صحافية الأماكن الخطرة لـ«الشرق الأوسط»: الله هو الحارس

12 زيارة إلى كابل سجلت فيها حاجة لحبيب بالكاميرا معاناة المرأة الأفغانية

الصحافية البلجيكية حاجة لحبيب أمام تماثيل باميان («الشرق الأوسط»)
TT

شابة طموحة يدفعها الحماس إلى ملامح الناس المستغرقين في تفاصيل حياتهم اليومية، بلجيكية من أصل جزائري، تسعى إلى وضع بصمة لها في سجل المتميزين، معارضها الفنية لا تتوقف تعشق الأماكن الخطرة، ذهبت إلى أفغانستان أكثر من 12 مرة، وتجولت في بيشاور الحدودية والعمق الباكستاني، وغطت الانتفاضة الثانية، وسافرت إلى تشاد والهند عدة مرات، وتنقلت هنا وهناك، تضحك كثيرا عندما سألتها «الشرق الأوسط»، إن كانت تستخدم حراسا شخصيين لحمايتها خلال تجوالها بين الولايات الأفغانية في الشمال وفي الجنوب، حيث وجود عناصر الحركة الأصولية، وتقول: «يا أخي الله هو الحارس». وتؤكد الصحافية البلجيكية من أصل جزائري حاجة لحبيب، لـ«الشرق الأوسط» أنها ذهبت إلى أكثر من مكان خطر حول العالم بدون بوليصة تأمين على حياتها، وكان الصحافيون الأجانب يتندرون من حولها حول شجاعتها واتكالها على الله عز وجل، وتضيف أنها وقعت بوليصة تأمين مع الله عز وجل، لأنها مؤمنة به فهو حارسها وحاميها. إلا أنها تقول: إن «الأفغان بجميع أعراقهم يحترمون المرأة ويوفرون لها الحماية». وتضيف: «هناك كنت أغطي رأسي كنوع من التوافق مع التقاليد، ولم اشعر هناك بغربة أو خوف». وتشير إلى أنها خلال أكثر من 12 زيارة إلى أفغانستان، لم تتعرض إلى أي متاعب أو مشكلات، قبل السفر عندما تترك ولديها خيرت وصيام، كثيرا ما تفكر ماذا يحدث لهما، إذا قدر الله وأصابها مكروه، إلا أنها تقول: إنها مؤمنة بالقدر خيره وشره، وما هو مقدر لها سيحدث. وتشير إلى أنها في شهر سبتمبر الماضي كانت تقود سيارتها، وارتكبت حادثة سير بشعة على بعد 500 متر من منزلها، ودمرت سيارتها بالكامل، لكن الله نجاها وخرجت بدون خدوش. وحاجة ولدت في بروكسل، وهي الوحيدة ضمن إخوتها الخمسة (3 بنات وولدين) التي ارتبطت بالإعلام، وبقية إخوتها في مجال الكومبيوتر وإدارة الأعمال، وتشير إلى أنها لم تكن تعرف أن الإعلام هو مهنة المتاعب الحقيقية إلا بعد عملها في التلفزيون البلجيكي، وتشير إلى أن همها وحلمها الأول كان الكتابة بالفرنسية وهي لغتها الأم، إلى جانب الإنجليزية وقليل جدا من العربية. وتوضح أنها حلمت قبل الالتحاق بجامعة بروكسل لدراسة الإعلام بدراسة الطب، ولكن كانت تحلم بالعمل في المهنة الإنسانية في بلاد بعيدة نائية في أدغال أفريقيا أو في أواسط قارة آسيا. وارتبطت الفنانة حاجة لحبيب، خريجة الإعلام والاتصالات بجامعة بروكسل بالكاميرا، حتى قبل أن تتخرج، وباتت المرأة الأفغانية شغل حاجة الشاغل منذ أول زيارة لها إلى أفغانستان عام 2001، عقب سقوط حركة طالبان الأصولية نهاية 2001. وتعمل حاجة اليوم في محطة التلفزة البلجيكية «ار بي تي اف» الناطقة بالفرنسية، إحدى اللغتين الرسميتين في بلجيكا إلى جانب اللغة الفلامنية. وعرفت حاجة بتقديمها لبرامج وتحقيقات تلفزيونية تركز على موضوعات ساخنة تشغل بال المشاهد بغض النظر عن جنسيته، وهي في العقد الثالث ثمن عمرها معروفة بين زملائها في الوسط الإعلامي ببروكسل بأنها بلجيكية الطابع، مع الحفاظ على هويتها الجزائرية والإسلامية. ومن وجهة نظر البعض فهي غير حريصة على لقاءات الجالية العربية أو اللقاءات الرسمية، لأنها مشغولة كل الوقت بالتحضير لأعمالها الصحافية، التي تستغرق معظم وقتها، ويستلزم ذلك منها السفر إلى مناطق عديدة حول العالم. وتتحدث الفرنسية والإنجليزية بطلاقة، ولكن بشكل أفضل من العربية. ولعل الفرصة التي كانت تريدها قد تحققت في أكتوبر 2001، عندما أرسلتها التلفزة البلجيكية إلى الحدود ما بين باكستان وأفغانستان لأول مرة، لتغطية الحرب التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان، ضد حركة طالبان والقاعدة.

