ستيغليتز: استبدال عملة احتياط عالمية جديدة بالدولار سيكون في صالح أميركا على المدى البعيد

حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد أكد أن العالم أصبح «متعدد الأقطاب الاقتصادية»

جوزيف ستيغليتز متحدثا في منتدى دافوس الأخير بسويسرا (إ.ب.أ)
TT

أكد جوزيف ستيغليتز، كبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001 أن استبدال الدولار بعملة احتياط عالمية جديدة سيكون في صالح أميركا على المدى البعيد، غير أنه أكد «أن صندوق النقد الدولي ليس أفضل مكان نطلق منه هذه العملة إلا إذا أصبح مؤسسة أكثر إنصافا وتوازنا تمثل الاقتصاد العالمي الحقيقي». و أكد ستيغليتز أن ميزان القوة الاقتصادية عرف تحولا ملحوظا، حيث أصبح العالم «متعدد الأقطاب، وذلك يتطلب الانتقال إلى نظام متعدد الجوانب من الحكم».. إلى نص الحوار: > قال وزير الخزانة الأميركي السابق هانك بولسون إن إحدى القوى المحركة الأساسية لفقاعة الائتمان هو التوفر الهائل للسيولة النقدية الصينية في أميركا عبر استثمار احتياطي دولاراتهم في الأوراق المالية للحكومة الأميركية. وقد أبقى ذلك على انخفاض أسعار الفائدة طويلة الأجل، مما جعل الائتمان سهلا وشجع أيضا المستثمرين على «الوصول إلى الأرباح» عن طريق أدوات غريبة. هل تتفق مع ذلك التحليل؟

- نعم ولا. إنه حقيقي أن المدخرات الصينية تتدفق بكثافة إلى الولايات المتحدة. ومن الواضح أن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة تأثرت، ولكن لا يمكن أن تحددها تلك الحقيقة. وكان من الممكن أن يحل مصرف الاحتياطي الفيدرالي المستوى المرتفع من السيولة، وقد كانت لديه تحفظات بشأن أسعار الفائدة. وكان من الممكن له أن يرفعها ليبطئ من الفقاعة التي تسبب فيها التوسع الائتماني السهل.

وفي الغالب، تعد ثروة المدخرات نعمة، وليست مشكلة. وتعد الأموال الزهيدة أساسا لنمو اقتصادي قوي. والمشكلة أن النظام المالي الأميركي لم يفعل ما كان من المفترض أن يفعله، وهو إدارة المخاطر وتخصيص رأس المال من أجل أهداف مثمرة. لقد أضعنا هذه النعمة، وندفع الآن ثمن ذلك. ولكن من السخيف إلقاء اللوم على الصينيين.

> أليس من أهم التحديات الكثيرة التي يواجهها أوباما إصلاح عدم التوازن في المدخرات والاستهلاك بين الولايات المتحدة والصين؟

- في اقتصاد عالمي متكامل، أكبر تحد هو التأكد من أن إجمالي الطلب العالمي المناسب، يتحقق عن طريق الإنفاق، عندما تشعر دول مثل الصين أنه من الواجب الاحتفاظ بمستويات مرتفعة من احتياطي الدولار للحماية من تقلب العملة العالمية.

وعلى أي حال، جاء تراكم الاحتياطي في الصين نتيجة لسوء إدارة صندوق النقد الدولي للأزمة المالية الآسيوية التي وقعت منذ عقد أو أكثر. وإذا عرفت الدول أنها لا يمكن أن تعتمد على صندوق النقد الدولي لمساعدتها، يصبح أكبر وسيلة دفاع لديها احتياطيها. وفي فترة الركود العالمي المنتشر، يمكن أن يعوق فائض المدخرات في دول مثل الصين النمو العالمي.

> بسبب القلق بشأن قيمة ما يملكونه من مليارات الدولارات في الوقت الذي يزداد فيه عجز الميزانية الأميركية ويهدد التضخم مسيرة الاقتصاد، اقترح الصينيون عملة احتياطي عالمي بناء على سلة من العملات بدلا من الدولار وحده. فهل مثل هذه العملة الجديدة آلية جيدة لإحلال التوازن برفق بدلا من انهيار الدولار، وهو ما سيضر بالصين كما سيفعل بالولايات المتحدة؟

- إن اقتراح عملة احتياطي عالمي جديدة، أو حقوق السحب الخاصة، فكرة جيدة لعدة أسباب. نعم، بالنسبة للصينيين ستخفف من تأثير أي هبوط في قيمة الدولار في حد ذاته، لأنه سيكون مجرد جزء من السلة التي تحتوي على عملات أخرى، من بينها الين واليورو. ولكن فوق كل ذلك، ستشجع سلة عملات الاحتياطي الجديدة على زيادة إجمالي الطلب العالمي، بتقليل الخوف من تقلب العملة، وهو ما أقول إنه أدى بدول مثل الصين لوضع الكثير من الأموال في الاحتياطي بدلا من إنفاقها.

