فيما يحظر مجلس قانون الأحوال الشخصية للنساء المسلمات في الهند (والمعروف اختصارًا بـ AIMWPLB) الطلاق عبر الرسائل القصيرة الخاصة بالهواتف الجوالة (والمعروفة اختصارًا بـ SMS)، أو عبر رسائل البريد الإليكتروني، أو الهاتف، بات واضحًا أن حالات الطلاق التي تقع باستخدام تلك الوسائل في ازدياد بين مسلمي الهند.
وألقت دراسة أخيرة على حالات «زواج وطلاق المرأة المسلمة في الهند» بدائرة الضوء على أن الكثير والكثير من الرجال المسلمين في الهند يعمدون إلى تطليق زوجاتهم عبر الرسائل القصيرة، أو رسائل البريد الإليكتروني، وفي الأماكن التي يتعذر فيها على المرأة استخدام الهواتف الجوالة، أو أجهزة الكومبيوتر، يتجه الرجال إلى استخدام الهواتف الأرضية لتطليق زوجاتهم. ومن بين الحالات الأخيرة التي أثارت انتقادات لاذعة بين صفوف العلماء المسلمين في الهند، إزاء تطليق الأزواج عبر الهواتف، أو الرسائل القصيرة للهواتف الخلوية، تلك التي طلق فيها تشاندر موحان ألياس تشاند محمد - السياسي الهندي رفيع المستوى - زوجته الثانية التي تُدعى فايزة عبر الهاتف من لندن. وخاطبت فايزة الإعلاميين قائلة «تلقيت رسالة قصيرة عبر الهاتف الجوال من تشاند على هاتفي الجوال، كاتبًا فيها الطلاق ثلاث مرات. وبعد ذلك مباشرة تلقيت اتصالا هاتفيا منه، وفيها كرر أنه طلقني». جدير بالذكر أن تشاند وفايزة تزوجا في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعد اعتناقهما الإسلام، حيث كان تشاند متزوجًا فعليا، ولديه أطفال، ويدين بالديانة الهندوسية. وبموجب قانون الزواج الخاص بالديانة الهندوسية، يعد الزواج من أخرى، دون تطليق الزوجة الأولى، جريمة جنائية، ومن ثم استدعى الأمر تغيير الزوجين لديانتهما، بالإضافة إلى تغيير اسميهما، من تشاندر موحان، وأنراظا بالي إلى تشاند محمد، وفايزة على التوالي. واستمر الزواج بالكاد أربعين يومًا، ثم ترك تشاند فجأة منزل فايزة، ولم يتصل بها منذ ذلك الحين. ومع ذلك، تقول فايزة إن الفصل القانوني في هذه الحالة «لا يعتبر قانونيا». وأضافت فايزة أنها لجأت إلى استشارة محامي المحكمة العليا، وعلماء دين مسلمين، وجميعهم أفتوا إليها بأن الطلاق عبر الهاتف والرسائل القصيرة عبر الهاتف الجوال «غير مقبول»، ولا يُعتد به. وأوردت قول المحامين وعلماء الدين إليها أنه «يتعين أن يتم أمام قاضٍ (أي رجل دين)». وقالت فايزة إنه يتعين عليه أن يمثل أمامي شخصيا «إذا ما أراد تطليقي، كما تنص الشعائر الإسلامية. أما هذا (في إشارة إلى الطلاق الذي يتم عبر الهاتف أو الرسائل القصيرة عبر الهاتف الجوال)، فليس صحيحًا». واتهمت تشاند بإساءة استغلال الإسلام، حيث قالت «يا له من شيء غريب.. يتحول إلى الإسلام، ويتزوج امرأة، ويستبيح جسدها، ثم يلقيها بعد ذلك». وكشفت دراسة حالة أخيرة شملت 30 مطلقة، وتم إجراؤها في جامعة نجار، وسيلامبوري، والعديد من المقاطعات في بيهار، ومنها داربوهانغا، وماظوباني، وزغايا أن 15 حالة طلاق، أي ما يعادل نصف الحالات على الأقل، تمت عبر الرسائل لقصيرة، أو رسائل البريد الإليكتروني، أو عبر الهاتف، فيما تمت 5 حالات فقط وجهًا لوجه، ومع ذلك، ففي حالة واحدة فقط من بين الحالات الخمس، كان هناك شاهد