3 ركائز لسياسة أوباما نحو إيران.. والتفاوض في مسارات منفصلة والنووي يرأسه سولانا

مصادر أميركية لـ«الشرق الأوسط»: نعم للحوار غير المشروط.. ولا لتغيير النظام الإيراني أو ضربة عسكرية خلال المفاوضات * اتفاق مع سورية لإثارة أعصاب الإيرانيين

الأشهر القليلة المقبلة لن يحدث فيها الكثير علانية.. لكنها ستكون حاسمة في تمهيد الأرض للحوار الاميركي ـ الإيراني («الشرق الأوسط»)
TT

قالت مصادر أميركية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الحوار بين أميركا وإيران سيتم على مسارات متعددة، موضحة أنه سيكون هناك مسار مستقل للمفاوضات النووية وأن هذا المسار سيكون تحت رئاسة مسؤول السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا. فيما ستكون مسارات التفاوض حول أفغانستان وباكستان والعراق متعددة الأطراف، سيشارك فيها إضافة إلى إيران وأميركا، حلف الناتو والدول الأوروبية. وقالت المصادر إنه لن يكون هناك إعلان رسمي صاخب لنتائج المراجعة الأميركية للسياسات حيال إيران، موضحة أن مراجعة السياسة الأميركية «عملية ستتواصل». وقالت المصادر إن هناك 3 ركائز للمراجعة الأميركية للسياسات نحو إيران، وهى: أولا، اعتماد مبدأ الحوار المباشر من دون شروط مسبقة. وثانيا، تأكيد أن خيار «تغيير النظام الإيراني» ليس واردا لدى الإدارة الأميركية الحالية. وثالثا، ضمان عدم شن عمل عسكري ضد إيران خلال المفاوضات طالما أظهرت طهران تعاونا في القضايا محل القلق الدولي وعلى رأسها الملف النووي. وقالت المصادر إن عملية مراجعة السياسة حيال طهران كانت صعبة بسبب اختلافات في وجهات النظر بين المشاركين فيها، موضحة أن النقاش ما زال دائرا وان هناك نقاطا ما زالت عالقة في المراجعة. وقال مسؤول أميركي مطلع لـ«الشرق الأوسط»: «أميركا ستكون من الآن فصاعدا حاضرة مع الإيرانيين في كل المفاوضات، ستكون حاضرة بشكل مباشر وهذا شيء جديد. في المفاوضات النووية سنجلس من دون أن نشترط أولا أن توقف طهران التخصيب، لكننا سنجلس في إطار مبادئ حزمة حوافز دول 5 زائد 1، وهذا يعني بشكل واضح أن وقف تخصيب اليورانيوم هو هدفنا من المباحثات، أي أننا لم نلغ شرط التخصيب، فالمفاوضات النووية لن تتقدم من دون وقف التخصيب. المفاوضات النووية ستتم في إطار مظلة دول 5 زائد 1 بمعنى أنه لن تكون هناك مفاوضات منفصلة بين إيران وأميركا في الموضوع النووي، وهذه المفاوضات ستتم برئاسة سولانا. أما المفاوضات مع إيران حول أفغانستان وباكستان والعراق فستكون منفصلة عن الملف النووي، وهى بدأت بالفعل. الآن لدينا 2 أو3 آليات رسمية للحوار مع إيران، فالإيرانيون شاركوا في الحوار حول العراق، وشاركوا في مؤتمري أفغانستان وباكستان، ودعوا لاجتماع 5 زائد 1 حول الملف النووي». وتابع المسؤول الأميركي الذي لا يستطيع الكشف عن هويته: «الوقت مبكر للحديث عن حوار ثنائي مباشر أميركي ـ إيراني. فالحوار الذي سيتم حول الموضوع النووي أو أفغانستان أو باكستان أو الشرق الأوسط سيتم في اطار تعددي، اى بمشاركة وحضور شركائنا