الأزمة المالية: مدير في إحدى الشركات الكبرى في أميركا يصبح بوابا يعمل بالساعة

مارك كوبر كان يشرف على ميزانية بـ 1.2 مليون دولار ويحصل على 70 ألف دولار سنويا

ماغي ماسياس كوبر تصلي مع زوجها مارك كوبر، الذي كان يحصل على مرتب سنوي بنحو 70 ألف دولار («نيويورك تايمز»)
TT

بدأ مارك كوبر يوم عمله في الصباح بتنظيف مقابض الأبواب داخل أحد المباني الإدارية مستخدما خرقة بالية، ونفض السجادة بكل قوته أمام المدخل الخلفي للمبنى، وكنس التراب الموجود داخل رواق طويل.

قبل تسعة أشهر، فقد كوبر وظيفته كمدير أمني بإحدى الشركات الكبرى داخل الولايات المتحدة، وكان يشرف على ميزانية تبلغ 1.2 مليون دولار ويحصل على نحو 70,000 دولار في العام. ولكن، في الوقت الحالي، يشعر كوبر بالسرور عندما يحصل على 12 دولارا مقابل العمل لساعة واحدة، خلال ما يعرف بين العاطلين عن العمل بأنها «وظيفة سد الرمق» في شركة أحد أصدقائه. يعمل كوبر بوابا، ولا يعني ذلك أن العمل سهل، حيث يقول: «عليك أن تحارب اليأس والتثبيط والإحباط في كل يوم».

يعمل كوبر خمسة أيام في الأسبوع من الساعة التاسعة صباحا حتى الساعة السادسة مساء. وهو يُعد، حسب المعايير التقليدية، من ضمن ضحايا الركود في الوقت الحالي. ويعتبر هبوطه إلى أسفل السلم الاقتصادي سمة من سمات التباطؤ المستترة التي تبعث على القلق. لم يتبين بعد، عدد الحرفيين، من أمثال كوبر، الذين اضطروا للاشتغال في مثل هذه الوظائف والحصول على مقابل ضعيف. وحتى هذه الوظائف لم يعد متاحا الكثير منها. يبذل الكثيرون قصارى جهدهم للاعتماد لأطول فترة ممكنة على إعانة البطالة والمدخرات التي لديهم، في الوقت الذي يبحثون فيه عن العمل في مجالاتهم. كان هناك نحو 1.7 مليون شخص يعملون لدوام جزئي في يناير (كانون الثاني) لأنه لم يتسن لهم العثور على أماكن يعملون لديها لدوام كامل، وتمثل هذه زيادة قدرها 40 في المائة مقارنة بشهر ديسمبر (كانون الأول) 2007، عندما بدأ الركود، وذلك طبقا لما أفاد به «مكتب إحصاءات العمال». ويتفق الخبراء على أنه في الوقت الذي يستمر فيه التباطؤ الاقتصادي وفي الوقت الذي تنفد فيه إعانات البطالة لدى بعض المواطنين، سوف يظهر الكثيرون من أمثال كوبر. أجريت مقابلات شخصية مع أكثر من 24 حرفيا تم تسريحهم في أماكن مختلفة داخل الولايات المتحدة، وكان من بينهم مهندسون معماريون ومديرون سابقون في مجال المبيعات ومسؤولون تنفيذيون سابقون، اضطروا إلى الاشتغال بوظائف يتقاضون فيها مقابلا ضعيفا لكسب ما يسد الرمق. وتبين من خلال المقابلات أنهم كانوا يعملون لدى أماكن كبيرة، مثل «يو بي إس»، وهو مركز اتصال لاسلكي تابع لـ«فريزون» ومتجر للكحوليات. وبالنسبة للكثير من العمال، يباري الضرر النفسي الضرر المادي، حيث لم يعودوا يشعرون بذواتهم. يؤكد أمي أرلت، الذي يبلغ من العمر 53 عاما وافق على العمل كمندوب لخدمة العملاء بعد أن قضى 20 عاما تبوأ خلالها مناصب تنفيذية، على صعوبة الأمر ولكنه يقول: «عليك أن تكيف نفسك.» نفدت إعانات البطالة لدى بعض الأشخاص، وهناك من هم غير مؤهلين للحصول عليه، ويقول آخرون إنه كان مستحيلا بالنسبة لهم العيش على إعانات البطالة وحدها، وتقول فئة رابعة إن كبرياءهم هو ما دفعهم للبحث عن وظيفة، أي وظيفة. وفي إشارة إلى الطلب على الوظائف التي لها مقابل منخفض، يقول متحدث باسم «يو بي إس» إن عدد طلبات العمل التي جاءت للشركة خلال موسم الإجازة الماضي في وظائف توصيل العبوات والقيام بالفرز ارتفعت بمعدل ثلاثة أمثال لتصل إلى 1.4 مليون طلب، مقارنة بـ500,000 طلب كانت تصل للشركة في المعتاد. وعندما قدمت أرلت طلب عمل، أرسلت سيرتها الذاتية بعد تنقيحها، حذفت منها عملها على مدى 20 عاما في شركات إعلامية ترقت خلالها في المناصب لتصل إلى منصب نائب رئيس تطوير العلامة التجارية في شركة «أون كوماند فيديو». كانت أرلت تحصل على 165,000 دولار في العام، ولكنها قررت في عام 2001 بدء مشروع تجاري خاص بها، وافتتحت متجرا لمستلزمات الخيول وبعد ذلك أسست مجلة متخصصة في رياضة الفروسية. ولكن مع التباطؤ الاقتصادي، اضطرت إلى وقف المجلة وإغلاق المحل في يونيو (حزيران) من العام الماضي. بعد أن تقدمت لأكثر من 100 وظيفة، معظمها كانت وظائف في درجة مدير أو أعلى في مجال التسويق، لم تحصل سوى على مقابلتين شخصيتين. وأدركت في فصل الخريف الماضي أن عليها أن تقوم بأي شيء من أجل «وقف النزيف المالي الشهري». تحصل من وظيفتها الجديدة في «هوم تاون كوتز» على 10-15 دولارا في الساعة، وتعمل أغلب الوقت في مجال إدخال البيانات. وعلى الرغم من أنها انفصلت عن بعض أصدقائها حيث لم تعد في نفس مستواهم الاجتماعي، تقول أرلت إنها سعيدة لأنها لم تعد تجلس في المنزل «تفكر(ما هو الشيء الذي لم أسمعه اليوم؟)» يساعدها الدخل الجديد على تغطية رهنها العقاري، ولكنه لا يكفي لنفقاتها المعيشية الأخرى. وأخيرا، قامت بصرف ما تبقى من محفظة التقاعد: حوالي 17,000 دولار. وتقول أرلت: «لقد كان الشيء الأصعب في حياتي، كان أصعب من طلاقي من زوجي. كان أشد من يوم وفاة أمي».

