متطرفون يجندون أميركيين من أصول صومالية.. ووكالات الاستخبارات تحقق في مدى خطورة المشكلة

أُسر تروي أن أولادها يتصلون بها ويكررون جملا محددة بأنهم بخير ويدرسون في الصومال

TT

صعد المسؤولون الأميركيون المعنيون بمكافحة الإرهاب من تحذيراتهم حيال دفع متطرفين إسلاميين في الصومال مواطنين أميركيين للانضمام إلى قضيتهم، مشيرين إلى تجنيد أول مواطن أميركي ينفذ هجوما انتحاريا، والدور المحتمل لهؤلاء المتطرفين في اختفاء ما يزيد على 12 شاباً أميركياً من أصول صومالية. وفي إطار بيانات عامة صدرت في الفترة الأخيرة، ذكر مدير الاستخبارات الوطنية وقيادات مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية حالة شيروا أحمد، البالغ من العمر 27 عاماً، وهو طالب جامعي من مينابوليس، فجر نفسه في الصومال في 29 أكتوبر (تشرين الأول)، في واحدة من خمسة تفجيرات متزامنة تم نسبها إلى «حركة الشباب»، وهي جماعة ذات صلات بتنظيم القاعدة. ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، يسعى مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى كشف النقاب عن أي صلات بشبكات أجنبية متطرفة تكون خلف الرحيل المفاجئ للعديد من المراهقين والشباب الأميركيين من أصول صومالية، الذين تعتقد أسرهم أنهم في الصومال. وتتسم جهود التحقيقات بنشاط خاص في بوسطن وسان دييغو وسياتل وكولومبوس وأوهايو وبورتلاند ومين، حسبما أوضح مسؤول أميركي معني بفرض القانون. ويقول أعضاء الجالية الصومالية في الولايات المتحدة أن هيئات محلفين فيدرالية كبرى أصدرت مذكرات استدعاء لبعض أعضاء الجالية في مينابوليس ومناطق أخرى. ولا يزال المسؤولون عاكفين على محاولة تقدير حجم المشكلة، موضحين أن التقارير المتوافرة حتى الآن لا تثير مخاوف كبيرة بشأن وجود تهديدات إرهابية داخل الأراضي الأميركية. لكن مسؤولي الاستخبارات أشاروا إلى أن مسألة تجنيد مواطنين أميركيين من قبل جماعات إرهابية تثير القلق على نحو خاص، لأن جوازات السفر الأميركية التي يحظى بها المجندون ستتيح لهم معاودة دخول إلى الولايات المتحدة. وأعرب بروس هوفمان، وهو بروفسير بجامعة جورج تاون، في إطار تقرير تصدره قريباً سايت إنتلجنس غروب، وهي شركة خاصة معنية بمراقبة المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت، عن اعتقاده بأن حركة الشباب «تمد السلطات الأميركية بأخطر دليل يظهر حتى الآن حول وجود مشكلة «داخلية» تتعلق بالتجنيد لصالح الإرهاب في قلب الأراضي الأميركية». وكان من المقرر أن تعقد لجنة الأمن الداخلي التابعة لمجلس الشيوخ أمس جلسة استماع برئاسة السيناتور جو ليبرمان، حول حجم نفوذ الحركة الصومالية داخل الجالية الصومالية في الولايات المتحدة، التي تقدر أعداد أبنائها بقرابة 200 ألف مقيم بالبلاد وُلد في بلد أجنبي، وأقاربهم. وطرح المسؤولون الأميركيون تقديرات متنوعة للحجم الحقيقي للمشكلة. وعلى سبيل المثال، في 25 فبراير (شباط)، أخبر ليون بانيتا، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، المراسلين الصحافيين بأن العلاقة القائمة بين الصوماليين داخل الولايات المتحدة وأقرانهم في الصومال «تثير مخاوف حقيقية حيال احتمالات وجود نشاطات إرهابية»، و«تشكل تهديداً محتملاً لأمن هذه البلاد». وبعد يومين، خرج روبرت مولر، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، إلى العلن ليقلل من المخاوف.

