مبيعات الكتب في أوروبا ترتفع.. مع اشتداد الأزمة الاقتصادية

مع ارتفاع معدل البطالة وانخفاض عدد ساعات العمل أصبح الوقت متوافرا للقراءة

TT

في الوقت الذي يسعى فيه البعض إلى إيجاد تفسيرات للأزمة الاقتصادية العالمية، يحاول البعض الهرب إلى عالم خيالي من مصاصي الدماء، بينما يبحث آخرون عن طبق جيد من الطعام الشهي. وسواء كانوا سيختارون «لاكري أو آبري» للاقتصادي الفرنسي جاك أتالي، أو واحدة من الترجمات اللانهائية لسلسة «تويلايت»، التي كتبها المؤلف الأميركي ستيفن ماير، أو «جيمي مينستري أوف فود»، التي كتبها الطاهي البريطاني جيمي اوليفر، فإنهم يشترون الكتب. وعلى الرغم من أن الكساد قد ترك الصناعات الإعلامية الأخرى في حالة من الشتات، إلا أن أقدم تلك الوسائل الإعلامية الشعبية لا تزال تحتفظ بتماسكها على نحو مذهل. وقال أندريه بريدت، وهو باحث ومحلل التطور في نيلسن بوك سكان، التي تراقب مبيعات الكتب: «إنها رسالة مبهجة، فقد كان الناس يقرؤون وسوف يستمرون في القراءة مهما حدث».

كان ذلك التكيف واضحا بشكل كبير في القارة الأوروبية. فبعد الانخفاض الذي شهدته مبيعات الكتب في فصل الخريف، ارتفعت المبيعات في فرنسا بواقع 2% في ديسمبر (كانون الأول) مقارنة بتلك الفترة من العام الماضي، كما ارتفعت بنسبة 2.4% في يناير (كانون الثاني)، وذلك بحسب ما أوردته مؤسسة بورسينفيرين دي دوتشن بوشانديل التجارية. ويقول المحللون إن العديد من الأسواق الأوروبية قد بدأت تشهد رواجا.

وأشارت بوك سكان إلى أن أسواق الكتب في الولايات المتحدة وبريطانيا كانت أقل انتعاشا، حيث انخفضت بواقع جزء من 1% في كلتا الدولتين العام الماضي. وقد انخفضت مبيعات الكتب في الولايات المتحدة بواقع 1% خلال الأسابيع العشرة الأولى من العام الحالي. ولا يزال العديد من الصناعات الأخرى يصارع تراجع المبيعات الحاد، حتى مع تلك التي تبدو متعافية. وبالنسبة للناشرين الذين يعتريهم القلق، فإنهم مندهشون بشكل خاص، لأن المقارنات مع عام 2007 تكون صعبة، فقد استفادت المبيعات في ذلك العام مما يشبه خطة الحوافز الاقتصادية للصناعة والتي تمثلت في سلسلة روايات هاري بوتر. ويقدم المحللون والناشرون العديد من الأسباب للقوة النسبية لسوق الكتب، فيقولون إنه مقارنة بالتلفزيون الجديد أو ألعاب الفيديو، فإن الكتاب يعد أرخص، ومع ارتفاع البطالة وانخفاض عدد ساعات العمل ربما يتوافر الوقت للبعض للقراءة، وبعد الكثير من الإفراط الذي شهدته السنوات الأخيرة فربما تكون القراءة هي الهواية الأمثل لفترة أكثر تأملا.

وتقول هيلين فريزر المدير الإداري في دار بينجوين بوكس في لندن: «إن الكتب سلعة رخيصة جدا، وعندما تقرأ تلك الأخبار السيئة على صفحات الجرائد، فإن رواية من 55 صفحة لماريان كيز أو رواية كلاسيكية لتشارلز ديكنز قد تبعدك عن هذا كله». ولم تتأثر الكتب أيضًا حتى الآن بالتغيرات الشديدة التي جلبتها التكنولوجيا الرقمية لوسائل الإعلام الأخرى. وعلى الرغم من أن الكتب الإلكترونية كما يطلق عليها، تحظى بقدر كبير من المؤيدين لها، إلى جانب شيوع أجهزة وأدوات القراءة الإلكترونية مثل «كيندل»، الخاص بـ«أمازون»، إلا أن معظم الأفراد ما زالوا يتجهون إلى قراءة الكتب على النمط القديم. ولا يعني ذلك أن كل الأمور تسير على ما يرام بالنسبة لعملية النشر، إذ أعلن عدد من دور النشر في نيويورك، ومنها هاربر كولينز، وراندوم هاوس، وسايمون آند شوستر، ووهوغتون ميفيلن هاركورت، وماكميلان، في الفترة الأخيرة عن عمليات تسريح مؤقت للعمالة أو ثورة إدارية، أو كلاهما معًا. وهناك سبب وراء جعل الأمور تبدو أسوأ بالنسبة لمكاتب الناشرين مقارنة بالمكتبات، ويتجلى هذا السبب في تخفيض تجار التجزئة لطلبات الشراء الخاصة بهم، استعدادًا لانخفاض العمليات الشرائية. وكما أوضحت رابطة الناشرين الأميركيين، فقد انخفضت مبيعات الكتب بالجملة في الولايات المتحدة بنسبة 2.4% خلال العام الماضي، حيث اتسمت طلبات شراء كتب البالغين بالضعف الشديد على وجه الخصوص. وقالت كريستين فيراند ـ محررة ليفرز هيبدو ـ إنها تحدثت مع المؤرخين لسؤالهم عن كيفية استجابة شركات الكتب الفرنسية لأزمة وول ستريت عام 1929، فأخبروها أنه لم يحدث تباطؤ فوري وقتها، لكن بعد مرور عدة سنوات، ومع تعمق أزمة الكساد الكبير، تدهورت مبيعات الكتب، كما هجر الكثير من الناشرين هذا العمل. وأضافت: «إننا نسأل أنفسنا الآن، هل سيحدث مثل ذلك مرة أخرى؟ فما زال هناك إحساس بالهشاشة». ومع هذا كله، تسبب الانخفاض الاقتصادي في إيجاد فرص للناشرين، إذ أسس الناشر ألين لان شركة بنغوين في عام 1935، خلال الكساد الكبير، والذي أراد حينها بيع الكتب القيمة بأسعار تساوي ثمن علبة سجائر تقريبًا. وتقول السيدة فرازر مع ذلك، لم يسر كل شيء على أفضل حال، إذ أُصيبت سوق كتب السفر بالركود، وفي الوقت الذي تظهر فيه كتب الرفاهية الغذائية، تختفي كتب الحميات، إلى جانب كتب اللياقة البدنية والموضة. وتابعت قولها: «أشعر أنه من قبيل الرفاهية شراء كتب تتحدث عن كيفية فقدان 100 رطل، أو إقامة ماراثون».

* خدمة «نيويورك تايمز»