قلق من تداعيات الأزمة المالية على العمالة الآسيوية

5 ملايين هندي يعملون في الخليج العربي

عامل هندي يعمل في بناء مركب بدبي (إ.ب.أ)
TT

امتدت تأثيرات الأزمة المالية العالمية إلى قطاع العمالة المهاجرة التي انتشرت في العقود الأخيرة في العديد من مناطق العالم التي شاهدت عمليات تنمية متسارعة. وقد احتاجت مشاريع التنمية في تلك المناطق، ولا سيما في منطقة الخليج العربي إلى مئات الألوف من العمالة قدم معظمهم من دول آسيوية. وينتشر العديد من المخاوف بين المسؤولين في الدول التي تمد دول الخليج بالعمالة من التأثيرات الاجتماعية لتسارع وتيرة الاستغناء عن العمال وخفض الأجور في بعض الدول مثل الإمارات والبحرين.

فخارج مطار تريبهوفان الدولي في العاصمة النيبالية كاتمندو، تتجمع مجموعات من الشباب معظمهم في مطلع العشرينات للحاق بالطائرات التي تغادر نيبال، حيث يتوجهون جميعا للخارج سعيا وراء فرص عمل.

ويجلس بينهم بالدين تامانغ (22 عاما) وينتابه القلق لمغادرته البلاد للمرة الأولى، ويحاول وكيله المحلي أن يهدئ من روعه بإسداء النصائح التي يجب الالتزام بها عندما يصل إلى قطر.

وحصل تامانغ على وعد بالعمل في وظيفة كعامل في شركة إنشاء مقابل حوالي 10 آلاف روبية ( 130 دولارا) شهريا بجانب توفير الغذاء والمسكن. وهذا الأجر يمثل ثروة للفقراء الذين يعيشون في تلال نيبال الذين تندر أمامهم الفرص للحصول على فرصة عمل في موطنهم.

وقال تامانغ والقلق يتملكه: «تمكنت من جمع الأموال الضرورية للاستعدادات وذلك ببيع بعض ممتلكات العائلة واقترضت المبلغ المتبقي من مقرض أموال بإحدى القرى».

وأضاف«سيكون عملا شاقا وسأسدد القروض التي حصلت عليها».

وفي دبي تجمع نحو عشرة من العمال الأجانب لمواساة عامل البناء الهندي سونام مالاياه الذي فقد وظيفته توا. ولكن حتى هؤلاء العمال لم يستطيعوا التفوه بكلمات الأمل والرجاء في ظل الغموض الذي يحيط بمصيرهم.

كان مالاياه قد استدان وباع قطعة الأرض التي يملكها في ولاية أندرا باراديش جنوب الهند من أجل توفير 150 ألف روبية هندية (3090 دولارا) لتقديمها إلى الوسيط الذي أحضر له عقد عمل في دبي إحدى إمارات دولة الإمارات العربية المتحدة.

وبعد أسابيع قليلة من بدء عمله في دبي مقابل 1600 درهم شهريا تبددت أحلام مالاياه (30 عاما) بتوفير حياة أفضل لزوجته وأطفاله.

وأوضحت وكالة الأنباء الألمانية في تقريرها من كاتمندو أن آلافا من الرجال والسيدات مثل تامانغ يغادرون نيبال شهريا للعمل في منطقتي جنوب شرقي آسيا والخليج، ويراودهم الأمل في الحصول على أموال لإنقاذ عائلاتهم من غول الفقر.

ولكن مع بدء تأثر الدول المضيفة لهم بأزمة الركود الاقتصادي العالمية، أصبح مستقبل تامانغ وآخرين مثله محل شك.

وتشير أرقام حكومية إلى أن حوالي 1.3 مليون نيبالي يعملون حاليا في دول جنوب شرقي وشرق آسيا والخليج، ويعمل مئات آلاف آخرين في الهند.

وفي قطر التي تعتبر بالإضافة إلى الإمارات العربية المتحدة والسعودية المقصد المفضل للعمال النيباليين، حيث يعمل أكثر من 800 ألف آخرين في هذه المنطقة، حذر السفير سورايا ناث من أن قطاع الإنشاء في تلك الدول الذي يعمل به 95في المائة من العمال النيباليين أصبح معرضا حاليا للتأثر بالركود الاقتصادي العالمي.

