة الحريري هو ما أعلنّاه، مع تمسكنا بضرورة تأسيس محكمة دولية للتحقيق في جريمة قتل الرئيس الحريري».

ونفى ساركوزي وجود صفقة فرنسية - سورية حول لبنان، مُبديًا تفهمه في الوقت نفسه لهذه الشكوك. وكشف فحوى لقائه الرئيسَ السوري بشار الأسد في دمشق قائلا: «فقد بحثت معه مواضيع عدة حول لبنان، وتكلمت بصراحة مع الرئيس الأسد، وفرنسا مهتمة بهذه المسألة، وموقفها لم يتغير، وحديثي مع الأسد في هذا الخصوص تم دون مواربة، وهو (الرئيس الأسد) كانت لديه شكوك، لكنني تفهمتها، وجميعكم تتذكرون حالة لبنان قبل تدخل كوشنير العام الماضي، أما الآن فهناك رئيس وبرلمان، وستعقد انتخابات قريبا، والحكومة اللبنانية اليوم تعمل، كما خرج لبنان من محور الاعتداءات الإرهابية التي تعرض لها، وتم فتح سفارة سورية في لبنان، ولا أرى أي مؤشر لتراجع الدور الفرنسي هناك».

وعن الملف النووي الإيراني، ذكر الرئيس الفرنسي أن «من الحكمة انتظار نتائج الانتخابات الإيرانية الرئاسية المقرر عقدها في يونيو (حزيران) المقبل، قبل دخول مناقشات هذا الملف مرحلة جديدة، كما أرجو أن يبدأ الرئيس الأميركي باراك أوباما المناقشات بروح من التفاهم والحزم أيضا، فإيران متى ما أرادت الحصول على الطاقة النووية السلمية، فهذا حقها، والشعب الإيراني يتوق إلى السلام والتنمية، لكن إذا كان الأمر يتعلق بحيازة سلاح نووي، فهذا سيتسبب في مشكلة مع المجتمع الدولي». وعن الدور التركي في عملية السلام واندماجها في الاتحاد الأوربي، قال ساركوزي: «تركيا لها دور محوري، فهي تقع بين أوروبا وآسيا، هذه الهوية المزدوجة يمكن أن تساعدنا على الحوار مع الجميع».

ونقلت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن «الرئيس الفرنسي تمنى أن لا يُفهم مبدأ تعزيز الحضور الفرنسي في المنطقة على أنه منازعة فرنسية للوجود الأميركي فيها، وكذلك يجب أن لا ينظر البعض إلى هذه الخطوة بشكل غير مرضٍ، في ظل وجود توجه فرنسي لتدشين قاعدة عسكرية في أبوظبي، ترابط خلال أبريل (نيسان) المقبل، لترابط فيها طائرات وسفن عسكرية بشكل مستمر، بغية المساعدة على استقرار أمن المنطقة»، وأضافت المصادر: «ساركوزي طالب الدخول في شراكات استراتيجية مع دول المنطقة في مجالَي الاقتصاد والتسليح، وهو ما يأتي بعد غياب فرنسي عن المنطقة لمدة تزيد عن العشرين عاما، متمنيا أن تكون زيارته فرصة جيدة لتدارك ما فات باريس في المنطقة خلال العشرين عاما الماضية».

وعلى المستوى الكويتي - الفرنسي تطرقت المباحثات إلى «تفاصيل صفقة تزويد سلاح الطيران الكويتي بطائرات (رافايل) الفرنسية، وتم الاتفاق المبدئي على أن تتراوح بين 14 و20 طائرة، والعمل على تحديث اتفاقية دفاعية وقعتها الكويت مع فرنسا عام 1992، وتتعلق بتحديد أطر التعاون بين البلدين في المجالين الدفاعي والعسكري، على أن ينجز هذا الموضوع في موعد أقصاه نهاية العام الجاري، مع ترك حرية الاختيار للكويت في تحديد احتياجاتها الدفاعية والعسكرية».

كما شملت المباحثات أيضا، نقلا عن المصادر، «بحث عدد من الملفات الهامة في المنطقة، حيث أطلع ساركوزي القيادة الكويتية على أبرز التطورات في الشأن اللبناني، وكذلك مساعي فرنسا لإرساء سلام عادل وشامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وخشية الطرف الفرنسي من حدوث تبدل في هذا المجال بعد هيمنة اليمين بمختلف توجهاته على الكنيست الإسرائيلي، وهو ما رأت فيه باريس خطوة إلى الوراء في شأن حلحلة الوضع المتأزم بين طرفي عملية السلام، خصوصا بعد أحداث غزة، والدور الفرنسي المصري لتهدئة الأوضاع، وترسية الهدنة بين الطرفين». ووقعت الكويت وفرنسا أمس عددا من الاتفاقيات الثنائية في مجالات الاقتصاد والتعاون الدبلوماسي، لتأسيس اتفاق كويتي - فرنسي بشأن الإعفاء المتبادل من تأشيرة الإقامة القصيرة لحملة جواز السفر الدبلوماسي لرعايا البلدين. وكان ساركوزي زار المنامة صباح أمس، ثاني محطة له في جولته الخليجية، وقد تخللها توقيع ثلاث اتفاقيات للتعاون بين البلدين. وأجرى ساركوزي محادثات مع العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، ثم تناول الغداء معه. ووقع مسؤولون فرنسيون وبحرينيون اتفاقية للتعاون العسكري حول الصفة القانونية للعسكريين من البلدين، في أثناء وجودهم في البلد الآخر، وإعلانا مشتركا حول التعاون في المجال النووي المدني، إضافة إلى بروتوكول اتفاق حول تدريب الأطباء البحرينيين في فرنسا.