وظلت حاجة لحبيب، تعمل لعدة أسابيع في تغطية الحرب والعمليات العسكرية، حتى ديسمبر من العام نفسه. ولكن ظل الأمل يراودها في العودة مرة أخرى إلى أفغانستان، للقيام بعمل صحافي يتناول موضوعات مختلفة، وبالفعل حققت ذلك من خلال السفر أكثر من 12 مرة إلى أفغانستان، وقدمت عشرات التقارير حول إعادة إعمار أفغانستان، وإجراء انتخابات ديمقراطية وغير ذلك، وساعدها السفر المتكرر إلى أفغانستان في التعرف على اللغة، والعادات والتقاليد، التي يعيش عليها المواطن الأفغاني، ولفت نظرها وضعية المرأة في أفغانستان، وسبق أن اهتمت بملف المرأة وحقوق الإنسان في تقارير وبرامج وتحقيقات متلفزة، من أماكن مختلفة، مما جعلها تفكر في تقديم فيلم وثائقي، يحمل عنوان «أفغانستان، واختيار النساء»، وبالفعل أخرجت الفيلم في 2007، وشاركت حاجة بالفيلم في مهرجانات عدة على المستوى الأوروبي، لعل أبرزها مهرجان السينما الأوروبية العام الماضي، ويعرض الفيلم حاليا في الأسواق البلجيكية، وثمن النسخة 39 يورو، ومدة الفيلم 52 دقيقة، والنسخة الأصلية ناطقة باللغة الفارسية، ومترجم إلى الفرنسية، وقام بالتصوير البلجيكي لويس فيليب، والمونتاج مونيك ريسلينك.

ويتناول الفيلم مسيرة سيدتين من أفغانستان، واحدة تشغل منصبا حكوميا، وأخرى كانت تتولى قيادة جماعة مسلحة، والأولى تحمل لقب الوالي، والأخرى لقب الكومندانت، أما السيدة الأولى فهي حبيبة سرابي، حاكمة إقليم باميان الأفغاني، التي وصلت إلى منصبها، بعد أن اختارتها الحكومة الديمقراطية في البلاد، والثانية هي عائشة حبيبين، التي قادت جماعة مسلحة في فترة الغزو الروسي لأفغانستان، وبعدها وقفت في وجه طالبان والقاعدة.