وقال مسؤولون نيباليون في الخليج إنه بينما لا يوجد حتى الآن تسريح جماعي للعمال النيباليين في الخليج، فإن مثل هذا الأمر «التسريح الجماعي للعمال» قد يصيب الاقتصاد النيبالي بشكل حاد.

وقال بيشال بهتري من وزارة العمل وإدارة النقل: «وفقا لتقديرات منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بلغت قيمة تحويلات العمالة في الخارج حوالي 142 مليار روبية سنويا. (الروبية تساوي 0.0127 دولار).

وحذر خبراء اقتصاديون من أنه إذا حدث تسريح جماعي للعمال، فإن نيبال لن تواجه متاعب اقتصادية فحسب ولكن أيضا اضطرابات اجتماعية.

وقال شانكر شارما الخبير الاقتصادي «الحكومة تكافح من أجل حل أزمة الشباب العاطلين المتبقين في البلاد، ولو أعيد مئات الآلاف من العاملين في الدول الأجنبية إلى موطنهم، سيؤدي هذا الأمر إلى مشاكل اجتماعية».

وأضاف شارما «اعتمد اقتصاد نيبال بشكل كبير على تحويلات العمال في الخارج خلال فترة التمرد التي استمرت عقدا من الزمن ومن دونهم فإنه يحتمل تأثر اقتصاد البلاد بشدة»، مشيرا إلى تمرد الماويين الذي انتهي منذ عامين.

واستطرد «المشاكل ستمتد من عام 2009 وخلال عام 2010، وستضطر نيبال لمواجهة تأثيرات حادة».

وأفاد تقرير حكومي يحمل اسم «مسح مستوى المعيشة في نيبال» بأن مساهمات العاملين في الخارج قلصت الفقر من 1996 إلى 2003 بنسبة 11 في المائة، وأضاف أن التحويلات المالية لم تساعد فقط على تخفيض معدلات الفقر ولكن ساعدت أيضا على تقليص عمق وحدة الفقر في نيبال.

وقال جانيش جورنغ الباحث الاجتماعي «مع وصول التحويلات المالية للناس في أرجاء البلاد، فإن توقفها المفاجئ لن يؤثر على حياة العمال فحسب ولكن سيشمل أعضاء الأسر الذين يعتمدون على هذه الأموال».

وأضاف جورنغ «تسريح شخص واحد من العمل سيؤثر على مستوى ثمانية أشخاص آخرين يعتمدون على الأموال التي يرسلها لهم».

ولا يقتصر تأثير تسريح العمال فقط على العائلات وإنما يشمل وكالات التشغيل ووكلاءهم ومالكي الفنادق الذين يوفرون المسكن للعمال العائدين أو المغادرين للعمل.

وقال تاليك رانابهات رئيس رابطة شركات تسفير العمالة للخارج «حتى الآن يوجد طلب على العمال» وأضاف «ولكن عدد الأشخاص الذين يسافرون للخارج للبحث عن العمل شهد انخفاضا طفيفا خلال الأيام الماضية».

وأعرب رانابهات عن أمله في تجاوز هذه المرحلة وهو الأمل الذي يتردد صداه في أمنيات مئات الآلاف من الشعب النيبالي الذين يعملون في الدول الأجنبية والآخرين الذين يعتمدون على تحويلاتهم المالية.

وفي منطقة الخليج أصبح العمال الأكبر سنا مثل البنغلاديشي شاهغيهان آلام الذي يعمل في دبي أكثر قلقا بشأن صديقهم الهندي.

يقول آلام في مقابلة عبر الهاتف: «إنه يلتزم الصمت وهو في حيرة لا يعرف كيف سيعود إلى بلده مثقلا بالديون وبجيب خاو.. نخشى أن يقدم على الانتحار».

إلا أن وزارة شؤون الهنود في الخارجية الهندية تؤكد أن الموقف لا يدعو إلى القلق ولكن أنباء تسريح العمال وخفض الأجور تتوالي من الإمارات العربية المتحدة والبحرين اللتين تضررتا من تراجع أسعار النفط وانكماش قطاع التشييد والسياحة بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية.

