مخاطر السلم المصرفي المنظم

لاحم الناصر

TT

تحدثت في الأسبوع الماضي عن السلم المصرفي المنظم من وجهة نظر شرعية بينت فيها الحكم الشرعي للهيكل المقترح لمنتج السلم كأداة للتمويل النقدي بديلا عن التورق المصرفي المنظم الذي صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بتحريمه. وأوضحت في ذلك المقال انه لا فرق بين التورق المصرفي المنظم والسلم المصرفي المنظم في الحكم لاتحاد العلة وهي الصورية. وان الصورية اظهر في السلم المصرفي المنظم منها في التورق المصرفي المنظم. هذا من وجهة النظر الشرعية، أما من وجهة النظر المصرفية فلا شك ان التورق المصرفي المنظم يعتبر منتجا بسيطا في إجراءاته وذا مخاطر متدنية يمكن إدارتها والسيطرة عليها دون الحاجة لأي أدوات مالية معقدة. فهو في حقيقته بيع مرابحة بالأجل، حيث يقوم المصرف بشراء سلعة من السوق الدولية ومن ثم بيعها على العميل الذي يقوم بدوره بتوكيل المصرف ببيعها في السوق الدولية وتحصيل ثمنها. كل ذلك يتم وفق اتفاقيات تنظم التبادلات في سوق السلع الدولية. حيث يقوم المصرف بإبرام اتفاقيات مع الأطراف ذات العلاقة في السوق الدولية وهما مالك السلع commodity house والمشتري النهائي للسلعة. وفي العادة يكون المشتري وسيطا في سوق السلع، أما السلم المصرفي المنظم فهو ذو هيكل مالي معقد يحمل في طياته العديد من المخاطر التي يصعب السيطرة عليها وإدارتها دون استخدام الأدوات المالية المعقدة والتي قد لا تكون مباحة في الشريعة الإسلامية. حيث ان عقد السلم قائم على تأجيل المثمن وهو السلعة هنا والتي تسلم وفقا للهيكل المقترح على دفعات، وفقا لفترة التمويل التي قد تصل إلى خمس أو عشر سنوات ومن ثم يبقى الملتزم بتوريد السلعة وهو هنا العميل معرض لمخاطر تذبذب الأسعار في سوق السلع. كما ان المصرف يكون معرضا لنفس المخاطر عند استلامه للسلعة مما قد يعرضه لخسارة رأس ماله بدلا من الربح فمن سيغطي مخاطر تذبذب سعر السلعة طوال فترة التمويل؟ وهل سيقبل مالك السلعة في بورصة السلع commodity house التعرض لهذا النوع من المخاطر؟. وهل توجد أدوات مالية إسلامية لتغطية هذا النوع من المخاطر؟ أم سيتم قبول تغطيتها بعقود المشتقات التقليدية؟. لا شك ان من اقترح هذا النوع من الهيكل التمويلي لم يفكر كثيرا في مخاطره. حيث انه قد لا يكون يعيها لجهله بها وعدم إدراكه لها أو انه أدركها، لكنه فضل عدم الإشارة لها حتى لا يمتنع المصرف عن قبولها عند اتضاح مخاطرها له. ومن هنا فإنني ادعو المصارف التي تعنى بالصيرفة الإسلامية إلى إنشاء مراكز متخصصة لتطوير منتجات الصيرفة الإسلامية، بحيث تضم المتخصصين الشرعيين والماليين والمصرفيين حتى يتحول التطوير إلى عمل مؤسسي ينتج أدوات مالية إسلامية ذات جودة عالية وان لم يتسن ذلك فلا اقل من إنشاء اقسام متخصصة في الابتكار والتطوير داخل هذه المصارف مع العناية باستقطاب الكفاءات المهنية لها يكون عملها الوحيد هو تطوير المنتجات المختلفة واختبارها للتأكد من جدواها وصلاحيتها قبل تسويقها، مع قيام المصارف برصد ميزانية سنوية لها. فإن لم تفعل المصارف ذلك فلا شك انها ستفقد الكثير من ثقة عملائها بها إضافة إلى سخرية الأعداء منها نتيجة لهذه المنتجات الشوهاء التي أذهبت رونق الشريعة وبهاءها وأغفلت مقاصدها فلم تحقق غاياتها فأصبحت الشريعة جسدا بلا روح فإن لله وإنا إليه راجعون.

والله الموفق.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]