الصين على رأس أولويات كلينتون الراغبة في علاقة مميزة مع بكين

وزيرة الخارجية الجديدة تريد «أجندة موسعة» في العلاقة بين البلدين

TT

إبان خوض هيلاري كلينتون السباق نحو الرئاسة العام الماضي، أثارت الاندهاش في دوائر السياسة الخارجية، خاصة في اليابان، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في آسيا، عندما أعلنت في مقال في مجلة السياسة الخارجية أن علاقتنا مع الصين ستكون من أهم العلاقات الثنائية في العالم خلال هذا القرن.

أما الآن وقد صارت وزيرة للخارجية، ستقوم كلينتون بتنفيذ تلك التصريحات الجريئة، اذ غادرت متوجهة إلى آسيا في أولى رحلاتها الخارجية كأرفع مسؤول دبلوماسي في البلاد، حيث تكون طوكيو أولى محطاتها في الجولة التي تشمل أربع دول. غير أن هيلاري ومسؤولي الإدارة الآخرين أوضحوا أنهم يرغبون بتطوير العلاقات مع بكين ومحاولة إيجاد سبل جديدة للتعاون، بين أضخم وأسرع اقتصادين نموا في العالم، خاصة في مجالات التغيير المناخي والبيئة.

وقالت هيلاري في حديثها يوم الجمعة أمام الجالية الصينية في نيويورك «يعتقد البعض أن نمو الصين يشكل خطرًا، لكننا نعتقد، على النقيض من ذلك، أن الولايات المتحدة والصين بإمكانهما الاستفادة والمساهمة في نجاح بعضهما بعضا. ومن مصلحتنا العمل معا لبناء مناطق من الفرص والاهتمام المشترك».

ويرى العديد من المحللين أن العلاقات الجيدة مع الصين واحدة من بين النجاحات القليلة لإدارة بوش، لكن كلينتون ومساعديها أشاروا إلى أن العلاقة الإجمالية تم اقتناصها من قبل وزارة الخزانة التي أبقتها مقتصرة على السياسة الاقتصادية، وطالبت هيلاري بما تسميه «بالحوار الشامل» و«الأجندة الموسعة»، وقال مساعدوها إنها ستقدم مقترحات للقادة الصينيين لعقد مناقشات منتظمة على مستوى رفيع بين الحكومتين.

ويقول المحللون إن اللحظة مواتية لعقد مثل تلك المحادثات بين الدولتين. فيقول مايكل جرين، كبير مستشاري الرئيس بوش لشؤون آسيا، على الرغم من الأزمة المالية العالمية وحالة الاضطراب في الشرق الأوسط، إلا أن المؤرخين سيحكمون على هذه الإدارة وجيلنا في كيفية نجاحنا في إدارة تحول القوى من الغرب إلى الشرق ونهضة الصين والهند».

ويقول ديفيد شامبواغ مدير برنامج السياسة الصينية في جامعة جورج واشنطن «إنهم في موضع جيد مع الصين، فقد ورثوا أفضل العلاقات التي حظينا بها مع الصين منذ 20 عامًا، وهناك درجة عالية من التفاهم والحرفية والثقة وهناك اعتماد متبادل بين الدولتين».

لا يزال النهج الذي تتبعه كلينتون يحمل بعض المخاطر، مثل تعكير العلاقات في الوقت التي يزيد فيه الاقتصاد العالمي، الذي يناضل من أجل استعادة توازنه، من اعتماده على التعاون بين الدولتين، وكانت هيلاري قد انتقدت سجل الصين في حقوق الإنسان، إبان سباق الترشح للرئاسة، ومن قبل كسيدة أولى، ـ وهي قضايا حساسة تأتي في عام يوافق الذكرى الخمسين لمعركة الدالاي لاما في التبت والذكرى العشرين لانتفاضة ميدان تيانانامن.

وفي حديثها يوم الأربعاء الماضي أشارت كلينتون إلى أن «الدولتين ستلزمان أنفسهما والدول الأخرى بالخضوع للمحاسبة خلال العمل المشترك لتعزيز حقوق الإنسان وخلق عالم يحترم تلك الحقوق، عالم يتمكن من خلاله التبتيون والصينيون التمتع بالحرية الدينية من دون اضطهاد، كجزء من الحوارات المشتركة بين الدولتين». وقلل مسؤولو وزارة الخارجية من احتمال إصدار بيان في رئيس خلال الرحلة، لكنهم قالوا إنها تعد مهمة بصورة رمزية لأن كلينتون أول وزيرة خارجية أميركية، خلال ما يقرب من خمسين عامًا تركز رحلاتها الأولى بصورة مكثفة على آسيا.

