المجلس الأوروبي للإفتاء يجوّز بقاء المسلمات الجديدات على ذمة أزواجهن غير المسلمين

الشيخ مولوي: مذهب الجمهور إذا أسلمت المرأة وبقي زوجها على دينه تحرم عليه

TT

إمام محمد إمام كان قرار المجلس الاوروبي للافتاء والبحوث حول موضوع زواج المرأة وبقاء زوجها على دينه من اهم القرارات التي اصدرها المجلس في دورته العادية الثامنة التي عقدت في المركز الثقافي الاسلامي في مدينة بلنسية الاسبانية، وذلك في الفترة من 26 ربيع الآخر ـ 1 جمادى الاولى 1422هـ الموافق 18 ـ 22 يوليو (تموز) عام 2001، برئاسة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس المجلس وبحضور غالبية الاعضاء.

نواصل اليوم استعراض تلخيص بقية بحث الشيخ القرضاوي وتلخيص للبحث المقدم من الشيخ فيصل مولوي، نائب رئيس المجلس حول هذا الموضوع.

* رأي الشيخ القرضاوي

* خلص الشيخ القرضاوي الى ان ما ذكره ابن القيم (فتح) في المسألة التي كنا نحسبها من مسائل الاجماع، بل نعتبره اجماعا نظريا من ائمة المذاهب الفقهية، مقترنا بالعمل المستمر من جانب الأمة الاسلامية، والاجماع اذا اقترن بالعمل ازداد قوة ورسوخا. ثم تبين لي ان هذا الاجماع صحيح وثابت بالنظر الى تزويج المسلمة بغير المسلم ابتداء، فهذا حرام مقطوع به، ولم يقل به فقيه قط، لا من المذاهب الاربعة او الثمانية او من خارج المذاهب، فهو اجماع نظري وعملي معا، وهو ثابت ومستقر بيقين. اما الذي ذكر المحقق ابن القيم فيه الخلاف، فهو فيما اذا كانت المرأة غير المسلمة متزوجة اصلا من غير مسلم، وشرح الله صدرها للاسلام، فأسلمت ولم يسلم زوجها، فهذه هي التي فيها الخلاف. وذكر ابن القيم هذه الاقوال التسعة. وهذا ما دفعني الى ان ارجع الى المصادر الاساسية التي استمد منها ابن القيم هذه الاقوال، وهي الأصول والمصنفات التي عنيت بنقل اقوال الصحابة رضي الله عنهم وتابعيهم باحسان، وتلاميذهم من سلف الأمة، في خير القرون، المفضلة بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم».

* وقفة مع ابن القيم

* ورغم ان ابن القيم ـ رحمه الله ـ وعد بأن ينظر في مأخذ هذه الاقوال او المذاهب التسعة التي ذكرها وما فيها من قوي وضعيف، فانه لم يف بوعده، ولم ينظر فيها كلها، بل ركز على القول السادس الذي نصره ـ ونصره شيخه شيخ الاسلام ابن تيمية ـ وهو ان المرأة تقيم مع زوجها، وتنتظر اسلامه، ولا تمكنه من نفسها، ولو مكثت معه سنين، وأطال في تأييد هذا القول، وكأنه نسي الاقوال الثلاثة الأخرى.

وكنت اود ان يعرض العلامة ابن القيم لرأي الامام علي بن ابي طالب ـ كرم الله وجهه ـ الذي ذكره عنه، وهو قوله عن المرأة تسلم قبل زوجها: «هو املك ببضعها ما دامت في دار هجرتها». وفي رواية اخرى: «هو احق بها ما لم تخرج من مصرها». وعلي ـ رضي الله عنه ـ قد بعثه رسول الله الى اليمن في حياته، وتولى الخلافة بعد عثمان، ولا بد ان يكون قد باشر ذلك بنفسه. فحكمه في هذه القضية، فيه معنى الفتوى والقضاء معا. وكأني المح في حكمه رضي الله عنه اسنادا الى الآية الكريمة من سورة «الممتحنة»، حيث قال تعالى: «يا ايها الذين آمنوا اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله اعلم بايمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن الى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن» الممتحنة ـ الآية 10.

وفي رأيي هذا قول وجيه، ترجحه حاجة المسلمات الجديدات الباقيات مع ازواجهن في ديارهن غير الاسلامية، الى بقائهن مع ازواجهن، ولا سيما اذا كن يرتجين اسلامهم، وخصوصا اذا كان لهن منهم اولاد يخشى تشتيتهم وضياعهم.

