فرنسا تعلن عودتها لقيادة الناتو بعد 43 عاماً.. وساركوزي يعد بالمحافظة على استقلاليتها النووية

جدل داخل الأحزاب الفرنسية حول العودة ومخاوف من أن تصبح باريس تابعة لواشنطن

TT

بعد 43 عاما على خروج فرنسا من قيادة حلف شمالي الأطلسي رغم أنها من الدول المؤسسة له، أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس أن باريس ستنضم مجدّدا إلى القيادة العسكرية للناتو، وقال إن هذه القرار يصبّ في «مصلحة فرنسا وأوروبا». وقال ساركوزي في خطاب ألقاه في المدرسة العسكرية في باريس: «في نهاية هذا المسار الطويل، ستكون فرنسا أكثر قوة وتأثيرا. لماذا؟ لأن الغائبين دائما على خطأ، لأن على فرنسا أن تشارك في القيادة، لأن علينا أن نكون في المكان الذي تتخذ فيه القرارات والمعايير، بدل أن ننتظر في الخارج أن تبلغ إلينا».

وأضاف ساركوزي الذي كانت بلاده فرنسا قد انسحبت من القيادة العسكرية للحلف الأطلسي عام 1966، إبان حكم الجنرال شارل ديغول، وبقيت عضوا في الحلف: «مع دخولنا، سيكون لنا موقعنا بين القيادات الحليفة الكبرى». وطمأن إلى أن فرنسا رغم عودتها إلى قيادة الحلف، فإنها ستحافظ على قوتها الردعية النووية المستقلة، وهو ما كان دفع ديغول للانسحاب من قيادة الناتو. ولم يكن مؤتمر باريس يوم أمس كغيره من المؤتمرات، إذ تميز أولا بنوعية الحضور، حيث شارك فيه وزيرا الخارجية والدفاع الفرنسيين، ورئيس أركان القوات الفرنسية الجنرال جان لويس جورجولين، وأمين عام الحلف الأطلسي ياب دو هوبشيفر، والممثل الأعلى للسياسة الخارجية والدفاع الأوروبية خافير سولانا، والسفير الأميركي لدى الحلف الأطلسي كورت فولكر، وعدد كبير من الرسميين الفرنسيين المدنيين والعسكريين ودبلوماسيين.

وجاء هذا المؤتمر قبل أيام على الجلسة الاستثنائية للبرلمان الفرنسي يوم الثلاثاء القادم التي ستخصص لمناقشة عودة فرنسا إلى القيادة العسكرية الموحدة للحلف الأطلسي. وينتظر أن يطرح رئيس الحكومة فرنسوا فيون الذي يعرف عنه أنه غير متحمس كثيرا لهذه الخطوة، الثقة بحكومته بناء على بيان سيقرأه في بداية الجلسة، وبعد مداخلات من ممثلي كافة الكتل النيابية. ولا يتوقع أن يضع خطاب ساركوزي أمس حدّا للجدل الحامي في فرنسا حول فائدة العودة إلى القيادة العسكرية الأطلسية الموحدة. والظاهرة الأبرز في الجدل الراهن، أن دعاة الخط السيادي الفرنسي الذين يمثلهم تاريخياً التيار الديغولي هم الآن من دعاة هذه العودة، فيما يعارضها الاشتراكيون وبعض تيار الوسط وهم من الأطلسيين السابقين. وانضم إلى هؤلاء مجموعة من النواب أوفياء الجنرال ديغول السياديين، والشيوعيون والخضر، وبعض الأصوات المستقلة.

ودافع وزيرا الدفاع والخارجية هيرفيه موران وبرنار كوشنير أمس عن جدوى العودة الكاملة إلى الحلف الأطلسي، فيما هاجمها سكرتير عام الحزب الاشتراكي مارتين اوبريو، ورئيس حزب الحركة الديموقراطية والمرشح الرئاسي السابق فرنسوا بايرو. ومع الأيام وتواتر الجدل، أصبحت حجج كل فريق معروفة تماما: المعارضون يتخوفون، من جهة من خسارة فرنسا لاستقلاليتها السياسية والدفاعية و«تبعيتها» المفترضة للولايات المتحدة الأميركية. وهم يعتبرون من جهة أخرى أن هذه العودة ستقضي على أمل قيام دفاع أوروبي مستقل عن واشنطن، وهو الشرط الذي وضعه ساركوزي للعودة إلى القيادة الموحدة. أما المدافعون عن هذه العودة فيرفضون التهمتين معاً ويشدّدون على أمرين متلازمين: المنافع العديدة التي ستجنيها باريس لجهة زيادة نفوذها داخل الحلف، وتسهيل قيام الدفاع الأوروبي باعتبار أن واشنطن لن تعود تنظر إليه كأنه تهديد لانسجام الحلف. أما الأمر الثاني فهو تركيزهم على «استقلالية» القرار الفرنسي حيث تستطيع باريس المشاركة أو عدم المشاركة في عمليات الحلف العسكرية. يضاف إلى كل ذلك أن القوة النووية الفرنسية ستبقى خارج القيادة العسكرية الموحدة، وسيبقى القائد الأعلى للقوات الفرنسية أي الرئيس ساركوزي مرجعها النهائي وصاحب القرار باستخدامها. والحجة الأخيرة لهؤلاء هي أن العودة الفرنسية «لن تغيّر الكثير» إذ إن باريس تشارك في 3 عمليات حفظ السلام الأطلسية (أفغانستان والبوسنة وكوسوفو)، كما أنها المساهم الرابع في الميزانية الأطلسية، والخامس لجهة القوات التي تضعها بتصرّف قيادته.