وتشير تقديرات مسؤولي الاستخبارات الأميركية إلى أن أعداد المتطرفين «المحليين» ليست على نفس المستوى الكبير من حيث العدد أو النشاط أو المهارة، مثلما هو الحال داخل أوروبا، لكن تبقى السلطات مهتمة بما سماه دينيس بلير، مدير الاستخبارات الوطنية، «احتمال ظهور عدد ضئيل من الخلايا العنيفة هنا». وتوخت السلطات الأميركية الحذر إزاء وضع الصوماليين داخل قالب نمطي محدد، أو المبالغة في تقدير المخاوف. ومؤخراً، قارن مولر بين الوضع داخل الولايات المتحدة وأيرلندا، التي تجابه توترات مدنية وإرهابا، ولها جالية مهاجرة كبيرة داخل الولايات المتحدة، لكن ذلك لم يخلف عنفاً كبيراً داخل الأراضي الأميركية. يذكر أن أعداد أعضاء حركة الشباب ربما تتضاءل حالياً مع حل حكومة إسلامية محل الاحتلال الإثيوبي الذي ساندته واشنطن في الصومال. وفي هذا السياق، أوضح كينيث منكوس، المتخصص في العلوم السياسية بدايفيدسون كوليدج، والمعني بشؤون شرق أفريقيا على وجه التحديد، أنه «من العسير للغاية تفهم كيف يمكن لشن هجوم باستخدام خلية نائمة داخل الولايات المتحدة خدمة أهدافهم». وقد يساعد التحقيق الذي يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي حول مقتل أحمد الذي نفذ واحدا من الاعتداءات في مقديشو، الصومالي الذي حصل على الجنسية الأميركية وانتقل إلى مينابوليس في عام 1996 وتخرّج في مدرسة ثانوية هناك، في تحديد حجم المشكلة. والمعروف أن وقوع تفجيرات متناغمة في مدينتين على بعد حوالي 500 ميل شمال مقديشو شكل «قفزة نوعية» في القدرات الإرهابية، وربما تقف وراءها حركة الشباب، تبعاً لما تراه مجموعة مراقبة تابعة للأمم المتحدة. في فبراير (شباط) 2008، ضمت وزارة الخارجية حركة الشباب إلى قائمة المنظمات الإرهابية. ولم يصدر سوى القليل من التصريحات حول قضية أحمد، ومع انتشار أنباء مقتله، أكدت الأسر الأميركية من أصول صومالية في مينابوليس التي انتابتها صدمة بالغة من الخبر، أن أول شاب أميركي من أصول صومالية غادر المدينة منذ عام، ثم تبعه ثمانية في الأول من أغسطس (آب)، ولحق بهم سبعة آخرون في يوم عقد الانتخابات الرئاسية. وتناولت هذه الظاهرة علانية أربع أسر من أبناء الجالية، وأكدت السلطات الأميركية أسماء كل من: برهان حسن، 17 عاماً، ومصطفى علي، 17 عاماً، وهما من خريجي المدارس الثانوية، وتتردد أسرتاهما على المسجد التابع لمركز أبو بكر الصديق الإسلامي. وسرد الأقارب قصصا مشابهة. وعلى سبيل المثال، حرص حسن على مطالعة الكتب، وكانت لديه الرغبة لأن يصبح طبيباً أو محامياً، وقضى بعض الوقت بعد المدرسة وأثناء العطلات الأسبوعية داخل المسجد، الذي يعد الأكبر على مستوى مينيسوتا، والذي ارتاده أيضاً علي، حسبما أكد عثمان أحمد، 43 عاماً، ابن عم حسن. وأضاف أحمد أن الشابين كانا يدرسان الطب والهندسة بجامعة مينيسوتا، لكن بمرور الوقت أصبحا مناهضين للمجتمع، وقل حديثهم ومعدل تناولهم للطعام مع ازديادهما تديُّناً. لم يكن لدى حسن وظيفة أو مال. وعندما لم يعد إلى المنزل في 4 نوفمبر (تشرين الثاني)، اكتشفت أسرته اختفاء جواز سفره، والحاسب الآلي المحمول والهاتف الجوال اللذين يملكهما. كما عثرت أسرته على أوراق تشير إلى حصوله على تذاكر سفر جواً بقيمة ألفي دولار، حسبما أوضح أحمد. وأضاف أن وكالة سفر تقع بالقرب من منزل الأسرة، يونيفرسال ترافيل، قالت إن أحد الأشخاص البالغين ادعى أنه والد عدد من الشباب، ودفع قيمة تذاكر