ومما نذكره هنا ان القضية التي اعتمد عليها ابن القيم وشيخه ابن تيمية فيما روي عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ظاهرها ليس معهما، فما رواه عبد الله بن يزيد الخطمي ـ رضي الله عنه ـ «ان نصرانيا اسلمت امرأته، فخيرها عمر بن الخطاب ان شاءت فارقته، وان شاءت اقامت عليه». هذه الرواية أفادت انه اجاز لها ان تقيم عليه، وظاهر هذا يقتضي ان تجوز معاشرته لها، فهذا مقتضى الاقامة مع الزوج، ولكن الامام ابن القيم ـ رحمه الله ـ اول هذا الظاهر قائلا: «وليس معناه ان تقيم تحته، وهو نصراني، بل تنتظر وتتربص». فلو ان مجتهدا اخذ بظاهر قول عمر، لم يكن عليه من حرج.

وقد ايدت هذه الرواية روايات اخرى عن عمر رضي الله عنه، بعضها فيه اقرار للمرأة لتبقى مع زوجها، وبعضها فيه تخيير للمرأة كما في رواية الخطمي عنه. يؤكد هذا ما ذكره ابن القيم عن الزهري ـ وهو القول الثامن ـ انه قال: ان اسلمت ولم يسلم زوجها، فهما على نكاحهما ما لم يفرق بينهما سلطان. وهذا تيسير عظيم للمسلمات الجديدات، وان كان يشق على الكثيرين من اهل العلم، لانه خلاف ما ألفوه وتوارثوه، ولكن من المقرر المعلوم: انه يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء. وهذه قاعدة فقهية مقررة، ولها تطبيقات فرعية كثيرة، وهي: التفريق بين الابتداء والانتهاء، يتسامح في البقاء والانتهاء، ما لا يتسامح في الابتداء. فنحن منهيون ابتداء ان نزوج المرأة لكافر، كما قال تعالى: «ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو اعجبكم» (البقرة ـ الآية221). وهذا ما لا يجوز التهاون فيه، فلا نزوج مسلمة ابتداء لغير المسلم. ولكن نحن هنا لم نزوجها، بل وجدناها متزوجة قبل ان تدخل في ديننا، ويحكم عليها شرعنا، وهنا يختلف الأمر في البقاء عنه في الابتداء.

** خارج دار الإسلام

* رأي مولوي

* يستهل المستشار الشيخ فيصل مولوي نائب رئيس المجلس بحثه قائلا: نحصر هذه الدراسة في حالة اذا كانت المرأة تعيش خارج دار الاسلام وتحمل جنسية دولة غير مسلمة. من المعلوم ان المرأة المسلمة لا يجوز ان تتزوج غير مسلم، واذا وقع مثل هذا الزواج فهو باطل باجماع المذاهب، لكن اذا كان الزوجان في الأصل غير مسلمين، ثم اسلمت الزوجة وبقي زوجها على دينه، فما هو الحكم الشرعي في هذه المسألة؟

اولا: اذا كان الزوج ممن لا يصح للمسلمة الزواج منه، كما لو كان من محارمها، او كانت بينها وبينه رضاعة محرمة او غير ذلك، فقد وقعت الفرقة الشرعية بينهما فورا، فلا يجوز لها ان تساكنه في مسكن واحد، لأنه حتى لو اسلم فإن الزواج بينهما باطل. ويجوز لها ان تتزوج غيره حين تنتهي عدتها.

ثانيا: اذا كان الزوج ممن يجوز استمرار زواجها منه في ما لو اسلم، لعدم وجود مانع آخر، واسلمت زوجته وبقيت تعيش في وطنها القومي خارج دار الاسلام، فللفقهاء في هذه المسألة عدة آراء:

الرأي الاول: انفساخ النكاح بمجرد الاسلام، سواء اسلم بعدها بطرفة عين او اكثر او لم يسلم، ولا سبيل له عليها إلا بنكاح جديد بعد اسلامه، هذا رأي ابن حزم ومن معه من الظاهرية. وقد استدل بقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم».

وجه الاستدلال ان الاية اباحت للمسلمين نكاح من اسلمت وبقي زوجها كافرا، مما يعني زوال النكاح الاول.

الرأي الثاني: اذا كان اسلام المرأة قبل دخول زوجها بها وقعت الفرقة في الحال، واذا كان اسلامها بعد دخول زوجها بها، توقفت الفرقة على انقضاء العدة، فإن اسلم الزوج قبل انقضائها بقيا على نكاحهما، وان لم يسلم حتى انقضت العدة وقعت الفرقة بينهما. هذا هو مذهب الشافعية والحنابلة والمالكية واستدلوا على رأيهم بما يلي:

أ ـ اختلاف الدين بين المسلمة وزوجها الكافر يمنع الاقرار على النكاح، فإذا وجد قبل الدخول تعجلت الفرقة لأن ملك النكاح غير متأكد بالدخول فتنقطع بمجرد الاسلام.

