محكمة الحريري انطلقت رسميا.. ومصير الضباط الـ 4 يقرره القضاة بعد تسلمهم مهامهم

بيلمار متفائل ويؤكد أنه لم يواجه مشاكل في التعاون مع أي طرف لبناني

لبناني يحمل ابنه وبيده شعار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ضمن حشود زارت قبر الحريري امس مع الاعلان عن بدء عمل المحكمة في لاهاي (رويترز)
TT

بكلمات حذرة، وإجابات مختصرة، وإصرار على عدم تقديم أي تفصيل قد يضر بالتحقيق، تحدث أمس دانيال بيلمار، المدعي العام في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، في افتتاح المحكمة الخاصة لمعاقبة قتلة الحريري في يوم وصفه «بالتاريخي للبنان والمجتمع الدولي».

بيلمار الذي بدا وكأنه يشعر بثقل الآمال المعلقة عليه، أكد من داخل مبنى المحكمة في لايدشندام بضواحي لاهاي، أنه سيركز سعيه «العادل والنزيه لاكتشاف الحقيقة، أيا كانت الحقيقة وحيثما وجدت». وبدا بيلمار الذي تسلم أمس مهامه كمدع عام - على أن يستمر بعمله كمحقق - صارما في رفضه تقديم إجابات على الأسئلة «التي تتبادر إلى ذهن الجميع». وفي كلمته الافتتاحية قبل بدء المؤتمر الصحافي، قال: «إن التوقعات كبيرة والجميع ينتابهم القلق والكل يريد أن يعرف.. ولكن لسوء الحظ ليس بوسعي أن أجيب على بعض الأسئلة الرئيسية التي تجول في أذهان الجميع، مثل متى ستصدر لائحة الاتهام، وكم سيستغرق إكمال المحكمة عملها». وأضاف: «الناس يريدون أن يعرفوا ويريدون أن ينتهي ذلك بأسرع وقت، ولكن للأسف لا تعمل العدالة بهذه الطريقة، المحاكمات ستبدأ متى نكون جاهزين، وهذا دليل على أن أي ضغط لن يؤثر على عملنا».

ولكنه قال لاحقا إنه يرى «أن هناك أكثر من متهم واحد»، وانه عندما يجمع الأدلة الكافية التي يعتقد أنها تدين المتهمين فسيقدم لوائح الاتهام فيهم. وأشار إلى أن لوائح الاتهام التي سيقدمها قد لا تكون نهائية، وقد يقدم لوائح أخرى في وقت لاحق.

وأوضحت راضية عاشوري، الناطقة باسم بيلمار، لـ«الشرق الأوسط» بعد المؤتمر الصحافي، أن المحكمة افتتحت على أساس أن تحاكم فقط قتلة الحريري ورفاقه الذين قتلوا معه. وأضافت أن الاغتيالات الأخرى التي حصلت بعد اغتيال الحريري، لن تدخل في صلاحيات المحكمة إلا إذا تبث ارتباطها بجريمة الحريري. وفي محاولة لطمأنة القلقين من تسييس المحاكمة، قال بيلمار إن المحكمة «نشأت بموجب قرار سياسي»، لكنه أضاف «أن أداءها لعملها ينبغي أن يسمو فوق السياسة، ويظل محكوما بنهج حيادي يستند إلى مبادئ حكم القانون». وأصر أيضا على تأكيد أن المحكمة «لا تسعى للانتقام بل لتحقيق العدالة». وفي إجاباته على أسئلة الصحافيين، اعتمد بيلمار صيغة الإجابات المختصرة، وكرر أكثر من مرة قبل إجابته على السؤال عبارة «كما قلت سابقا»، وبدا مصمما على عدم الانجرار إلى تقديم إجابات على أسئلة، خصوصا تلك المتعلقة بسورية ومصير الضباط الأربعة المحتجزين في سجن رومية في لبنان.

ولكنه أكد أن الضباط سينقلون إلى لاهاي مع نقل الملف من لبنان إلى المحكمة الخاصة، علما بأن لديه مهلة 60 يوما لتقديم طلب إلى السلطات اللبنانية لنقل الملف من عهدتها إلى المحكمة الخاصة. وبحسب نظام المحكمة، يتضمن نقل الملف، إضافة إلى نقل المعلومات والإفادات والوثائق، نقل الأشخاص الذين أوقفهم القضاء اللبناني على خلفية الجريمة. وشدد على أن مصير الضباط الأربعة لا يزال في عهدة القضاء اللبناني، ولن يصبح في عهدة المحكمة الخاصة إلا بعد انتقال الملف. وأشار إلى أن قضاة المحكمة الـ11 الذين لم تعلن أسماؤهم بعد لأسباب أمنية، هم الذين سيقررون مصير الضباط الأربعة. وعن إطلاق السلطات القضائية اللبنانية الأخوين عبد العال، علما بأن المحقق الألماني الأول، ديتليف ميليس، كان وصف أحمد عبد العال بأنه أساسي لكشف خيوط الجريمة، رفض بيلمار التعليق على «تقارير سابقيه»، واكتفى بالقول إن قرار إطلاق الأخوين عبد العال اتخذه القاضي اللبناني.