المعنيين. ففي أفغانستان أميركا هي اللاعب الأكبر لكن هناك أيضا حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وبالتالي لن يكون من المناسب ان نجلس مع إيران بشكل ثنائي لمناقشة أفغانستان بغياب الناتو وأوروبا. لكن الحوار الثنائي سيأتي لاحقا إذا تحقق ما يكفي من التقدم في القضايا الأكثر تعقيدا». وأوضح المسؤول الأميركي أن هناك قضايا ما زال يبحثها فريق إيران في الخارجية الأميركية والبيت الأبيض ومجلس الأمن القومي ومن بينها مستوى الاتصالات الأولى، وهل من الأفضل أن تتم على مستوى رفيع أم مستوى أقل؟ وهل من الأفضل البدء بالقضايا التي يمكن تحقيق تقدم فيها مثل أفغانستان أم تطرح منذ البداية القضايا الأكثر تعقيدا وحساسية مثل علاقة طهران بحزب الله وحماس وتأثيرهما في المنطقة. من ناحيته، قال مسؤول أميركي آخر إنه لن يكون هناك إعلان صاخب لنتائج مراجعة السياسة الأميركية حيال إيران، موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أنها ستكون عملية متواصلة ومستمرة تعتمد على ما سيفعله الايرانيون، وطريقة تحركهم». ويضم فريق مراجعة السياسة الأميركية نحو إيران مسؤولين وخبراء من البيت الأبيض ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي والاستخبارات الأميركية. وقال المسؤول الأميركي إن أهم الوجوه التي شاركت في المراجعة، بخلاف الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ودنيس روس، كل من جيفري فلتمان مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط والسفير الأميركي السابق في لبنان، ونائب مجلس الامن القومي توم دونيلون، ومدير دائرة الشرق الأوسط في مجلس الامن القومي دان شابيرو، وبيل بيرنز مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، وجيمس جونز مستشار الامن القومي. كما شارك ريتشارد هولبروك المبعوث الأميركي لأفغانستان وباكستان، وجورج ميتشل مبعوث سلام الشرق الأوسط بأفكار ومقترحات في مراجعة السياسة نحو إيران. لكن بالرغم من وضع الخطوط العريضة لمراجعة السياسة نحو إيران، فإن هذه السياسة غير مكتملة الأركان بعد وبالتالي لن تحدث على سطح أحداث الشرق الأوسط تغييرات سريعة لافتة في العلاقات الإيرانية ـ الأميركية. ويقول ديفيد آرون ميلر المفاوض السابق للشرق الأوسط في الخارجية الأميركية، الذي عمل مستشارا لـ6 وزراء خارجية سابقين لشؤون الشرق الأوسط، كما عمل مع دنيس روس في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون إن أي ثمار للانفتاح الأميركي على إيران «لن تظهر خلال فترة قصيرة» وإننا يجب أن نتوقع «فيلما أميركيا ـ إيرانيا طويلا»، وأنه ليس هناك «كبسولة» جاهزة للسياسة حيال إيران. وأوضح ميلر لـ«الشرق الأوسط»: «هناك الكثير من المقترحات، والموقف معقد جدا فيما يتعلق بالحوار مع إيران. أولا المراجعة الأميركية للسياسة حيال إيران لم تنته بعد. ثانيا هناك عوامل، مثل نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية يمكن ان تساعد في تحديد طريقة التحرك الأميركي نحو