ب ـ ان الطلاق قبل الدخول يقطع النكاح في الحال، وكذلك الاسلام قبل الدخول يقاس عليه.

جـ ـ رواية ابن شهاب «لم يبلغنا ان امرأة هاجرت الى الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) وزوجها كافر مقيم في دار الكفر، الا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها، الا ان يقدم زوجها مهاجرا قبل ان تنقضي عدتها».

د ـ اسلام زوجة صفوان بن امية يوم الفتح، واسلام زوجها بعد شهر، ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وكذلك اسلام ام حكيم بنت الحارث بن هشام يوم الفتح وهرب زوجها عكرمة الى اليمن، فارتحلت ام حكيم اليه في اليمن ودعته الى الاسلام فأسلم وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبقاهما على نكاحهما ذلك.

الرأي الثالث: يفرق بين دار الاسلام ودار الحرب وهو مذهب الاحناف. ونقتصر على ذكر رأيهم في ما اذا اسلمت الزوجة وهي مع زوجها في دار الحرب. فإذا اسلم زوجها خلال العدة (ثلاث حيضات او ثلاثة اشهر) فالنكاح باق بينهما، واذا لم يسلم وقعت الفرقة بينهما.

حجتهم ان الفرقة تقع، لا بمجرد اسلام الزوجة، لأن الاسلام طاعة، والطاعة لا تكون سببا لتفويت نعمة الزوجية وانقطاع النكاح، لكن لو ابقينا النكاح بينهما فإن مقاصده لا يمكن ان تحصل، اذ لا يجوز تمكين الكافر من استفراش المسلمة، فيعرض الاسلام من غير اكراه على الزوج حتى اذا أبى الدخول في الاسلام كان إباؤه هذا سبب الفرقة، وهو يصلح لذلك لأنه معصية، لكن عرض الاسلام غير ممكن اذا كان مقيما في دار الحرب، فيقام شرط البينونة في الطلاق الرجعي (وهو مضي ثلاث حيضات او ثلاثة اشهر) مقام سبب الفرقة، ويكون مضي مدة العدة بمنزلة تفريق القاضي.

الرأي الرابع: اذا اسلمت الزوجة قبل زوجها لم ينفسخ النكاح بإسلامها، سواء بقيت في دار الحرب او هاجرت الى دار الاسلام، كما ان مراعاة زمن العدة لا دليل عليه من نص ولا اجماع، ولا يعرف في شيء من الاحاديث، ولا كان النبي يسأل المرأة اذا انقضت عدتها ام لا، لكن الذي دل عليه حكمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ان النكاح موقوف، فإن اسلم قبل انقضاء عدتها فهي زوجته، وان انقضت عدتها فلها ان تنكح من شاءت، وان احبت انتظرته، فإن اسلم كانت زوجته من غير حاجة الى تجديد نكاح. هذا رأي الامام ابن القيم ذكره في اعلام الموقعين (جـ 2، ص 351) وفي زاد المعاد (جـ 5، ص 133 وما بعدها).

وقد نقله عنه السيد سابق رحمه الله في فقه السنة وقال: قال صاحب الروضة الندية بعدما نقل هذا الكلام ـ اي كلام ابن القيم ـ: (ان اسلام المرأة مع بقاء زوجها في الكفر ليس بمنزلة الطلاق، اذ لو كان كذلك لم يكن له عليها سبيل بعد انقضاء عدتها إلا برضاها مع تجديد العقد. فالحاصل ان المرأة المسلمة ان حاضت بعد الاسلام، ثم طهرت كان لها ان تتزوج بمن شاءت. فإذا تزوجت لم يبق للاول عليها سبيل اذا اسلم، وان لم تتزوج كانت تحت عقد زوجها الاول. ولا يعتبر تجديدا لعقد ولا تراضياً. وهذا ما تقتضيه الادلة وان خالف اقوال الناس). كما نقله من المعاصرين الشيخ خالد عبد القادر في (فقه الاقليات المسلمة) وقال انه مذهب (علي وابن عباس والنخعي والزهري وابن تيمية) واعتبره الرأي الراجح الذي تقتضيه الادلة والاحداث.