ويعمل في الإمارات حوالي 1.8 مليون هندي وفي البحرين حوالي 400 ألف هندي يمثلون حوالي نصف عدد الهنود العاملين في منطقة الخليج ككل البالغ حوالي5 ملايين عامل. وقد تأثرت أوضاع الهنود في دول الخليج الأخرى مثل الكويت وسلطنة عمان وقطر والمملكة العربية السعودية ولكن بدرجة أقل.

وعلى الرغم من عدم وجود أرقام محددة إلا أن القنصلية الهندية في دبي ذكرت أن شركات البناء أعدت خططا للاستغناء عما بين 20 و30 ألف عامل خلال الشهور المقبلة، بحيث سيتم إعادتهم إلى بلادهم في إجازة طويلة أو إعادة تشغيلهم في مشروعات بدول خليجية أخرى مثل قطر.

وتفيد تقديرات غير رسمية بأن آلاف العمال عادوا إلى مواطنهم في منطقة تيلانغانا بولاية أندرا براديش على مدار الأشهر القليلة الماضية في حين سجلت ولاية كيرالا التي يعمل عدد كبير من أبنائها في الخارج عودة نحو150 عاملا كل أسبوع.

كما يواجه المهنيون والموظفون الهنود في الخارج احتمالات إنهاء عقودهم والعودة إلى بلادهم، حيث تتركز عمليات الاستغناء عن العاملين في قطاعي السياحة والبنوك. كما تراجعت فرص عمل مندوبي المبيعات والتسويق.

يقول موظف هندي في شركة الإمارات للاتصالات الدولية: «أربعة من أصدقائي من قطاعي الخدمات المالية والسياحة فقدوا وظائفهم خلال يوم واحد رغم أنهم على درجة عالية من الكفاءة» .. مع اتجاه العديد من الشركات إلى خفض النفقات فإنه يتم توظيف العاملين حاليا بأجور أقل. وعاد عدد من الموظفين لبلادهم بعد أن أصبحت أجورهم أقل من أن تتيح لهم البقاء في الخارج».

يقول كيه في شمس الدين رئيس مؤسسة هندية للضمان الاجتماعي في دبي عبر الهاتف «حتى عام 2008 كان الخليج يشهد ازدهارا حقيقيا في مجالي الإنشاءات والعقارات وكان جاذبا للعمال .. لكن الآن تشير التقارير إلى انه تم تأجيل مشروعات تشييد بقيمة 260 مليار دولار في الإمارات العربية المتحدة».

ووفقا لتقديرات العمال فإن الشركات العقارية العملاقة في الإمارات مثل نخيل وداماك وإعمار استغنت عن آلاف العمال خلال الشهور القليلة الماضية.

يقول آلام «بعض الشركات منحت العمال عطلة من دون أجر والبعض الآخر ينظم سحبا بين العمال لاختيار الذين سيتم الاستغناء عنهم».

وتتبع الحكومة الهندية الموقف عن كثب خوفا من تفجر أزمات اجتماعية حادة نتيجة عودة آلاف الهنود من الخارج بعد أن فقدوا حلمهم في الثراء.

وأوضحت وكالة الأنباء الألمانية أن الهنود يشكلون حوالي 38 في المائة من إجمالي الأجانب العاملين في منطقة الخليج وعددهم 13 مليون عامل ويمثلون حوالي 20 في المائة من إجمالي تحويلات الهنود العاملين في دول العالم التي تمثل حوالي 3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد الهندي وفقا لتصريحات أكشاي روت المتحدث باسم وزارة شؤون الهنود في الخارج.

وقد ساعد العمل في دول الخليج عددا لا يحصى من الأسر الهندية على الخروج من دائرة الفقر خلال السنوات العشر الماضية. كما أن تحويلات هؤلاء العمال ساعدت في ازدهار قطاعات التشييد والسياحة والتعليم في ولايات مثل كيرلا وأندرا براديش.

يقول أفيجيت ناندا رئيس «تايمز أوف مني» إحدى شركات تحويل الأموال الرئيسية في الهند إن عمليات تسريح العمال في منطقة الخليج، خاصة في قطاع التشييد سوف يؤدي إلى تداعيات اقتصادية خطيرة على الكثير من الأسر الهندية التي تعتمد في حياتها على تحويلات أبنائها العاملين في منطقة الخليج.