إيران. هذا سيكون فيلما طويلا. فمن وجهة نظري لن نجد سياسة أميركية جاهزة ومحددة نحو إيران خلال الفترة القصيرة المقبلة.. محاولة وضع السياسة الأميركية نحو إيران في كبسولة جاهزة وتقديمها الآن خلال أبريل مستحيل تقريبا. أنا لست واثقا من أننا نعرف ما هي سياساتنا. إحدى المقاربات المحتملة لفتح حوار مع إيران تقوم على حل الخلاف النووي مع إيران، ثم حل القضايا الأخرى المتعددة والمتداخلة التي يمكن ان تعكر العلاقات الأميركية ـ الإيرانية. لكن بعض القضايا أسهل في الحل من قضايا أخرى. فمثلا تعاون إيران في افغانستان والعراق يمكن تحقيقه مقارنة بتحول جذري في علاقات إيران مع حماس وحزب الله وطموحات إيران في الخليج الذي يبدو لي أنه يقلق الدول العربية كثيرا. المشكلة في تحديد السياسة الأميركية حيال إيران أن المراجعة لم تنته كليا بعد، وحتى إذا انتهت فإن الحوار مع إيران سيعتمد على عوامل كثيرة، من بينها مثلا حشد موقف عربي موحد إزاء إيران، وما إذا كان سلوك إيران سيتغير أم لا؟ وما إذا كان الإيرانيون بدورهم في مرحلة إعادة النظر في سياساتهم ومراجعتها؟. وبالتالي أعتقد أن علينا ان نكون حذرين قبل ان نحاول ان نحدد بشكل قطعي الشكل الذي ستكون عليه سياستنا حيال إيران. لكنني أشك في انها ستكون سياسة جامدة، وهذا أحد أشكال الاختلافات بين هذه الإدارة والإدارة السابقة. فهذه الإدارة منفتحة أكثر على سياسات جديدة ذكية ومعقدة ومتداخلة. وهذا يعني الاستماع إلى الآخرين، والانفتاح على أفكار متعددة ودمج عدة عناصر معا. وكل هذا يعني أن أميركا ستأخذ وقتا كي تضع سياساتها بشكل محدد ودقيق وواضح المعالم. فالأهداف واضحة وهى: وقف إيران عن تخصيب اليورانيوم وتحسين سلوك طهران ومنع مواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل وتغيير فكرة أن أميركا مصممة على تغيير النظام في إيران». لكن بالرغم من سياسة «اليد الممدودة» التي أظهرتها إدارة أوباما حتى الآن نحو طهران، إلا أن ميلر لم يظهر تفاؤلا من سرعة التقدم. ويوضح ميلر «هناك اختلافات مصالح هيكلية بين أميركا وإيران، حتى لو كانت هناك مصالح مشتركة في بعض القضايا. فلدينا 44 عاما من الفرص الضائعة والشكوك المتبادلة وانعدام الحوار. لكن وفيما أقول هذا، أقول أيضا إن إيران تقف تقريبا في المركز والقلب من كل شيء تهتم به أميركا. الانتشار النووي، العراق، أفغانستان، لبنان والقضية الإسرائيلية ـ الفلسطينية. وبالتالي مجرد عدم تجريب الحوار مسؤولية كبيرة. وهذا ما أعتقد أن إدارة أوباما تحاول فعله الآن. لكني لا أعتقد انهم يعرفون كيف سيفعلون هذا. ولا أعرف أي شخص في واشنطن أو في أي مكان آخر يمكن ان يقرأ بدقة كيف تفكر إيران. فهذا نظام سياسي صامت ومن الصعب جدا قراءته. هناك انتخابات إيرانية في يونيو يمكن ان تحدث، أو لا تحدث، تغييرا في الحكومة». وأضاف: «أنا أعتقد أن إيران ترى في نفسها قوة كبيرة بكل معنى الكلمة، وأعتقد أن هذا يحركه أحساس عميق بانعدام الأمن من ناحية، والفخر والشعور بالاستحقاق من ناحية