فيما تسعى إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى استكشاف سبل التواصل مع سورية وسط تساؤلات حول إذا كان هناك ما يكفي من التوافق بين البلدين في القضايا الاساسية للوقوف على أرض مشتركة، بحث الرئيس السوري بشار الأسد والسيناتور الأميركي جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في دمشق أمس العلاقات بين واشنطن ودمشق. وقالت مصادر أميركية إن زيارة الوفد الاميركي الى دمشق هدفها ارسال رسالة وهى ان «الأميركيين يريدون التواصل مع البلاد التي كانت علاقاتها مع أميركا متوترة.. إذا كانت تلك البلاد راغبة في هذا»، موضحين أن المحادثات تستهدف معرفة ما إذا كان لدى سورية الرغبة والقدرة على تغيير سياساتها بما يسهم في فتح صفحة جديدة بين البلدين. وكان كيري قد قال في تصريحات في بيروت إن واشنطن «ستستأنف التواصل الدبلوماسي مع سورية دون أي سذاجة أو أوهام.. لكن في المقابل تتوقع اميركا من سورية ان تغير سلوكها، خصوصا في العراق ولبنان». وجاءت مباحثات الاسد مع كيري وسط زيارات اميركية مكثفة الى العاصمة السورية، فقد اجتمع الأسد ايضا امس مع هاوارد بيرمان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الذي كان ضمن الوفد الاميركي. كما اجتمع كيري كذلك مع فاروق الشرع نائب الرئيس السوري. ويأتي ذلك فيما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية ليل أول من امس أنها نظمت اجتماعا بين السفير السوري عماد مصطفى ومساعد وزيرة الخارجية الاميركية بالوكالة والسفير الاميركي في بيروت جيفري فلتمان لبحث العلاقات بين البلدين، وذلك في اول اجتماع من نوعه منذ أشهر. وطالب الأسد واشنطن بالابتعاد عن «سياسة الإملاءات التي ثبت عدم جدواها» خلال استقباله لوفدي الكونغرس. وقال بيان رسمي سوري إن الأسد بحث مع هاورد بيرمان وجون كيري خلال استقباله لهما كلا على حدة «العلاقات الثنائية بين سورية والولايات المتحدة». وأكد الأسد أن العلاقة بين الجانبين يجب أن تقوم على أساس من «الفهم الصحيح لقضايا المنطقة والمصالح المشتركة». وشدد الأسد على «ضرورة الابتعاد عن سياسة الإملاءات التي ثبت عدم جدواها»، موضحا أن «الحوار هو الطريق الوحيد لمعرفة حقيقة المشكلات ووضع رؤية شاملة للحلول تستند إلى تاريخ المنطقة وحقوق شعوبها». وقال الأسد إن أي حديث عن عملية السلام يتطلب أولا «وجود أطراف يؤمنون بالسلام ولديهم النية الصادقة للعمل من أجل تحقيقه». من جانبه، وصف كيري محادثاته مع الأسد بـ«الايجابية والشاملة»، وقال في تصريح صحافي عقب الاجتماع «أجريت مع الرئيس الأسد محادثات مكثفة حول مسائل تهم سورية والولايات المتحدة والمنطقة»، معربا عن اعتقاده بأن الرئيس أوباما وإدارته «سيبدأون بالانخراط في بحث كل الإمكانيات في المنطقة».
ويشوب التوتر العلاقات السورية – الاميركية بسبب دعم دمشق لحركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية حماس وحزب الله اللبناني واتهامات لسورية بانها تسمح لمقاتلين اسلاميين بالتسلل الى العراق وشبهات بشان برنامج نووي سري وهو ما تنفيه سورية. وقال الرئيس السوري مؤخرا ان سورية تريد اقامة حوار بناء مع الولايات المتحدة والرئيس باراك أوباما الذي تولى الحكم من الرئيس السابق جورج بوش في الشهر الماضي والذي قال خلال حملته الانتخابية انه يريد التواصل مع سورية. وكانت العلاقات بين سورية والولايات المتحدة تدهورت في عهد بوش الذي فرض عقوبات عام 2004 على دمشق.
وفيما أكد البيت الابيض أن الولايات المتحدة وشركاءها «لا يمكنهم تأخير» معالجة المخاوف من البرنامج النووي الايراني، طلبت وزارة الخارجية الاميركية لقاء السفير السوري في واشنطن في أعقاب إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية العثور على جزيئات يورانيوم في موقع في الصحراء السورية. وقال المتحدث باسم البيت الابيض روبرت غيبس إن «البيت الأبيض يدرك انها مشكلة عاجلة يجب معالجتها ولا يمكن تأخير معالجتها.. بالعمل مع شركائنا».
فيما قال المتحدث باسم الخارجية الاميركية غوردون دوغيد ان الولايات المتحدة طلبت لقاء السفير السوري بعد تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن منشأة نووية مفترضة. وقال ان مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الاوسط بالوكالة جيفري فلتمان طلب اللقاء بعماد مصطفى، موضحا ان هذا اللقاء يشكل «خيارا لبحث القلق مع السوريين». ولم يحدد الناطق اي موعد للقاء، لكنه قال «لا تزال هناك خلافات جوهرية بين حكومتينا خصوصا في مسألة دعم سورية لمجموعات وشبكات إرهابية ونشاطاتها في الحصول على اسلحة نووية غير تقليدية».
ووصف مصطفي زيارة أعضاء الكونغرس الاميركي لسورية بأنها: «هامة جدا»، غير أنه شدد على أنه «سينتظر ليرى إذا ما كانت هذه الزيارات ستؤدي الى اى تغيير في نوع الحوار بين سورية وأميركا». وتابع في تصريحات لوكالة أسوشييتد برس الأميركية: «دعونا ننتظر لنرى ماهية الاهداف التي نريد جميعا الوصول اليها.. وأين نتفق وأين نختلف». وقال مصدر إعلامي في السفارة الأميركية بدمشق لـ«الشرق الأوسط» إن فيلتمان طلب مقابلة مصطفى بعد عودته من دمشق. وقال المصدر إن لقاء فيلتمان ومصطفى يمكن أن يكون «مناسبة لمناقشة هذه المواضيع» التي تشكل مصدرا للخلافات بين البلدين، لافتا إلى أن أوباما وهيلاري كلينتون أكدا على أنه «من المهم بالنسبة لهما الانخراط في محادثات مباشرة مع سورية لكي نعبر عن خلافاتنا الأساسية ولنجد الإمكانيات من أجل التقدم». وبالرغم من توتر العلاقات بين دمشق وواشنطن، فإن الدولتين لم تقطعا علاقاتهما الدبلوماسية ولكن واشنطن استدعت سفيرها من دمشق الذي يرغب الرئيس السوري بشار الاسد حاليا في عودته. ويعود آخر لقاء للسفير السوري في واشنطن مع وزارة الخارجية الاميركية الى 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، حسب ما أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذكرت ان فريقا تابعا لها عثر على مزيد من جزيئات اليورانيوم وعلى آثار مادة الغرافيت في موقع في الصحراء السورية تؤكد الولايات المتحدة انه كان مفاعلا نوويا. وقالت الوكالة في تقرير ان مفتشي الوكالة عثروا على مزيد من جزيئات اليورانيوم في منطقة الكبر، وان جودها غير مفسر. وكشف مسؤول كبير قريب من الوكالة ان المفتشين عثروا للمرة الاولى على آثار غرافيت في الموقع، لكن من المبكر تحديد ما إذا كانت هذه المادة بلغت درجة اعتبارها نووية. والغرافيت عنصر أساسي في صلب المفاعلات النووية.