وتوجد مميزات أخرى. في علم الاقتصاد، لا يجب أن يعتمد رخاء العالم على إدارة عملة واحدة. وستتنوع مخاطر العملة عبر وحدة احتياطي مكونة من سلة عملات، مما يحقق الاستقرار والثقة في الاحتياطي. وأخيرا، توجد قضية العدالة. نظرا لأن الدولار هو عملة الاحتياطي في العالم، خاصة في فترة التراجع الاقتصادي الذي يهرب فيها المستثمرون إلى بر الأمان، يمكن أن تمتص الولايات المتحدة مدخرات بقية العالم حتى على الرغم من أن أسعار الفائدة التي تدفعها تقترب من الصفر. وذلك لن يحدث إذا كانت هناك عملة احتياطي عالمي مكونة من سلة من العملات.

> وماذا يعني ذلك للولايات المتحدة إذا تم استبدال عملة عالمية جديدة بدلا من الدولار؟

- في الحقيقة، سيكون ذلك في مصلحة الولايات المتحدة على المدى البعيد، لأنه سيساعد على وقف الاقتراض بأسعار فائدة مخفضة عن بقية العالم. ولكن يأتي ذلك على حساب الاقتصاد الكلي في الداخل. وأحد الوسائل التي ننظر بها إلى ذلك هو أن الولايات المتحدة تحولت إلى تصدير صكوك وزارة الخزانة بدلا من السيارات أو السلع الأخرى. وحل الطلب العالمي على الدولار محل الطلب على السلع المصنعة والخدمات، مما أسفر عن عجز تجاري متعدد الأطراف وفقدان الوظائف في الداخل.

> في القمة التي عقدت في لندن أخيرا، قرر زعماء مجموعة الدول العشرين وضع 250 مليار دولار في حقوق السحب الخاصة. فهل تعد تلك خطوة مهمة من أجل إنشاء عملة احتياطي عالمي جديدة؟

- أعتقد أن الأمر كذلك. ولكن السؤال هو مدى سرعة حدوثه. ولكن في رأيي، لا يعد صندوق النقد الدولي أفضل مكان نطلق منه هذه العملة، إلا إذا أصبح مؤسسة أكثر إنصافا وتوازنا تمثل الاقتصاد العالمي الحقيقي بدلا من قوى ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي تسودها الولايات المتحدة. وتحتاج دول شرق آسيا والبرازيل وغيرها إلى دور أكبر بكثير.

على سبيل المثال، من بين مبلغ 250 مليار دولار المخصص في حقوق السحب الخاصة، تم تخصيص 19 مليار دولار فقط للدول النامية. لذا فكرة حقوق السحب الخاصة جيدة. ولكن المؤسسة ذاتها تشوبها أخطاء.

> ومع ذلك، يرمز اقتراح الصينيين لاتخاذ عملة حقوق سحب خاصة عالمية جديدة، واتخاذ مجموعة الدول العشرين خطوة تجاه ذلك، إلى تحول في القوة في العالم؟

- من دون شك، إنه اعتراف بحقيقة العالم متعدد الأقطاب، وذلك يتطلب الانتقال إلى نظام متعدد الجوانب من الحكم. وقد بدأ التحول في القوة بالفعل منذ عدة أعوام، تحت إدارة بوش، عندما أصبح الدولار متقلبا بشدة وبدأ في الانخفاض. وكان ذلك عندما تحولت الصين من الاحتفاظ بـ100 في المائة من احتياطيها من الدولار إلى 75 في المائة فقط. وابتعدت بعض الدول تماما عن الدولار. وفقد الدولار، بكل ما تعنيه الكلمة، مكانته الخاصة كعملة احتياطي، وبدأ الناس في الحديث عن حقيبة أوراق مالية، أو سلة من العملات، لادخار الثروات بدلا من الدولار.

وتعكس قوة الدفع الحالية التي تكمن وراء فكرة عملة احتياطي عالمي جديدة صعود بقية الدول في سياسة العالم واقتصاده، تحت قيادة الصين.

* خدمة «غلوبال فيوبوينت»

* خاص بـ«الشرق الأوسط».