أخرى. فإيران اليوم تشعر أنها وريثة حضارة عظيمة وقوة هائلة، وهذا شيء لم تخلقه الثورة الإيرانية عام 1979، هو موجود كعنصر مكون في السياسة الإيرانية قبل ذلك، من ملوك فارس إلى عهد الشاه كان ذلك حاضرا. إيران دولة جادة، ومن الواضح انهم يريدون ان يكونوا المسيطرين في الخليج، ومن الواضح انهم يريدون ان يمارسوا نفوذا خارجيا على جيرانهم. طموحات إيران هذه تصطدم بنا، فنحن أميركا نحتل بلدين مجاورين لإيران هما العراق وأفغانستان. لدينا على حدود إيران قواتنا العسكرية واستخبارات، نحن في كل مكان وبالتالي هم يشعرون بالقلق. لكننا في أميركا لا نفكر في الأمر بهذه الطريقة، نفكر في أن إيران دولة سلوكها عدائي. نحن نشكل تحديا بالنسبة لهم، أنا واثق أنهم يفكرون في اننا نريد رؤية نظام جديد في إيران. وأعتقد أنهم يعتقدون أننا نريد ان نغير سلوكهم في العراق وأفغانستان والموضوع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بما يتناسب مع رؤيتنا. أعتقد أن الإيرانيين يرون أننا في أميركا لا نرى لهم دورا شرعيا يلعبونه في لبنان، أو حق لهم في التدخل في الموضوع الفلسطيني. كل هذا يحيلنا إلى سؤال: هل مصالح أميركا وإيران في الشرق الأوسط يمكن ان تتطابق؟ والإجابة حتى الآن: لا. يمكن ان تتلاقى في بعض القضايا، لكنها لا يمكن ان تتطابق كليا في كل القضايا. الآن ما تحاول إدارة أوباما ان تفعله هو ان تختبر صحة هذا الطرح من خلال الحوار مع الإيرانيين. لكن لا أحد في هذه اللحظة يستطيع ان يجيب على سؤال: هل عندما نضع المفتاح في باب العلاقات الإيرانية ـ الأميركية سنجد علاقات إيرانية ـ أميركية جديدة أم سنجد غرفة خاوية.. فنحن لا نسيطر على تصرفات الإيرانيين ولا نعرف ما الذي سيفعلونه. يجب ان نفترض أنهم يريدون الحوار. وأنا أريد أن نتحاور مع الإيرانيين ولكن ليس ونحن راكعون على ركبتنا. لا يجب ان نبدو جوعي أو متلهفين لهذه العلاقات، لأنه في الدبلوماسية عندما تكون متلهفا لا تحقق أبدا ما تريد». من ناحيته، يرى جاري سيك مساعد زبيجنيو برجينسكي رئيس مجلس الأمن القومي الأميركي خلال إدارة الرئيس الأميركي جيمي كارتر، الذي يعمل أستاذا في جامعة كولومبيا الأميركية، أنه لن تكون هناك مفاوضات جادة بين أميركا وإيران إلا في وقت لاحق بنهاية هذا العام، موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعتقد أن فريق أوباما حول إيران سيحاول ان يجلس مع الإيرانيين في مفاوضات رسمية قبل الانتخابات الرئاسية في يونيو المقبل. في نفس الوقت أميركا ستواصل الجلوس مع الإيرانيين كما حدث في مؤتمر لاهاي حول أفغانستان وهناك حوار حاليا حول العراق، تحضيرا للانسحاب الأميركي من العراق. فالدبلوماسيون الأميركيون اليوم قادرون على الجلوس مع نظرائهم الإيرانيين عندما يلتقون بهم في الأمم المتحدة وأماكن أخرى. إذاً هناك اتصالات تُجرى. هذا ما يسمونه تمهيد الأرض لما سيكون مباحثات جدية لاحقا. لكن هذه المباحثات الجدية لن تحدث قبل أن يتفق الطرفان على جدول أعمال، ويقرران مستوى الاتصالات، ومتى تتم ومن سيقود المفاوضات من الطرفين ومن سيلتقي من؟ وأين سيلتقون؟ وما هي القضايا التي ستتم مناقشتها أولا أو ستكون لها الأولوية؟ هناك الكثير من المسائل التي ينبغي توضيحها والأرضيات التي ينبغي تمهيدها أولا بين دولتين علاقتهما مقطوعة منذ 30 عاما. هذه الفترة بين الآن وانتهاء انتخابات إيران فترة تمهيدية ليس أكثر، ولن تكون هناك مفاوضات جادة بين الطرفين إلا في وقت لاحق من هذا العام. لكن في نفس الوقت نحن نتحدث الآن، وهذا بحد ذاته تطور صحي جدا». وفيما تتجه الأنظار للتحضيرات للاجتماع الأول بين إيران وإدارة أوباما حول الملف النووي، الذي يعتقد انه سيعقد في إحدى العواصم الأوروبية في مايو (أيار) المقبل يبقى موضوع وقف التخصيب القضية الأكثر تعقيدا وحساسية، خصوصا أن إيران أعلنت خلال الأسبوعين الماضيين على لسان المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي والرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد وأمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي، إن طهران لن توقف تخصيب اليورانيوم. وفيما يظهر لبعض الدوائر داخل أميركا أن هذه اللهجة المتشددة من قبل طهران هدفها تحقيق أفضل نتائج ممكنة من الحوار مع واشنطن، فإن آخرين يرون أن إيران فعلا جادة وانه ليست هناك أي إمكانية لأن توقف التخصيب تحت أي شرط أو ظرف. وفي هذا الصدد يقول ميلر: «إذا أردنا أن نتحدث للإيرانيين خلال العامين المقبلين علينا أن نقبل حقيقة واحدة وهى أن الإيرانيين لن يوقفوا تخصيب اليورانيوم». ولأن الوقت يلعب لصالح إيران فيما يتعلق بالتخصيب (لأنه كلما خصبت طهران كميات أكبر من اليورانيوم منخفض التخصيب كلما أصبحت أقدر على أخذ هذه الكميات وتحويلها إلى يورانيوم عالي التخصيب للاستخدام العسكري)، فإن الوقت يلعب بالضرورة ضد إسرائيل التي تراقب مسألة الحوار الأميركي مع إيران ليس من تل أبيب، بل من قلب واشنطن أيضا. ويقول ميلر: «هل هناك حوافز وعواقب كافية لإيران؟ هذه ليست مسألة يلعب فيها الزمن دورا ايجابيا. هذه مسألة يلعب الزمن دورا في تعقيدها. فالإيرانيون سيواصلون تخصيب اليورانيوم، وبالمناسبة لا أرى أبدا أي فرصة في أن تتنازل إيران عن تخصيب اليورانيوم. الشيء الوحيد الذي يبقى لتحديده، سواء في حسابات إيران أو حسابات المجتمع الدولي، هو ما إذا كان الإيرانيون لديهم ما يكفي من الحوافز لعدم إنتاج قنبلة نووية، لأنه على خلاف علاقات أميركا والاتحاد السوفياتي سابقا أو الصين خلال ريتشارد نيكسون وهنري كيسنغر حيث أجرى الطرفان مباحثات سرية كان لهذا تأثير تاريخي في تغيير طبيعة العلاقات بين أميركا وأكبر عدوين لها، لدينا في حالة حوار أميركا ـ إيران عنصر ثالث لم يكن موجودا في روسيا والصين وهو إسرائيل. والإسرائيليون يمثلون كارت لا يمكن التنبؤ بما سيصدر عنهم (wild card). فمن وجهة الإسرائيليين، إيران أصبح لديها ما يكفي من اليورانيوم لإنتاج سلاح نووي، ونحن وصلنا لنفس النتيجة أيضا. لكن أظن أن الإسرائيليين لا يستطيعون تحمل هامش للخطأ في