حاضر لعملية الطلاق. وأفاد أخطر الواصي، رئيس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة ملية إسلامية، قائلا «لا يوجد في الإسلام مفهوم الطلاق الفوري، كما أن إلقاء يمين الطلاق عبر الوسائل الرقمية لا يعد شرعيا. وإضافة إلى هذا، فإن أي طلاق يجب أن يتم من خلال دار القضاء (المحكمة الإسلامية) فقط، كما يجب أن يمثل شاهد من جانب الزوج والزوجة. أما الطلاق الغيبي، سواء للزوج أو الزوجة، فلا صحة له». وأفادت شايستا أمبر رئيسة مجلس قانون الأحوال الشخصية للنساء المسلمات في الهند أن «التطليق عبر الوسائل الحديثة مثل الهاتف، ورسائل الهاتف الجوال القصيرة، ورسائل البريد الإليكتروني ليس منطقيا، ولا شرعيا تمامًا». وأوضحت «هذا النوع من إعلان الطلاق لا صحة له. لقد أرسى القرآن الكريم قواعد النكاح، والطلاق. وفي كلتا الحالتين، يجب مثول شاهد من كلا الجانبين. فكيف يتسنى لأحد التأكد من حضور شاهد مع استخدام تقنيات الرسائل القصيرة، أو الهواتف، أو رسائل البريد الإليكتروني؟». حري بالذكر أنه في العام الماضي، قدم مجلس قانون الأحوال الشخصية للنساء المسلمات في الهند نموذجًا لعقد النكاح، ويحظر العقد صراحة على الرجال إعلان الطلاق والاعتداد به في نوبات الغضب، والسكر، والنوم الجزئي، أو باستخدام الهواتف، والرسائل القصيرة، أو الإنترنت. وينص عقد الزواج الجديد على شروط محددة، بموجبها يمكن للرجال تطليق زوجاتهم، كما تشدد الوثيقة على أنه لا يمكن لأحد هجر زوجته، دون تطليقها بصورة ملائمة تمكّنها من المطالبة بالنفقة. ويتم تطبيق هذه الوثيقة الجديدة على كلتا الطائفتين السنية والشيعية على حد سواء، فضلاً على أنه لا يعتد بالطلاق الثلاثي (أي تكرير كلمة الطلاق ثلاث مرات في مرة واحدة). وعلى نقيض قسيمة الزواج القديمة - وهي وثيقة من صفحة واحدة، ولا تحتوي على أي تفاصيل تتعلق بعنوان الزوج والزوجة، والعمر، وما غير ذلك - تشدد الوثيقة الجديدة على تسجيل قسيمة الزواج مع توافر شرط إلزامي يقضي بوجود صورة للعريس والعروس. وفي إحدى الحالات وجدت خاليدة (مع تغيير الاسم)، البالغة من العمر 24 عامًا، نفسها ضحية لوسائل التكنولوجيا الحديثة، حيث بعث إليها زوجها رسالة قصيرة عبر الهاتف الجوال تحمل تلك الكلمات المروعة «طالق، طالق، طالق». وفي النهاية، صدَّق علماء الدين المحليين على هذا الطلاق الحادث عبر الهاتف الجوال بعد جلسة سريعة الانعقاد، إلا أن خاليدة رفضت الاستسلام بهذه السهولة. وبالمثل، تم تطليق ترنم - وهي من ولاية عطار براديش غرب الهند - عبر مخابرة هاتفية أجراها زوجها الذي يعمل بالخارج، وتركها تناضل لإنقاذ زواجها، بعد أن أفتى المولوي بأن الانفصال يعد شرعيا. وقدمت كلتا المرأتان شكاوى في مخفر الشرطة ضد زوجيهما، بموجب الفصل 498 (أ)، و323، و406 من قانون العقوبات الهندي، والمختص بالإساءة الجسدية والعقلية، بالإضافة إلى قانون المهر. وفي حالة أخرى، تزوجت فتاة من شخص يعيش في الولايات المتحدة الأميركية، حيث حضر العريس وتزوجها، ثم عاد بعد ذلك منفردًا، على وعد الإرسال إليها لإحضارها في وقت لاحق، إلا أنه لم يأخذها مطلقًا. حينها رفع والدا العروس الكثير من الدعاوى القضائية ضده، وأرسلا إليه