إضافة إلى اليابان والصين ستقوم كلينتون بزيارة كوريا الجنوبية وإندونيسيا، وسيرافق الوزيرة في هذه الرحلة تود ستيرن المبعوث الخاص للإدارة بِِشأن مفاوضات تغير المناخ في محاولة لبدء مناقشات حول توحيد الجهود بشأن قضايا المناخ، وأشارت كلينتون في خطابها يوم الجمعة إلى إن الصين تخطت في الفترة الولايات المتحدة كأكبر مطلق للغازات الملوثة للغلاف الجوي. وفي محاولة لإبراز دور الشراكة بين القطاعين العام والخاص من المقرر أن تقوم بزيارة إلى مصنع الطاقة الحرارية الذي بنته شركة جنرال إلكتريك وتشاينا تكنولوجي.

كما ستكون المحادثات المتوقفة بشأن البرنامج النووي لكوريا الشمالية الموضوع الرئيس في قضايا شمال آسيا، وتترأس الصين المفاوضات السداسية التي باتت في وضع حرج نتيجة لرفض كوريا الشمالية الالتزام بخطة للتأكد من نطاق أنشطتها النووية. وعندما حاولت كلينتون التقدم في المفاوضات مع كوريا الشمالية، وافقت في الوقت نفسه على لقاء عائلات المواطنين اليابانيين الذين اختطفتهم كوريا الشمالية.

ويأتي الغرض من التوقف في إندونيسيا إظهار اهتمام الإدارة بتوثيق العلاقات مع جنوب شرقي آسيا، حيث قامت الصين بعدد من التدخلات الدبلوماسية والتجارية المهمة خلال السنوات الخمس الماضية، وهي الأعوام التي أبقت الولايات المتحدة مشغولة بالعراق. وتنوي كلينتون الإعلان عن عزمها حضور اجتماع وزراء جنوب شرقي آسياـ التي حاولت سلفها كونداليزا رايس تجنبه ـ ويتوقع أن تشير كلينتون إلى رغبة الولايات المتحدة في توقيع معاهدة «صداقة وتعاون» كانت إدارة بوش قد رفضت توقيعها من قبل. وكانت دول أخرى قد وقعت الاتفاقية التي تطالب بعلاقات سلمية مع اتحاد دول جنوب شرقي آسيا المعروف اختصارا بـ(آسيان).

على الرغم من بقاء اليابان الحليف الأقرب للولايات المتحدة في المحيط الهادئ قالت كلينتون «إن خمسين عاما من التحالف الأمني مع اليابان كان ويجب أن يظل راسخًا»، إلا أن حكومة رئيس الوزراء تارو آسو لا تحظى بالشعبية وضعيفة إلى حد بعيد، فقد ارتفع الين مقابل الدولار في أكبر ارتفاع يشهده منذ 13 عاما نتيجة لتسييل المستثمرين اليابانيين لحساباتهم الخارجية مع انخفاض الطلب الخارجي على الأصول اليابانية الامر الذي يدفع البلاد إلى هوة الكساد. على النقيض من ذلك يبدو أن القيادة الصينية متأكدة من قدرة الصين على تحمل العاصفة الاقتصادية ولعب دور مهم في إنهاء تلك الأزمة، وقال وين جياباو، رئيس الوزراء الصيني، في حديثه أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في سويسرا الشهر الماضي «هل سيستمر الاقتصاد في النمو بسرعة وثبات؟ نعم سيتمكن من ذلك. ونحن على يقين تام بتقديرنا الصائب للموقف وبتوافق السياسات». وصنف البنك الدولي خطة تحفيز الاقتصاد الصينية هذا الشهر بأنها ثاني أضخم خطة بالنظر إلى الناتج المحلي الإجمالي، التي شهدت ثاني أكبر تأثير بين مجموعة دول العشرين في إدارة الأزمة الاقتصادية وتأتي خطة إدارة أوباما خلفها مباشرة (في حين تحل الخطة السعودية في المرتبة الأولى). وقال نيكولاس لاردي زميل بارز في معهد بيترسون للاقتصادات الدولية «الحافز الصيني هو المعيار الذهبي في الدول المعنية، ويتوجب عليها أن تعطيهم تصديقًا على ذلك... والحكومة الصينية تملؤها الثقة، وأعتقد أنها تشعر بأن لديها برنامجا جيدا قائما بالفعل سيسهم في نمو الاقتصاد». تمتلك الصين ما يقرب من 700 مليار دولار من سندات الخزانة الأميركية، مما دفع بعض المحللين إلى القول إن الصين بإمكانها استخدامها ضد الولايات المتحدة إذا ما توترت العلاقات بين الدولتين، لكن في إشارة إلى الاعتماد المتبادل بين الدولتين قال مسؤول بارز في نيويورك إن بكين لديها خيارات ضئيلة لكنها ستداوم على شرائها.

ويقول لو بنغ، المدير العام لمفوضية المنظمة لأعمال البنوك الصينية إلى الصحافيين: «ما الذي يمكنك أن تحصل عليه غير سندات الخزانة الأميركية؟ الذهب؟ أنت لا تملك سندات الحكومة اليابانية أو البريطانية، وسندات الخزانة الأميركية هي الملاذ الآمن، وبالنسبة للجميع ومن بينها الصين هي الخيار الوحيد».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»