فؤوس الحطابين اللبنانيين تهدد أشجار اللزاب بالانقراض

بعدما قاومت أعتى الرياح وصمدت على مر التاريخ

بعض أشجار اللزاب التي صمدت امام قساوة العوامل الطبيعية («الشرق الأوسط»)
TT

قاومت لعقود العوامل الطبيعية على قساوتها، فتحدت الرياح وتلقفت الشمس على حدة أشعتها، لكنها اليوم تواجه الأصعب: فؤوس الحطابين! إنها شجرة اللزّاب التي يرقى عمرها إلى آلاف السنين، فهي تختزل عصورا بين ثنايا جذعها، لا، بل تاريخا. لكنها بخلاف ما «يتمتع» به شجر الأرز من شهرة واسعة، ينحصر صيت هذه الشجرة بين أبناء المناطق حيث تنتشر، لا سيما بين المعمرين منهم الذين يبدو أنهم ينفردون في وعي أهميتها. وربما لذلك تواجه «إبادات» متواصلة مع كل موسم شتاء. فلا قِدمها ولا «مصادقتها» أصعب العوامل المناخية ولا تفردها بالانتشار على أعلى القمم لتشكل بذلك الغطاء النباتي الأوحد، تشفع لها لإنقاذها من القطع الذي بات، إذا تواصل، يهدد بانقراضها من لبنان «في غضون 20 سنة تقريبا»، كما حذر الناشط البيئي اللبناني كريستيان أخرس في حديث إلى «الشرق الأوسط»، ذلك أن الأهالي يبحثون عن التدفئة في زمن ارتفاع أسعار المازوت. فلا ضير إذا تحولت أشجار اللزاب وقودا، وما يفاقم المشكلة انتشار الرعي الجائر.

ولعل صلابة هذه الشجرة التي تعاند أعتى الرياح وأكثر درجات الحرارة انخفاضا، ترجع إلى بطء نموها وصعوبة زراعتها. فيوضح أخرس أن «شخصين أو ثلاثة نجحوا إلى الآن في زرع هذه الشجرة على ارتفاعات معينة وإنشاء مشاتل خاصة بها. إذ أن عملية تكاثرها الطبيعية لا تتم بشكل تلقائي، لأنها تحتاج إلى مساعدة بعض أنواع القوارض وطير الكيخن الذي حين يأكل من بذور اللزاب يتخلص منها بعد أن تتخمر في أمعائه. ومن الأفضل أن يتم ذلك في الشتاء حتى يلامس برازه الثلج فيتمكن من أخذ الوقت اللازم للتخمر. وإذا توافرت العوامل الطبيعية المناسبة، تبدأ عملية النمو إنما بشكل بطيء جدا، أي بعد أكثر من سنة لتفاعل البذور في الأرض. إذ تنمو شجرة اللزاب بين سنتيمترين وخمسة سنتيمترات تقريبا كل سنة. وهذا يعتمد على مكانها ومدى تعرضها للشمس والمياه والهواء... هذا يعطينا فكرة واضحة عن قِدم المتوافر منها في لبنان».

ويشرح أن هذه الشجرة «تأخذ في بدايتها شكلا مخروطيا ثم تبعا للعوامل الطبيعية وأماكن انتشارها تبدأ بأخذ أشكال مختلفة وارتفاعات متفاوتة تصل أحيانا إلى أكثر من عشرين مترا. كما يؤثر عبث الإنسان بها في شكل جذوعها العملاقة على مر السنين. ويتراوح حجم ثمارها بين نصف السنتيمتر والسنتيمتر والنصف، ويتدرج لونها بين الأخضر والأزرق الداكن، ويستفيد منها الأهالي لتحضير أنواع من العصائر. أما الأوراق فحرشفية شائكة نوعا ما ومغطاة بطبقة شبه شمعية مما يساعدها على المحافظة على خضرتها معظم أيام السنة».

وبالحديث عن طريقة انتشار أشجار اللزاب، يفيد أنها لا تشكل غابات كثيفة كالسنديان والصنوبر لأنها تنتشر بشكل متباعد نسبيا، فتتمكن كل شجرة من الحصول على حاجتها من الهواء والشمس. ولهذا الأمر، مردود إيجابي إذ أنه ينقذها من امتداد الحرائق إذا اندلعت، لذلك يتمثل الخطر شبه الأوحد في القطع، ذلك أنه نهائي، أي أن هذه الشجرة بخلاف أشجار السنديان لا تنمو من جديد عند قطعها. لذلك، يشكل تهديدا جادا لمستقبلها.

ولنشر التوعية والإضاءة على أهمية هذه الشجرة، بادر أخرس بإنشاء تجمع على موقع «فايسبوك»، لكن محاولاته لحض وزارتي البيئة والزراعة على القيام بتحرك ما لدرء الأخطار التي يتسبب بها الإنسان لم تجد صدى. ولا يزال يأمل في إصدار قانون أو مرسوم أو قرار يمنع التعرض لهذه الشجرة، ويقول: «خلال جولة في الشمال، رأيت أفرادا يقطعون اللزاب المعمر رغم سوء الأحوال المناخية، لكنني لم أستطع منعهم لأنني لا أتمتع بصفة رسمية، ثم إنهم لا يقدمون على ذلك عبثا، بل انطلاقا من حاجة إلى التدفئة. لذلك أناشد المعنيين بالتحرك. وإني واثق من أن إصدار قانون يحظر التعرض لهذه الشجرة، قادر على خفض فقدانها بنسبة أكثر من خمسين في المئة».

وقبل التطرق إلى أماكن انتشار اللزاب، يلفت أخرس إلى أن هذه الشجرة «تتفوق» على الأرز لناحية نموها على مستويات أعلى، إذ تنتشر على ارتفاع يتراوح بين 800 و2800 متر لتشكل بذلك الغطاء النباتي الأوحد للقمم التي تصبح شبه جرداء عندما يزيد ارتفاعها عن ألف وسبعمائة متر، فتساعد على تخزين المياه والمحافظة على التربة وتنقي الهواء بفضل قدرتها العالية على امتصاص الغازات الملوثة.

وينتشر اللزاب على سفحي السلسلة الشرقية من جبل الشيخ إلى جرود عرسال وطلعة موسى، وعلى سفحي السلسلة الغربية بين جبلي الكنيسة في جبل لبنان وأكروم في الشمال. وتعتبر منطقة أفقا المنيطرة أحد أهم موائله حيث يبدأ بالانتشار بكثافة شمالا مرورا بجرود العاقورة، واللقلوق، والليمونة، وعيناتا، وبرقا، ونبحا، وحلبتا، وعيون أرغش، ومرتفعات جبل المكمل حيث وجدت أشجار معمرة على ارتفاع 2750 مترا، ومرجحين، وجباب الحمر، وجرود الهرمل، وعكار، وسير الضنية، والقموعة، بالإضافة إلى «محمية إهدن» وجردها، و«محمية تنورين» وجردها حيث لوحظ نمو جديد للزاب على ارتفاع 2300 متر، بالإضافة إلى مناطق أخرى. وبخلاف الأرز فإن الأشجار تتوزع على السفوح الشرقية والغربية لأن الجفاف في فصل الصيف الذي يعيق انتشار الأرز على السفوح الشرقية، لا يهددها. ورغم غياب أرقام واضحة عن كمية هذه الأشجار، فتقدر موائلها ما بين سبعة آلاف هكتار وعشرة آلاف. وهناك نوعان آخران من فصيلة هذه الشجرة هما العرعر والدفران.