وأسألها عن نصيحتها للصحافيين الذاهبين إلى أفغانستان فتقول: أن يكونوا طبيعيين وقريبين من الناس. وتقول حاجة ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط»: إنها خلال زيارتها إلى أفغانستان لا تسكن الفنادق أو المضايف، بل لديها هناك العشرات من الصديقات في كابل يستقبلنها على الرحب والسعة، ويعتبرن ذلك جزءا من كرم الضيافة الأفغانية. وتشير إلى أن حاكمة باميان المحافظة حبيبة سورابي، قدمت لها يد العون في كثير من المناسبات، وسهلت لها إجراء أكثر من لقاء صحافي. وتقول: إنها سمعت بيبي عائشة أميرة الحرب الأفغانية، وكان العامة يرددون اسمها على نحو الأسطورة، ولكنها تحرت الامر، وخلال أسبوعين جمعت مادة صحافية وذهبت في سيارة تاكسي إلى أقصى الشمال إلى ولاية بغلان على حدود قندز وبروان، وفتشت وبحثت عن أميرة الحرب الأفغانية، حيث التقتها في قريتها بين أبنائها وعشيرتها الأشداء. وعن انطباعها عن بيبي عائشة، تقول: «الملاحظ أنها سيدة مرهوبة الجانب، قوية الشكيمة، تأمر فتطاع على الفور». «الشرق الأوسط» تعرفت على حاجة للمرة الأولى من خلال معرضها الفني عن بيبي عائشة، أميرة الحرب الأفغانية، التي تسيطر على ولاية بغلان خلال سنوات القتال ضد الروس. وتقول حاجة الصحافية بالتلفزيون البلجيكي لـ«الشرق الأوسط»: «أردت تقديم شيء آخر مختلف عن أفغانستان، عما هو متعارف عليه من صورة امرأة بالبرقع التقليدي، وهو الموروث الذي يجذب العشرات من الصحافيين، أو موروث سنوات الجهاد الأفغاني». وتقول: إنها «أخرجت فيلما عنوانه «المرأة الأفغانية، الاختيار» عام 2006، وفاز بجائزة «الحلقة الذهبية»، ومدته ساعة كاملة. وتقول على الرغم من حصول المرأة الأفغانية على هامش الحرية كسرت بها بعضا من المحرمات التي كانت تلازم المجتمع الأفغاني إبان حكم حركة طالبان الأصولية، إلا أن المرأة هناك لا تزال مقيدة بالأعراف الاجتماعية، حيث لا تستطع النسوة إظهار وجوههن، فبقين خلف البرقع الأزرق الذي أصبح يرمز للشخصية الأنثوية، وأفغانستان عبارة عن مزيج من العرقيات تختلف عن بعضها بعضا من حيث اللغات واللباس والعادات والتقاليد، وتسعى المرأة الأفغانية منذ سقوط نظام طالبان من أجل دور أكبر في بناء المجتمع المدني والمشاركة السياسية. وتضيف أن «المشكلة في المناطق النائية هي أن المرأة الأفغانية لا تدرك أو لا تعرف عن حقوقها الأساسية أي شيء، وتقضي حياتها على النمط الاجتماعي القبلي الذي ورثته من أبويها، أي لا تخرج للحصول على التعليم، بحكم أنها ستكون ربة للبيت ولن تخرج للعمل، وإن كانت زوجة فإنها تكون محرومة من المبادئ الصحية الأساسية». وتوضح أنها «تميل إلى تصوير الناس، وتسجيل ثقافاتهم وتفاصيل يومياتهم في حياتهم الطبيعية وسلوكهم، وتسجيل حياة شخص وقصص بها إبعاد إنسانية، والصورة في العادة أقوى من الكلمة، وهذا هو دافعي إلى التصوير الصحافي». وتقول: «في العاصمة كابل والمدن المحيطة بها هناك يوميا العشرات من القصص والحكاوي التي لم تنقل بعد، وفي العادة كنت أريد الخروج من القصص النمطية المعتادة في الصحافة الغربية عن هذا البلد». وعن أصعب موقف تعرضت له الصحافية البلجيكية قالت لـ«الشرق الأوسط»: إنها أثناء تغطيتها لمظاهرة للأصوليين في بيشاور نهاية عام 2001 تندد بالغارات الأميركية على أفغانستان، دفعها أحد الجنود بعيدا فوجدت نفسها منفصلة وسط هدير البشر الذي يحرق الأعلام الأميركية بعيدا عن الطاقم الفني الذي يعمل معها من مصور ومخرج، وتقول: «شعرت أن حياتي قاربت على النهاية»، وجدت نفسي في شارع ضيق بملامحي الغربية وسط عيون كثيرة غاضبة، حاولت الإفلات ولكنهم أحاطوا بي من كل مكان، كان من الممكن أن يحدث لي أي شيء، ولكن شابا باكستانيا صغيرا بإنجليزية مكسورة اندفع لحمايتي من الجموع الغاضبة، ونادي على أصدقائه الذين شكلوا حلقة لحمايتي وأخرجوني إلى الشارع العمومي، وقال لي عبارة ما زالت ترن في أذني، «أصابعك ليست مثل بعضها». وعن أسعد موقف قابلها في خلال مسيرة مهنتها تقول حاجة: «التقدير والثناء الذي لاقته في زيارتها الأخيرة إلى أفغانستان منذ أسبوعين كان لا يوصف عند عرض فيلمها «أفغانستان المرأة، الاختيار»، وتضيف «شعرت بالراحة والسعادة وأنا أنظر إلى عيون المسؤولين الأفغان وكذلك الناس البسطاء بعد عرض الفيلم، أحسست أن الله وفقني في تسليط الضوء على معاناة المرأة الأفغانية، التي أتمنى لها أن تحقق كافة طموحاتها في التعليم وانخراطها في المجتمع».