المسألة النووية الإيرانية، أي لن ينتظروا حتى تنتج إيران قنبلة، وبالتالي فإنه من المرجح أنهم يفكرون في التحرك عسكريا، أو يحاولون دفع أميركا للتحرك إذا بات واضحا لهم أن الإيرانيين يعبرون الخط الفاصل بين المدني والعسكري». لكن بالرغم من القلق الإسرائيلي، فإن ميلر لا يرى إمكانية لأن تعطى إدارة أوباما إسرائيل الضوء الأخضر لقصف إيران خلال العامين المقبلين، فالعام الحالي 2009 مجرد تمهيد أرضية وجس نبض وعام 2010 هو عام التفاوض الجدي على قضايا شائكة ظلت معلقة لنحو 30 عاما ويوضح ميلر: «لا أرى الظروف التي تعطي فيها أميركا الضوء الأخضر أو الموافقة لإسرائيل كي تهاجم إيران خلال الفترة القصيرة المقبلة. انسوا الضوء الأخضر والأحمر والأصفر، لا أعتقد أن الولايات المتحدة ستوافق أو تعطي الدعم الآن لأي ضربة عسكرية إسرائيلية ضد إيران. لن تقول أميركا لإسرائيل: خلال عام إذا لم يحدث شيء.. تحركوا للهجوم على إيران. لا أعتقد أن هذا سيحدث، ليس هكذا ستتحرك أميركا في ملف إيران. هذا لن يحدث خلال عام وحتى خلال عامين. وإسرائيل لن تهاجم إيران بمعارضة أميركية. هذا ما أعتقده». لكن البعض يعتقد أن المفاوضات النووية مع إيران في اطار من الانفتاح الشامل مع طهران يمكن ان تقنع القيادة الإيرانية بوقف التخصيب ولو مؤقتا. وتقول جاكلين شير الخبيرة في معهد الأمن بواشنطن، التي عملت في وزارة الخارجية الأميركية في شؤون التسلح ومنع الانتشار النووي حيث عملت في الاتحاد السوفياتي السابق والعراق، لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أنه من المهم أن نحدد أن الهدف النهائي للمباحثات هو: وقف التخصيب، سواء أخذ هذا عاما أو عامين أو 5 أعوام. لا أحد يعلم. هناك أشياء أخرى جزء من الصورة الإجمالية. الولايات المتحدة ربما مستعدة لتحيد قلقها من تخصيب اليورانيوم، لكنها في الوقت ذاته تريد من إيران أن تصدق على البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية منع الانتشار النووي، وأن تسمح لمفتشي وكالة الطاقة الذرية بتفتيش منشآت نووية غير مسموح للوكالة حاليا بتفتيشها. هناك إذاً عدة قضايا مرتبطة بالموضوع. وأعتقد أنه كي تبدأ عملية التفاوض، فإن الأميركيين مستعدون لعدم جعل تخصيب اليورانيوم إشكالية أو (عقبة) مع الإيرانيين. لكنني لا اعلم المدة التي سيأخذها الموضوع، وما إذا كان 6 أشهر أو عاما. ولا اعلم أي شخص يعلم إجابة هذا السؤال. ما هي المدة التي ستسمح بها أميركا بمواصلة التخصيب؟ وهل ستطول بطول عملية التفاوض؟»، وهو ما يقلق إسرائيل ودفعها بالفعل لدراسة كل الخيارات. لكن هل لدى إيران من اليورانيوم المخصب اليوم ما يكفي لإنتاج قنبلة نووية؟ تجيب شير: «لإنتاج قنبلة نووية نحتاج الى 25 كيلو من اليورانيوم المرتفع التخصيب، وما لدى الإيرانيين اليوم 1010 كيلو من اليورانيوم المنخفض التخصيب في شكل يورانيوم (هكسفلوريد)، وهذا ليس 100% يورانيوم، وهو منخفض التخصيب. لإنتاج قنبلة نووية على إيران أن تأخذ هذه الكمية وان تنتهك الاتفاقيات الموقعة مع وكالة الطاقة الذرية وتمنع الوكالة من التفتيش على المواقع التي يتم فيها التخصيب. بطريقة أخرى عليك ان تتجاوز مراحل كثيرة من أجل أن تحول يورانيوم على شكل هكسفلوريد إلى قنبلة، هذا ليس أمرا سهلا وليس سريعا. نظريا: نعم إذا أخذت إيران هذه الكمية من اليورانيوم منخفض التخصيب وأزالت أو نزعت الفلورين عنها، وخصبتها بدرجة أعلى، فربما يكون لديها ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة واحدة صغيرة. لكن هذا نظريا وليس واقعيا..ففي رأي إيران لن تأخذ هذا اليورانيوم وتحوله وتصنع منه قنبلة نووية تحت رقابة وكالة الطاقة الذرية، فمفتشي وكالة الطاقة في إيران يراقبون أنشطتها النووية». وتتابع شير: «لا أعتقد أن إيران مثل كوريا الشمالية. كوريا الشمالية طردت المفتشين الدوليين، وأعادت معالجة البلوتونيوم وصنعت قنبلة نووية، لا أعتقد أن إيران ستنهج نهج كوريا الشمالية. هذا رأيي الشخصي. والسبب أن إيران ليست دولة منعزلة عن العالم، إيران نشطة في محيطها الإقليمي والعالم. وترى نفسها كجزء من شيء أكبر. وهذا سلوك مختلف تماما عن كوريا الشمالية. لا أعتقد أن البلدين يتشابهان. إيران لديها رغبة في نفوذ إقليمي وتريد لعب دور في قضايا الشرق الأوسط بدلا من العزلة». لكن ما يقلق الغرب أن إيران تخصب اليورانيوم وليس لديها مفاعل لتستخدمه فيه. فمفاعل بوشهر يتم تشغيله بوقود نووي مستنفذ تسلمه روسيا لإيران لتشغيل المفاعل، ثم تتسلمه منها بعد ذلك لضمان أن لا تستخدمه طهران في نشاطات أخرى. غير ذلك ليس هناك مفاعل لليورانيوم منخفض التخصيب الذي تنتجه إيران حاليا.

وكانت مبادرة الاتحاد الأوروبي التي حملها سولانا إلى الإيرانيين في يونيو (حزيران) 2008 قد عرضت على إيران تكنولوجيا متقدمة لمفاعل يعمل بالمياه الخفيفة. كما تقول المبادرة إن دول خمسة زائد واحد ستساعد إيران على بناء كل المفاعلات النووية التي تريدها وتزودها بالوقود النووي مقابل أن توقف طهران التخصيب على أراضيها. وهو شيء غير نادر، فغالبية الدول النووية في العالم لا تقوم بنفسها بتخصيب اليورانيوم على أراضيها. وتقول شير في هذا الصدد: «أغلبية الدول في العالم التي لديها مفاعلات نووية سلمية لا تقوم بتخصيب اليورانيوم على أراضيها. هذا يشبه صناعة السيارات.. هل كل بيت يستخدم السيارة يقوم بتصنيعها بنفسه؟ لا.. تذهب وتشتري سيارة. فتخصيب اليورانيوم مكلف اقتصاديا جدا (تكلفة المفاعلات والتكنولوجيا والأمن المصاحب لكل هذا واليورانيوم وآلات الطرد المركزي). الأفضل أن تشتري اليورانيوم وتضعه في مفاعلاتك. فاليورانيوم المطلوب للمفاعلات المستخدمة في توليد الطاقة للاستخدام السلمي هو يورانيوم منخفض التخصيب. فلا حاجة ليورانيوم مرتفع التخصيب للاستخدام في المفاعلات السلمية، وبالتالي ليس هناك سوق دولي علني لليورانيوم مرتفع التخصيب، السوق الدولي القانوني هو لليورانيوم منخفض التخصيب. فهذا يمكن شراؤه من السوق الدولية. وغالبية الدول التي لديها مفاعلات نووية للاستخدام السلمي تقوم بشراء اليورانيوم