القوائم المالية المغشوشة

سعود الاحمد

TT

 يتعمد أعضاء مجالس إدارات في بعض الشركات المساهمة، ارتكاب مخالفات وتجاوزات ... في محاولة لإخفاء الخسائر الناتجة عن التعاملات في الأسواق العالمية التي كما نعلم قد أصابها ما أصابها من تداعيات الأزمة المالية.

من ذلك تأجيل الاعتراف بالخسائر، ومن ثم معالجتها بالأعوام القادمة. رغم أن هذا الأمر محسوم، بالمبدأ المحاسبي المعروف بالفترة المالية، الذي يوجب الفصل بين الفترات المحاسبية وإثبات الأحداث المالية في الفترة المالية التي حدثت فيها، حيث لا يجوز إرجاء الاعتراف بها للفترات المالية القادمة. وإذا حدث وأن تأخر الاعتراف بها، فيجب أن يعالج هذا الإجراء على أنه تصحيح  خطأ (وطبقاً لمعايير المحاسبية المالية). كما يجب أن يظهر به إفصاح واضح ويعالج بالقوائم المالية منفصلاً عن نتائج هذا العام، بتفاصيل لمبالغ هذه الخسائر وشرح واضح يفي بمتطلبات الإفصاح والشفافية. ثم يثبت المبلغ في البند المختص بقائمة المركز المالي.

مع ملاحظة أن حساب الأرباح والخسائر أو ما يسمى بقائمة الدخل تختص بالفترة المحاسبية الحالية (فقط). بمعنى أنه يجب ألا يدخل بها نتائج عمليات أو أحداث سابقة لهذه الفترة. فهي وكما يُكتب في أعلاها، قائمة الدخل للعام المالي المنتهي بتاريخ (كذا). وإذا دخل بها أي رقم عن نتائج عمليات فترة ماضية، فيجب أن يعتبر ذلك استثناء ويوضح سبب ذلك رقماً وكتابة ... وبالتالي فإن قائمة الدخل يجب أن تحتوي على ترجمة لجميع نتائج الأحداث المالية المتعلقة بالفترة.

ولأنه وكما هو معلوم أن الأزمة المالية العالمية بدأت منذ أكثر من عامين. وبالتالي فإن الذين تأخروا في الاعتراف بخسائر السنوات المالية الماضية، عليهم أن يعترفوا بالخطأ ويوضحوا للعامة ... ما سبق وتجاهلوا الاعتراف به من خسائر في حينها. فهذا التأخير تسبب في إخفاء الحقائق عن المستثمرين، حيث تمت مفاجأتهم بالخسائر مجتمعة بهذا العام. ولو علموا بالخسائر في حينها بالعام الماضي، لكانوا تخلصوا مما لديهم من أسهم بالعام الماضي!. كما أن الذين اشتروا أسهم شركات خاسرة قد غُرر بهم. لأن القوائم المالية لم تُفصح عن جميع الخسائر التي كانت قد حدثت في حينها (بمعنى أنها مغشوشة)!. وبناءً عليه، فإن العديد من قرارات المستثمرين التي بنيت على نتائج قوائم العام الماضي لم تكن ذات مصداقية.  أما عن ميزانية الشركة أو ما يسمى بقائمة المركز المالي التي كان من المفترض أن تُظهر الوضع المالي في تاريخ محدد (31/12). وعلى هذا الأساس يجب ألا يتأخر الاعتراف بحدث مالي سبق وان تحقق. لأن التأخير يعني عدم مصداقية القوائم المالية في تمثيلها للمركز المالي للفترة الماضية. وان أعضاء مجالس إدارات هذه الشركات الذين كانوا يكثرون الظهور بوسائل الإعلام ويعلنون بأنهم لم يتأثروا بالأزمة، ويتحدثون عن أوضاع شركتهم دون إيضاح الحقائق للمستفيدين بأن شركتهم قد خسرت مع من خسر، كان من الممكن الشفافية مع التحفظ في المبلغ ... بشرط أن يبذل الجهد الكافي لمعرفة مقدار الخسائر والإفصاح عنها في وقتها.

واليوم وبعد أن حدث ما حدث وخسر من خسر ... فأرجو ألا يستفيد البعض من مثل هذه الخسائر، ليسجل ما كان لديه من خسائر متراكمة بسنوات ماضية مع خسائر هذا العام. وينوه عن ذلك بالإيضاحات بجمل يتلاعب في ألفاظها، مستغلاً نقطة ضعف المستفيدين من القوائم المالية. بأن الغالبية تقرأ الأرقام ولا تتفحص الإيضاحات. وبالأخص الإيضاح المتعلق بالسياسات المحاسبية التي بني عليه إعداد القوائم المالية. كما أن الغالبية لا يقرأ تقرير مراجع الحسابات. وأن بعضهم إذا قرأ القوائم المالية بكامل محتوياتها، فقد يواجه صعوبة في فهم المصطلحات والعبارات المبهمة التي يتعمد البعض توظيفها لإخفاء الحقائق ... وكل ذلك في ظل حجب لآلية التحليل المالي للقوائم المالية للشركات المساهمة.

وختاماً ... أود تذكير مراجعي الحسابات، بأن مسؤوليتهم لا تبرأ مع الوقت بعكس أعضاء مجالس الإدارات الذين يمنحهم النظام براءة ذمة!.

* كاتب ومحلل مالي [email protected]