* الظروف الجديدة

* اما الظروف الجديدة المتعلقة بهذه المسألة: وحتى تكون الفتوى في هذا الموضوع اقرب الى الصواب، وتساعد على تحقيق مقاصد الشريعة، فإنه لا بد من معرفة الظروف الجديدة التي تؤثر في حالتنا هذه، سواء كان تأثيرها سلبا او ايجابا. وانني ألخصها في ما يلي:

1 ـ اكثر دول العالم المعاصر تعتبر اليوم بالنسبة للمسلمين (دار عهد) وليست (دار حرب) باعتبار ان بينها وبين جميع الدول الاسلامية التزاماً بميثاق الامم المتحدة والمواثيق المتفرعة عنه، ولا نستثني من ذلك إلا دولة العدو الصهيوني وبعض الدول الأخرى في ظروف معينة. ومع ان اكثر حكام المسلمين منحرفون عن تطبيق احكام الاسلام، وبعضهم يبلغ انحرافه نسبة كبيرة، إلا ان التزام المسلمين بما يعقده هؤلاء الحكام من عهود مع غير المسلمين يكون واجبا، اذا لم تكن هذه العهود معصية. فنحن نرفض الصلح مع العدو الصهيوني طالما انه يتضمن الاقرار باغتصابه ارض فلسطين، ونقبل السلام مع كل شعوب العالم اذا كانت لا تتعرض لحقوقنا، وطالما انها تسمح لنا بالدعوة الى دين الله، ولا تتعرض لمن يسلم من ابنائها بالاضطهاد لفتنته عن دينه. وبناء على ذلك تكون اكثر بلاد العالم بالنسبة لنا دار عهد وليست دار حرب.

2 ـ بسبب انتشار مبادئ الحرية وحقوق الانسان، خاصة في العالم الغربي، اصبح كثير من غير المسلمين من ابناء هذه الشعوب يدخل في الاسلام ـ رجالا ونساء ـ ولا يتعرض في وطنه لأي ضغط من اجل اجباره على الارتداد عن دينه. صحيح ان المجتمع غير الاسلامي الذي يعيش فيه هؤلاء يجعلهم يشعرون بالكثير من الضيق، لكن هذا الامر لم يصل الى حد فتنتهم عن دينهم، وبالتالي وجوب الهجرة عليهم الى دار الاسلام، خاصة ان اكثر البلاد الاسلامية ترفض استقبالهم كمواطنين او حتى كمقيمين. بالاضافة الى ان المستوى المتخلف لأكثر البلاد الاسلامية لا يشجع المسلمين الجدد على الهجرة من بلادهم الاكثر تقدما. ونتيجة لكل هذه الظروف لم تعد المرأة الغربية اذا اسلمت قادرة على مجرد التفكير في الهجرة من وطنها الى بلاد المسلمين.

3 ـ بسبب انتشار الفكر العلماني في البلاد الغربية ـ الذي يقوم على فصل الدين عن الدولة ـ اصبح التشريع فيها علمانيا، ومع التطور اصبح التشريع العلماني شاملا لمسائل الاحوال الشخصية، فأصبح الزواج والطلاق والمواريث وغيرها خاضعة لاحكام القانون المدني، واذا اسلمت المرأة الانجليزية مثلا، فإن اسلامها لا يعفيها من الخضوع لقانونها المدني ولو كان يخالف ديانتها الاسلامية. ان المرأة المسلمة الغربية خاضعة بحكم جنسيتها للقانون المدني السائد في بلدها. وهي خاضعة بحكم اسلامها الى الاحكام الشرعية. ولا حل امامها عند التعارض بين المرجعيتين إلا التوفيق بينهما، وهذه في اعتقادي هي اهم ما يواجه المجلس الاوروبي للافتاء والبحوث.

* الموقف الشرعي

* أما الموقف الشرعي في هذه المسألة كما نراه: بناء على جميع ما سبق يمكن تحديد الموقف الشرعي للمرأة اذا اسلمت وبقي زوجها على دينه كما يلي:

1 ـ اذا اسلمت المرأة، وبقي زوجها على دينه، تحرم عليها المعاشرة الزوجية ومقدماتها فورا. وهذا هو المعنى الظاهر من قوله تعالى: «.. لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن..» وعلى هذا الحكم اجماع الفقهاء والمذاهب.

2 ـ اما العقد القائم بينها وبين زوجها فقد اصبح واجب الفسخ.