وتقريبا، قال جميع من أجريت معهم مقابلات إنهم يعتبرون أن الوضع الحالي بالنسبة لهم وضعا مؤقتا فهم يخططون للرجوع إلى مجالهم المهني بمجرد أن يتحسن الوضع الاقتصادي. ولكن، هناك آخرون مثل جون إيلير، 51 عاما، من ليسز سميت، بولاية ميسوري، الذي يرى بصعوبة العودة مرة أخرى إلى مجاله السابق. وكان السيد إيلير مديرا بارزا في «سبرنت»، يتقاضى ما يصل إلى 150,000 دولار في العام، ويشرف على 7000 موظف في 13 مركزا للاتصالات، قبل أن يتم تسريحه في عام 2002 عندما حدث تراجع اقتصادي في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. وبعد عام، عثر على وظيفة أخرى، يحصل خلالها على قرابة نصف ما كان يحصل عليه في الوظيفة السابقة، وعمل في إدارة مركز للاتصالات في نيوجرسي. وعندما فقد وظيفته بعد عامين خلال عملية تقليص للعمالة، وجد السيد إيلير نفسه دون وظيفة لمدة عام آخر قبل أن يعمل في وظيفة يدير خلالها مركزي اتصالات في كنساس وإلينوي، ويحصل على مبلغ يتكون من ستة أرقام. ولكن انتهى ذلك بعد عام، ولم يتسن له العثور على وظيفة لعدة أشهر. وفي يوليو (تموز) 2007، حصل على ما ظن أنها وظيفة مؤقتة يحصل من خلالها على 10 دولارات في الساعة ويعمل كخباز في متجر للبقالة. ومرة أخرى تم تسريحه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. سرعان ما حصل السيد إيلير على وظيفة أخرى يسد من خلالها الرمق، يعمل خلالها كمشرف ليلي لصالح متعهد يعالج طلبات الهجرة للحكومة الفدرالية ويتقاضى 34,000 دولار في العام. ولكن، حيث إن لديه 8 أولاد وزوجة معيلة، نجد أن السيد إيلير ما زال «تحت خط الفقر.» لم تتمكن العائلة من تسديد دفعات الرهن العقاري خلال خمسة أشهر، وهي الآن على وشك أن تواجه حكما بنزع الملكية. وبالنسبة لحالة كوبر لم يكن الاعتماد على إعانة البطالة ذا جدوى، فأقصى إعانة يمكن أن يحصل عليها الشخص في أريزونا هي 240 دولارا في الأسبوع، ويحتاج إلى المزيد حتى يمكنه تغطية رهن عقاري على منزل مريح به أربعة غرف نوم في غليندال يعيش فيه مع زوجته، ماجي ماسياس كوبر. تقول الزوجة، التي تعمل مدربة في صالة ألعاب أسست داخل ما كان يستخدم كمرآب يسع ثلاث سيارات للزوجين، إنها ترى أن قاعدة عملائها تتقلص إلى 10 مقارنة بـ50 شخصا خلال العام الماضي. وبالإضافة إلى وظيفة البواب التي يعمل فيها كوبر، وافق صديقه على أن يؤمن للزوجين لدى كوبر. وتعد تغطية الرعاية الصحية أمرا مهما بالنسبة للعائلة لأن الزوجة أصيبت أخيرا بسرطان في الصدر. ويقول بعض الحرفيين العاطلين عن العمل إنهم قرروا عدم العمل بدوام جزئي لأن ذلك قد يعيقهم عن البحث عن وظائف جديدة.

يستيقظ السيد كوبر كل يوم من الساعة الرابعة صباحا، ويقضي ساعتين في البحث عن وظيفة باستخدام جهاز الكومبيوتر. ويطبع قائمة اتصالات مفصلة للشركات والمؤسسات المحتملة، ويجري اتصالاته خلال أوقات الراحة على مدار اليوم من شاحنته، التي يطلق عليه مكتبه. يقول كوبر: «كنت أنهار في بعض الأحيان، أنهار من التفكير (هذا هو حالي الآن)» ولكن، تقول زوجته إنها سعيدة بالوظيفة، مع إقرارها بأنها كانت تشعر بالخجل منها في بادئ الأمر. وتضيف: «لا يوجد خجل، أنا فخورة بأن زوجي يمكنه الذهاب أبعد الحدود ويعمل أي شيء من أجل الحفاظ على عائلته، حتى لو كان ذلك يعني كنس الأرضيات وتنظيف المراحيض».

*خدمة «نيويورك تايمز»