«تكية أبو الدهب».. تتجمل بحلة جديدة في القاهرة التاريخية

أنشأها صاحبها لمساعدة الأزهر في تدريس الطلاب

يختلف تصميم التكية المعماري عن عمارة الخانقاة بالرغم من اقتباس عمارة التكايا من العمارة المملوكية عموما («الشرق الأوسط»)
TT

تعد تكية أبو الدهب في القاهرة التاريخية، ثاني أهم مجموعة أثرية تجسد روعة العصر الإسلامي بعد مجموعة الغوري، وتتميز بتكاملها ما بين جامع وتكية، حتى أصبحت من أهم التكايا في ذلك العصر.

تتمتع تكية أبو الدهب بموقع فريد في منطقة الأزهر، فهي تطل على جامع الأزهر من واجهته الجنوبية الشرقية، وعلى شارع الإمام محمد عبده من واجهته الجنوبية الغربية، كما تتقاطع مع شارع الأزهر، وبالقرب منها يوجد خان الزراكشة.

وتضم التكية سبيلا وكُتابا وحوضا كان يستخدم في السابق للدواب وبها مسجد مكون من ثلاثة طوابق أنشئ للمتصوفين آنذاك، بالإضافة إلي حوض وسبيل ملحقين بالمسجد من الناحية الجنوبية، فيما يطل الحوض والسبيل بواجهتهما الرئيسية علي شارع الإمام محمد عبده بالأزهر تجاه سوق التبليطة. ويعد مسجد أبو الدهب بالتكية رابع مسجد بمصر وضع تصميمه على طراز الجوامع العثمانية، وهو مغطى بقبة مركزية تتبع النمط السلجوقي وله مئذنة مصرية الطراز مكونة من ثلاثة طوابق.

ومعماريا تختلف تكية أبو الدهب عن التخطيط المألوف للتكايا، حيث تتكون من صحن أوسط مكشوف، به حديقة ونافورة‏،‏ وحول الصحن قاعات على مدار ثلاثة طوابق، وبأسفل هذه الطوابق ميضأة عظيمة تمتلئ بالماء من نافورة تستمد ماءها من بئر حفرها أبو الدهب، وتتميز هذه البئر بمذاق عذب على عكس باقي الآبار الأثرية التي غالبا ما يخرج ماؤها بنسب ملوحة عالية‏.‏ وكما هو معروف فإن محمد بك أبو الدهب أحد أمراء مصر وولاتها، هو من شيد التكية عام 1187هـ لتكون مدرسة تساعد الأزهر في رسالته العلمية، وكان مملوكا اشتراه علي بك الكبير عام‏(1175‏ هـ ـ‏1761‏ م‏)‏ ومنحه لقب أمير عام‏1178‏ هـ وسمي «أبو الدهب» لحبه الشديد للذهب الذي كان يوزعه على الفقراء‏.‏ مرت التكية بمشروع ترميم متكامل استهدف صيانتها وتطويرها، على مدى ستة أعوام، بكلفة بلغت عشرين مليون جنيه. وشملت أعمال الترميم الدقيقة الآثار المكونة للمجموعة، وإنشاء وحدات إضاءة على هيئة مشكاوات تلائم العصر العثماني مأخوذة من النموذج الموجود بمسجد محمد علي بالقلعة، كما تمت إزالة التعديات والإشغالات والحوائط والمحلات الملاصقة، واستعادة الجزء السفلي للمسجد من دون أية إضافات، بالإضافة إلى فك الأرضية وإعادة تركيبها وتنظيف الحوائط من التراكمات ومعالجة زخارف القبة وإظهارها.

كما شملت أعمال الترميم استكمال الأجزاء المفقودة من شبابيك المسجد على نفس النمط الأثري القديم، إلى جانب معالجة الشروخ الموجودة بالقباب الضحلة من دون اللجوء لأدوات الطلاء الحديثة، وترميم وتثبيت الأشكال الهندسية بالأرضية الرخامية وإعادة بناء الدرابزين، أو السور المحيط بالمئذنة وشرفتها على نفس نمط السور المحيط بالمسجد. وكما هو معروف فإن التكية تعد أحد نماذج العمارة الخيرية والدينية المهمة التي انتشرت في العصر العثماني بالرغم من كونها تجمع طرزا مملوكية نادرة، وتعد واحدة من أهم الملامح التي انتشرت في العصر العثماني التي تمزج الروحانيات بالعمارة التاريخية. كما تشكل تحولا من نظام «الخانقاوات» الذي كان سائدا في العصر المملوكي، وذلك لإيواء العاطلين من العثمانيين المهاجرين من الدولة العثمانية الأم والنازحين إلى الولايات الغنية مثل مصر والشام، وتم الوقف عليها حيث تم صرف الرواتب والأجور للمقيمين فيها ولذا سمي محل إقامة المتصوفة والتنابلة تكية. وإن كانت هذه التكايا تتشابه مع الخانقاوات من حيث الوظيفة كمبنى تقام به حلقات الدروس للمتصوفين بينما تكون الدراسة في الخانقاة إجبارية، ومن ثم يتولى مشيختها كبار العلماء والفقهاء وتمنح الدارسين بها إجازات علمية، أما التكية فلا التزام على المقيمين بها، فلا تقوم فيها فصول للدراسة المنتظمة، وإن كان الأمر لا يخلو من عقد محاضرات للوعظ والإرشاد تنعقد بها حلقات الذكر.

لكن مع مرور الوقت أخذت التكايا تؤدي الوظيفة نفسها التي كانت تقوم بها الخانقاوات، أي أنها خاصة بإقامة المنقطعين للعبادة من المتصوفة، كما أنها قامت خلال العصر العثماني بدور آخر وهو تطبيب المرضى وعلاجهم وهو الدور الذي كانت تقوم به «البيمارستانات» في العصر الأيوبي والمملوكي، إلا أنه مع بداية العصر العثماني أهمل أمر «البيمارستانات» وأضيفت مهمتها إلى التكايا.

ويختلف تصميم التكية المعماري عن عمارة الخانقاة بالرغم من اقتباس عمارة التكايا من العمارة المملوكية عموما، وبينما يحتوى الاثنان على صحن فناء مكشوف، إلا أن الخانقاة عبارة عن صحن مكشوف تحيط به إيوانات متعامدة تستخدم لعقد حلقات الدراسة، وهذه الإيوانات تتعامد على الصحن المربع، وفى أركان هذا المربع توجد خلاوي الصوفية، أي الأماكن أو الحجرات السكنية الخاصة بهم.

وبالرغم من أن التكية ليس بها مئذنة أو منبر، فإنه يوجد بها جهة القبلة حجرة صغيرة بها محراب لإقامة الصلوات، ولاجتماع الدراويش في حلقات لذكر الله.