منخفض التخصيب من دول أخرى. فنحو 36 دولة في العالم لديها مفاعلات نووية، بينما هناك نحو 5 دول فقط في العالم تقوم بإنتاج اليورانيوم المخصب وتصدره لباقي دول العالم، طبعا منها الدول الخمس التي تمتلك ترسانة نووية وهى أميركا والصين وروسيا، أما دول الاتحاد الأوروبي فقد أسست كونسورتيوم مشترك لإنتاج اليورانيوم اسمه (يورونكو)، وهو يضم دولا مثل هولندا وألمانيا وبريطانيا. لكن هناك مفاعلات نووية في كل مكان، السويد واليابان وكوريا الجنوبية، وهذه الدول لا تقوم بنفسها بتخصيب اليورانيوم على أراضيها بل تشتريه من السوق الدولي، وهو أرخص من أن تقوم بتصنيعه على أراضيك. ولأن الإيرانيين كانوا قلقين من أن يلجأ الغرب إلى التضييق عليها إذا اضطرت لشراء اليورانيوم من الدول الغربية، يضمن عرض 5 زائد واحد أن يتم منح إيران مخزونا من الوقود النووي لمدة تكفي لخمس سنوات، مع ضمانات أن لا يتم اخذ هذه الكمية من إيران. مجموعة 5 زائد واحد إذاً بذلت جهدا للرد على مصادر القلق الإيرانية». وبخلاف المعضلة النووية، تكمن صعوبة وأهمية فتح حوار بين أميركا وإيران في أنه لا يأتي من منطلق رغبة أميركية في التوصل لتسوية مع إيران بالذات بل في إطار رؤية لإدارة أوباما في التوصل لتسوية شاملة في كل قضايا منطقة الشرق الأوسط. ويوضح ديفيد آرون ميلر في هذا الصدد لـ«الشرق الأوسط»: «لأول مرة تنظر أميركا للشرق الأوسط في إطار عملية سلام متكاملة. ويمكننا رؤية المؤشرات في كل مكان. الخارجية الأميركية أرسلت مبعوثين إلى دمشق، وفود من الكونغرس زارت سورية. وهذا له دلالة لأن بين إيران وسورية علاقة استراتيجية منذ 30 عاما. الآن يرى الإيرانيون أن أميركا تتجه نحو سورية، ربما الآن لا يشعرون بالقلق، لكنهم سيشعرون بالقلق عندما يرون سفيرا أميركيا في دمشق. وسوف يرون هذا يحدث. هذه مسألة وقت. سيستنتج الإيرانيون أن أميركا أذكى، وقد تجبرهم على إعادة حساباتهم. بانفتاح أميركا على سورية وتصريحات سعود الفيصل حول جبهة عربية امام أنشطة إيران (ونظريا،مع أنه لن يحدث، إذا فتحت اميركا حوارا مع حماس على سبيل المثال أو انفتحت على حزب الله) سيجعل هذا الايرانيين قلقين وعصبيين جدا جدا.. في رأيي نحن نريد أن نجعل الإيرانيين قلقين وفي نفس الوقت نريد ان تكون لديهم ثقة في رغبتنا في الحوار. في رأيي لن يحدث اتفاق إسرائيلي ـ فلسطيني. لكن سيحدث اتفاق إسرائيلي ـ سوري وستتجه اميركا نحو هذا وتشجعه كما ستفتح حوارا مع إيران. هذه ستكون سياسة ذكية. هذه ليست مؤامرة، بل هى سياسة ذكية أو لعب أميركي ذكي، لأن أميركا الآن مقلوبة على رأسها. فنحن لا نحقق انتصارات. هناك تعبير اميركي عندما نكون في حفرة وهو: أول شيء تحتاجه عندما تقع في حفرة هو ان تتوقف عن الحفر. لأنه خلال الستة عشر عاما الماضية خلال بيل كلينتون وخلال جورج بوش فشلنا في المساعدة على تحقيق السلام بين العرب والإسرائيليين، وفشلنا في الحروب التي خضناها. وبدأت أسأل نفسي: هل ما زالت اميركا قوة عظمى؟ إجابة هذا السؤال في نهاية ولاية أوباما».