السفر الخاصة بهم. وعلق أحمد على الأمر بقوله: «نعتقد أن مجموعة أقلية تعمد إلى تجنيد هؤلاء الفتية وإخضاعهم لعملية غسل مخ، وتمويلهم وترتيب أمر سفرهم. إن من يجندون الفتية هنا بإمكانهم إيذاءنا هنا». وأوضح أن الفتية يجرون اتصالات هاتفية بأسرهم من حين إلى آخر. ويؤكد الأقارب أن الفتية يعمدون إلى تكرار جمل محددة تفيد بأنهم بخير، وأنهم يدرسون في الصومال، ليس أكثر. وفي الواقع، قد يكون الصوماليون على نحو عام عرضة للانجذاب إلى التيارات الراديكالية، بالنظر إلى التوترات السياسية التي تعصف بوطنهم على امتداد عقدين، بالإضافة إلى أنهم من بين أكثر المهاجرين داخل الولايات المتحدة شباباً وفقراً، كما أنهم من بين الأحدث مجيئاً إلى البلاد. وطبقاً لما ورد بتقرير حول إحصاء سكاني داخل الولايات المتحدة، فإن حوالي 60% من المهاجرين الصوماليين قدموا إلى الولايات المتحدة منذ عام 2000، ويبلغ متوسط أعمارهم 26.8 عاماً. إضافة على ذلك، فإن 51% يعانون من الفقر، ويصل متوسط دخل الأسرة إلى 21.461 دولار، مقارنة بمتوسط الدخل الوطني البالغ 61.173 دولار. من جانبه، قال عمر جمال، المدير التنفيذي لمركز مساندة العدالة الصومالي في مينيسوتا «إن الجالية الصومالية أثارت قلق مكتب التحقيقات الفيدرالي للمرة الأولى منذ عام، عندما اعتقد أقارب شخص يدعى ساكاريا شريف مكروف أنه غادر البلاد ولقي حتفه خلال أعمال قتال في الصومال. وبعد فترة اتضح أن مكروف حي، لكن كعضو في حركة الشباب في كيسمايو، وهي مدينة تقع بجنوب الصومال، وتخضع لسيطرة الحركة، حسبما قال أحمد». وأعرب جمال عن اعتقاده بأن السياسات الأميركية منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ساعدت في دفع الشباب الصومالي الساخط باتجاه العناصر الراديكالية. وفسر ذلك بقوله «هناك معدلات بطالة مرتفعة بين الشباب. وكذلك معدلات مرتفعة للتسرب من التعليم. وبات من الصعب دمج هؤلاء الشباب في التيار الرئيسي في المجتمع، وإيجاد فرص عمل لهم». واستطرد موضحاً أن المتطرفين الدينيين عملوا مع الشباب، و«منحوهم الأمل في الحياة، ثم غرسوا في أذهانهم هذه الأيديولوجية العنيفة الراديكالية». وقال ماهر شريف، أحد المحامين عن المسجد، إن إمامة عبد الرحمن أحمد، وأحد المنسقين المعنيين بشؤون الشباب تم منعهما من السفر في الشتاء الماضي، في إطار تحقيق تجريه السلطات الأميركية، إلا أن شريف شدد على عدم وجود دليل على أن قادة المسجد جندوا، أو وفروا التمويل، أو يسروا سفر شباب إلى الصومال، متهماً جمالاً وأقرانه بالعمل انطلاقاً من كراهيتهم للمؤسسة الدينية المسلمة. وقال شريف إن مركز أبو بكر الصديق الإسلامي «لا يشارك في نشاطات سياسية، ولم ولن يجند أفرادا لصالح أي قضية سياسية، ولم يدعم قط الفلسفة أو الأعمال الإرهابية»، مضيفاً أن «المركز يندد بشدة بالتفجيرات الانتحارية وجميع أنماط العنف المفتقرة إلى التمييز». ورفض إي. كيه. ويلسون، المتحدث الرسمي باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي في مينابوليس، التعليق على التحقيق الذي يجريه المكتب، لكنه قال «إننا على علم بأن بعض هؤلاء الفتية سافروا إلى منطقة القرن الأفريقي لتلقي التدريب، وربما من أجل القتال هناك، بجانب الجماعات الإرهابية. إننا نحاول توسيع نطاق جهودنا هنا داخل الجالية الصومالية في مينابوليس لتغطية قاعدة أوسع من السكان هنا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»