3 ـ اما اذا اسلمت الزوجة، وبقيت تعيش خارج دار الاسلام، فإن حكم تحريم المعاشرة الزوجية بينها وبين زوجها غير المسلم تلزمها. ثم يجب عليها دعوة زوجها للاسلام، هذا هو واجب كل مسلم بشكل عام، خاصة تجاه اقربائه وبالأخص زوجه، ومن المعلوم ان جميع النساء اللائي اسلمن ايام رسول الله صلى الله عليه وسلم كن يدعين ازواجهن للاسلام، وقصة اسلام صفوان بن أمية وعكرمة بن ابي جهل بعد اسلام زوجتيهما معروفة. وحجة عدم عرض الاسلام على الزوج اذا اسلمت زوجته محصورة في دار الاسلام، لأننا امرنا بموجب عقد الذمة ان نتركهم وما يدينون، وعرض الاسلام فيه شبهة اكراه. اما خارج دار الاسلام، فليس هناك عقد ذمة ولا شبهة اكراه. فإذا اسلم زوجها فالعقد السابق قائم بينهما (ما لم يكن هناك سبب آخر لالغائه).

واذا لم يسلم حتى انقضت عدتها، تأكد حكم تحريم المعاشرة الزوجية بينهما بحكم آخر وهو اباحة زواجها من رجل جديد.

4 ـ ونحن لا ننصح المسلمة في هذه الحالة بالزواج من رجل آخر، الا بعد ان تفسخ عقد زواجها الاول رسميا. هذا الفسخ يتم امام السلطة التي عقدت ذلك الزواج وهي غالبا سلطة مدنية. وقد يتأخر فسخ العقد الى سنوات، لكن الصبر على عدم الزواج افضل لها، والا فإن زواجها الشرعي من رجل آخر، وبقاء زواجها الرسمي مع الاول، يعرضها لاشكالات قانونية كثيرة منها تسجيل اولادها من زوجها الثاني على اسم الزوج الاول، او تسجيلهم كأولاد غير شرعيين، ومنها استحقاق زوجها الاول الميراث بدل الزوج الثاني، وغير ذلك. لذا فنحن نرى ان الفسخ الرسمي لعقد الزواج الأول واجب شرعي عليها سواء كان الفسخ الشرعي قد تم بمجرد اسلامها كما عند ابن حزم، او بانقضاء عدتها كما عند الجمهور، او انه لا يتم الا بزواجها من رجل آخر بعد انقضاء عدتها كما يقول ابن القيم.

5 ـ ان الفسخ الشرعي لعقد الزواج الاول ليست له اهمية كبيرة ـ خارج دار الاسلام ـ اذا قلنا بتحريم المعاشرة الزوجية ومقدماتها عليها، وبإباحة زواجها من آخر بعد انقضاء عدتها، لكن الفسخ الرسمي لهذا العقد امام السلطة التي ابرمته، له اهمية كبيرة، لأنه يرفع الاشكالات والتناقضات ويجعل المسلمة الملزمة بقوانين بلادها غير الاسلامية، توائم بين هذه القوانين وبين احكام الشريعة.

6 ـ العقد الموقوف عقد صحيح عند جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية ورواية عند الحنابلة والشافعي في القديم). وهو عقد استوفى ركنه وشروطه، لكنه صدر ممن يملك اهلية التصرف دون الولاية، كالفضولي الذي يبيع مال غيره بدون اذن، فعقده صحيح موقوف حتى يجيزه صاحب المال، فإن اجازه نفذ، وان لم يجزه الغي. واثناء فترة التوقف يكون العقد صحيحا، لكن تتوقف آثاره على الاجازة.

7 ـ اعتبار عقد زواج المرأة التي تسلم ويبقى زوجها على دينه، عقدا موقوفا حتى تتزوج غيره بعد انقضاء عدتها، امر صحيح ومشروع، ولو انه يؤدي الى زيادة حالة جديدة على حالات العقد الموقوف التي ذكرها الفقهاء، وذلك للادلة التي ذكرناها آنفا. ونضيف عليها الآن ان المرأة المسلمة التي لا تتزوج رجلا اخر بعد انقضاء عدتها من زوجها الاول، وفاء له وهي تنتظر اسلامه بفارغ الصبر لتعود الى حياتها معه، وان الاسلام يسمح لها بذلك، ان هذا الموقف يمكن ان يكون له تأثير على زوجها الاول فيدخل في دين الله، كما انه يعطي غير المسلمين نظرة انسانية عن هذا الدين تشجعهم على التجاوب معه والدخول فيه، وهو امر يحتاجه المسلمون في بلاد الغرب حيث تم تشويه الاسلام امام الناس بتأثير الاحقاد اليهودية والمطامع الاستعمارية.