مكتبة كاتب ياسين.. المكتبة العامة الوحيدة في فرنسا باسم روائي عربي

تعتبر تكريما يدعو إلى غسل آثار الماضي الاستعماري

كاتب ياسين.. اختار الفرنسية وقال إنه يكتب «بلغة الاستعمار» («الشرق الاوسط»)
TT

ربما يكون الكاتب والروائي الجزائري كاتب ياسين صاحب الرواية الشهيرة «نجمة 1956» الروائي الوحيد من أصل عربي الذي يطلق اسمه على مكتبة عامة في فرنسا. وهي مكتبة ضخمة جدا.

هذا يعتبر تكريما كبيرا لأديب ومناضل جزائري كان يكتب بالفرنسية ويقول إنه يكتب «بلغة الاستعمار»، التي كانت مفروضة على الجزائريين في ذلك الزمان، الذي كانت تعتبر فيه الأراضي الجزائرية فرنسية. وهي تكريم أيضا لاتجاه في فرنسا يدعو علنا إلى غسل آثار الماضي «الاستعماري الدموي» الذي مارسته فرنسا في الجزائر، ونوع من الرد على من لا يزال يحلم من الفرنسيين بعودة ذلك المجد الذي لا يمكن أن يعود. وهي مبادرة تهدف في جانب منها، إلى إشعار المقيمين في فرنسا من أصل مغاربي بأنهم ليسوا غرباء ولا يتم التعامل معهم كذلك، على الرغم من الاتهام بالعنصرية. لكن أيضا، إطلاق اسم كاتب عربي على مكتبة عامة، ربما يعتبر وسيلة لجذب الشباب الذين ينتمون إلى الأصول نفسها إلى الثقافة بكافة أنواعها، فالمكتبة محاذية لواحد من أكبر الأحياء التي يسكنها المهاجرون في غرونوبل، وهي موجودة في قلب سوق تجارية تعتبر الأضخم في المدينة ومقصد لفئات عمرية متنوعة. ويؤكد القائمون على سير العمل في المكتبة، أن الاهتمام بالأدب العربي ليس نابعا من كون المكتبة تحمل اسم كاتب عربي، بل لأن هذا الأدب مهم وله العديد من القراء في فرنسا، كما أنهم يؤكدون من خلال الإحصاءات التي لديهم أن الأعمال العربية تلقى إقبالا واسعا بين رواد المكتبة. مع ذلك، فإن نسبة تردد المهاجرين من أصول عربية قليلة، بخلاف الفرنسيين والمهاجرين من أصول غير عربية، مثل الآسيويين والأوروبيين والأفارقة. في نهاية عام 2005 تم افتتاح هذه المكتبة في مدينة غرونوبل، التي توفي فيها كاتب ياسين عن ستين عاما قضاها في الكتابة والنضال منذ كان عمره ستة عشر عاما، يوم خرج في تظاهرة سطيف الشهيرة في عام 1945، التي انتهت بارتكاب الجيش الفرنسي، مجزرة بحق أصحاب الأرض الذين مات منهم الآلاف في ذلك اليوم المشهود. أما كاتب ياسين، فكان مصيره السجن، الذي ساعده، ربما، على نشر ديوانه الشعري الأول، الذي كان على ما بدا بعد ذلك مفتاحه للدخول إلى عالم الكتابة والصحافة، حيث بدأ في عام 1948 الكتابة المنتظمة في صحيفة «Alger republican» التي أسسها رفقة صديقه الروائي الفرنسي حائز نوبل للآداب ألبير كامو. تعد مكتبة كاتب ياسين من أكبر المكتبات في مدينة غرونوبل والمناطق المحيطة بها، كما أنها المكتبة الأكثر تطورا من ناحية التقنيات المستخدمة فيها. فهي المكتبة الوحيدة التي تحتوي أجهزة كومبيوتر تمكن ضعاف البصر من القراءة براحة تــامة، ومن دون مشكلات وآثار جانبية سلبية على بصرهم. كما أنها المكتبة الوحيدة في إقليم الألب، حيث يمكن لأي شخص أن يســتعير منها لوحات فنية (فنون تشكيلية، تصوير فوتوغرافـي) إلى جانب استعارة الكتب والأقراص المدمجة (CD،DVD)، إضافة إلى استعمال الإنترنت مجانا للمشتركين.

كما أنها تحتوي على أكثر من مائة ألف كتاب في كافة المجالات الأدبية والعلمية والفنية والقواميس بلغات عديدة. هذا إلى جانب برنامج خاص لتعليم اللغات، ومنها العربية للمبتدئين. كما أنها تحتوي على صالون أدبي وقاعة للمؤتمرات والمحاضرات، ومساحة للمعارض الفنية، ويبرز في المكتبة من خلال القائمين على هذه المساحة اهتماما خاصا بالتصوير الفوتوغرافي، إذ لا يمر شهر من دون عرض أعمال فوتوغرافية لفنانين من مختلف أنحاء العالم.

كذلك، فإن المكتبة تحتوي على أكبر مجموعة كتب خاصة بالتصوير الفوتوغرافي، ذلك إلى جانب ناد للسينما يهتم بعرض أفلام قديمة وحديثة وأفلام وثائقية بشكل دائم، مع قاعة المطالعة الكبيرة المطلة على سلسلة جبال الألب المكللة بالثلوج في هذا الوقت من السنة، التي تزنر المدينة من كافة الجهات، وقاعة القراءة الخاصة بالصحف والمجلات بمختلف أنواعها واهتماماتها. أما اللفتة النوعية في هذه المكتبة، فهي أنها مهتمة اهتماما خاصا ومميزا بالأدب العربي المترجم إلى الفرنسية. فلا يوجد كتاب مترجم من العربية إلى الفرنسية، مهما كان نوعه واختصاصه إلا وموجود فيها، وطبعا، فإن الحصة الأكبر في هذه الكتب هي للأعمال الأدبية، التي هي أكثر ما يترجم من العربية إلى الفرنسية، على غير المكتبات الأخرى التي عادة ما توجد فيها كتب كبار الكتاب العرب من أمثال محمود درويش وأدونيس وكتاب بلاد المغرب العربي، الذين يكتبون بالفرنسية بغالبيتهم، وطبعا أشهرهم صاحب المكتبة كاتب ياسين.