ورد بيلمار على كل الأسئلة التي وجهت له والمتعلقة بسورية بالطريقة ذاتها تقريبا، وكرر أن «تعاون سورية مرضٍ»، وأضاف: «لن أعطي تفاصيل على ما حصلنا عليه من سورية.. ليس لدينا سبب يدعونا لتوقع حصول صعوبات في تجاوب سورية مع المحكمة، وإذا حصل ذلك، عندها نقرر ما العمل». وحول ما نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية نقلا عن مصدر لبناني، أنه طلب استجواب ثماني شخصيات من حزب الله ورفض طلبه، رد باقتضاب: «أنا لم أواجه أي مشكلة في التعاون من قبل مع أي جهة لبنانية». وردا على سؤال حول ما إذا كان يعتقد أن بإمكانه بناء قضية وفقا للأدلة التي جمعها، رد بيلمار: «كما قلت لمجلس الأمن، أنا متفائل وإلا ما كنت لأكون هنا». وسئل بيلمار أيضا عن متهمين يتمتعون بحصانة، أي رؤساء دول، فأجاب أن نظام المحكمة لا يذكر شيئا عن متهمين لهم حصانة، وقال: «إذا أردت أن أوجه الاتهام لأشخاص لهم حصانة، عندها علينا أن نناقش الأمر ونقرر». وأمل المدعي العام أن يشجع نقل العمل إلى لاهاي بعض الشهود للتقدم والإدلاء بشهاداتهم، وقال: «هذه الجريمة ارتكبها أشخاص، وهناك أشخاص يعرفون ماذا حصل، وهؤلاء الذين يعرفون قد يشعرون بأمان أكثر بالتحدث إلى المدعي العام هنا في لاهاي عوضا عن بيروت. ومن المعقول جدا أن يتقدم شهود إلى مكتب المدعي العام في لاهاي لأنه يشعر بأمان أكثر من التقدم للشهادة في لبنان».

وكان السفير اللبناني في هولندا زيدان الصغير، شدد على دعم الحكومة اللبنانية للمحكمة.

أما سفير المنظمات الدولية في هولندا روب زامان، فأكد أن هولندا ليست طرفا في هذه المحكمة، وأن مشاركتها تقتصر فقط على الدور الذي تلعبه الدول المستضيفة. وقال إن هولندا ستعمل على تسهيل أداء المحكمة من خلال تقديم الإسكان والأمن والحماية اللازمة للعاملين فيها، إضافة إلى تسهيلات لجلب الشهود والمتهمين. ولكنه أشار إلى أن بلاده لن تستضيف في سجونها الأشخاص الذين يدانون. وأشار إلى أن حصة «مساهمة هولندا الطوعية» في محكمة لبنان هي توفير مبنى المحكمة والحماية الخارجية له.

وكان مقرر المحكمة البريطاني روبن فنسنت قد افتتح الكلمات، بعد أن كشف عن شعار المحكمة الخاصة بلبنان الذي علق على الحائط خلف المنصة التي جلس عليها المتحدثون. ويتألف الشعار من إكليل الغار الأزرق الخاص بالأمم المتحدة وفي وسطه ميزان العدالة والأرزة الخضراء التي تتوسط العلم اللبناني. وبعد أن دعا لدقيقة صمت لضحايا التفجير الذين قتلوا في 14 فبراير (شباط)، قال فنسنت: «السبب الرئيسي لافتتاح المحكمة هو ألم الشهداء والعائلات. لسنا هنا لأجل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، بل لأجل لبنان.. ولسنا هنا لأنفسنا بل لآخرين». اختتم المؤتمر وغادر بيلمار القاعة ولكنه عاد بعد وقت قصير للتحدث للصحافيين مجددا.. ولكن اليوم يعود بيلمار إلى العمل ومتابعة التحقيق، ليستكمل جمع الأدلة على أن يقدم لوائح الاتهام قريبا وتنطلق عجلة المحاكمات.