الرسائل، إلا أنه توقف عن الرد. وبعد أشهر قلائل، أرسل رسالة خطية مدون عليها الطلاق، وقال إنه كان متزوجًا في الولايات المتحدة، وإنه حضر إلى الهند وتزوج، نظرًا إلى الضغوط التي يمارسها عليه والداه. من ناحية أخرى، استشاطت جماعة الضغط ـ شديدة المحافظة ـ غضبًا من جرأة تشاندر محان، حيث استغل الشريعة الإسلامية هدفًا في الجمع بين زوجتين، ورفع الراديكاليون راية العصيان في مواجهة «خطأ الحكم الذي أصدره العلماء في حالات التحول المريبة (عن الديانة)»، وطالبوا أخيرًا بأن يجري العلماء تقصيًا عن حالات الزواج السابقة، قبل إجراء النكاح في حالات التحول عن الديانة. وقال مولانا خالد راشد فيرانغيمحالي- العالم الإسلامي واسع النفوذ - إنه سيتم إثارة هذه القضية في الاجتماع المقبل للمجلس التنفيذي للمركز الإسلامي بالهند. وتابع العالم البالغ من العمر 70 عامًا «هذا ليس طلاقًا. هذه جريمة». وأشار إلى أن المجرمين من أمثال سياسي ولاية هاريانا يجب أن ينبذهم المجتمع وينأى عنهم. وقد يكون تطليق تشاند محمد ثلاثًا لزوجته الثانية فايزة أمرًا غير مقبول، ولا يُعتد به، إلا أن المعهد الإسلامي دار العلوم أعلن أن طلاق المساعد السابق لرئيس وزراء هاريانا يعد شرعيًا بموجب الشريعة الإسلامية. وصرح المفتي إحسان قاسمي المسؤول عن قسم الفتوى بالمعهد الإسلامي بأن «الطلاق المنطوق ثلاثًا يعد شرعيا، طبقًا للشريعة الإسلامية، وفي هذه الحال، تتمتع فايزة بمطلق الحرية للزواج من آخر إذا أرادت ذلك، بعد انقضاء أشهر العدة». وأضاف أيضًا «إن الطلاق لا يعد ضروريا، إذا ما عاد تشاند مرة أخرى إلى الهندوسية». وفي نفس السياق، قال المفتي ذو الفقار - أحد أعضاء المحكمة الشرعية - أيضًا «إن الطلاق عبر الهاتف يعد شرعيًا، وإن المرأة حاليًا في حكم المطلقة». وحري بالذكر أن نشير في هذا الموضع إلى دار العلوم ديوبند - مدرسة إسلامية ـ ففي شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تم استفتاء المدرسة في حالة من بنغلادش، وفيها عزم شخص تطليق زوجته طلقة واحدة، فكتب في رسالة قصيرة على هاتفه الجوال «أنت طالق طلقة واحدة»، إلا أنه فكر بعد ذلك، وغيَّر رأيه، ولم يرسل الرسالة إلى زوجته على الإطلاق، فهل يعتبر هذا طلاقًا؟. وأوردت المدرسة الإسلامية في ردها على تلك الحالة، أنه يتم الاعتداد بالطلقة في هذه الحالة، سواء أُرسلت الرسالة أم لم تُرسل، فمن منطلق فقهي، تعتبر الرسالة القصيرة المكتوبة على الهاتف الجوال نصا مكتوبًا، وإذا ما كتبها الزوج بنية الطلاق، فإنه يقع، ويصبح ساريًا. وفي حالة أخرى ـ يرجع تاريخها إلى 3 يناير (كانون الثاني) من عام 2009 ـ سأل رجل دار الإفتاء بأنه كرر كلمة الطلاق ثلاثًا أثناء غضبه في مشاجرة بينه وبين زوجته، رغم أنه لم يكن في نيته أن يطلقها. وكتب الرجل في سؤاله «بعد انقضاء أسبوع على الحادثة، علمنا أنها حامل، ونرغب في أن نعيش سويا». وفي ردها، قضت دار الإفتاء «على أساس النطق بكلمة الطلاق ثلاثًا بوضوح، فإن عنصر النية يتحرر من شرعيته». وما زالت قضية الطلاق عبر الرسائل القصيرة للهاتف الجوال مثار جدل شديد بين العالم الإسلامي. هذا، إلى جانب حظر وتحريم بعض الدول الإسلامية لهذه الممارسة على الإطلاق.