بداية مبشرة للفن السعودي في مزاد كريستيز في دبي

حقق مبيعات تعدت 4 ملايين دولار وأعاد الانتعاش لسوق الفنون في المنطقة

زائر يتأمل لوحة أحمد ماطر «إضاءات»
TT

مزاد «كريستيز» للفن الحديث والمعاصر، الذي أقيم في دبي، سجل مبيعات عالية بددت التكهنات حول تأثير الأزمة الاقتصادية على مقتني اللوحات وإحجامهم عن الإنفاق والاستثمار في هذا المجال. المزاد الذي ضم مجموعة كبيرة من الأعمال الإيرانية والتركية، والذي اختتم أول من أمس، ضم أيضا عددا كبيرا من اللوحات من العالم العربي، وقدم أيضا لوحات لستة فنانين سعوديين للمرة الأولى، وسجل حضورا جماهيريا عاليا.

تولى يوسي بيلكانان رئيس دار «كريستيز» لأوروبا والشرق الأوسط إدارة المزاد، واستطاع إضفاء جو من المرح مزجه بدعابات لتسخين حمية المشترين في القاعة.

تجاوزت أسعار بعض الأعمال التي عرضت حاجز المائة ألف دولار. وبالنسبة للأعمال الفنية السعودية، فقد أثارت اهتماما واضحا من الدار التي وضعت الأعمال الستة، وهي للمصورة ريم الفيصل والفنانة لولوة الحمود ومهدي الجريبي وأحمد ماطر وعبد الناصر الغانم، في ركن بارز من صالة العرض حمل اسم السعودية. وحضر المزاد الفنان أحمد ماطر والفنان عبد الناصر الغارم وعدد كبير من المهتمين بالفن السعودي. حققت لوحة الفنان أيمن يسري والمعنونة «محارم» مبلغ 25 ألف دولار أميركي، بينما حصدت لوحة الفنان أحمد ماطر مبلغ 20 ألف دولار أميركي، كما بيعت بقية اللوحات بمبالغ تجاوزت 7 آلاف دولار لكل منها.

وعلق الفنان أحمد ماطر على النتيجة قائلا: «أنا سعيد جدا بالنتائج لي و لزملائي، وعلينا الآن أن نجود من عملنا، وأن نتقدم». أما الفنان عبد الناصر الغارم، فأكد أن النتائج جيدة وأنه مستعد للمزاد القادم الذي سيعرض عملا له في نهاية العام الحالي والذي سيقام في لندن.

و يرى مايكل جاها، مدير دار «كريستيز» في الشرق الأوسط، أن الأعمال السعودية حققت نجاحا واضحا واستقطبت الاهتمام من جمهور المزايدين وهو شيء يحسب لها، خاصة أن الأعمال السعودية جديدة على ساحة المزادات العالمية. قبل المزاد تحدث يوسي بيلكانان لـ«الشرق الأوسط» حول إقامة المزاد الذي ركز على فنانين من المنطقة وقل فيه عدد الأعمال العالمية، على عكس المزادات السابقة، وأضاف: «عندما قررنا إقامة مركز لنا في منطقة الخليج، كانت لدينا فكرة عن المناخ الفني هنا، وكانت لدينا قناعة بأن الأعمال الفنية هنا ذات مستوى جيد، ولهذا قررنا أن نوفر منصة لإطلاق تلك الأعمال. ولهذا توجهنا للمنطقة للبحث عن الأعمال التي تهم جامعي التحف في منطقة الشرق الأوسط، وكان لا بد من زيارة دول المنطقة ومحاولة التعرف على فنونها. ومنا من انتقل إلى المنطقة للعيش فيها حتى يكون أقرب لفهم ما يدور فيها.

وحول إضافة أعمال لعدة فنانين من السعودية للمرة الأولى قال بيلكانان: «في محاولة لتوسيع أفق مزاداتنا، عمدنا إلى إضافة أعمال من بلدان جديدة في كل مرة، فأضفنا تركيا، ثم أعمال من شمال أفريقيا في المزاد الأخير، والآن نقدم أعمالا من السعودية».

ويرى بيلكانان أن رد الفعل حول وجود مجموعة من الأعمال الفنية السعودية في المزاد كان قويا ومشجعا، وأن الاختيار تم عبر توصيات قدمها سماسرة فنون ومقتنون لهم تعامل مع الوسط الفني السعودي، والبعض الآخر تم اختياره عبر مشاركات في المعارض الدولية خاصة معرض «حافة الصحراء» الذي أقيم في لندن العام الماضي. ويليام لوري خبير فنون الشرق الأوسط والفنون الإسلامية لدى «كريستيز» قال في حديث معه: «عندما زرت معرض حافة الصحراء في لندن شعرت بالدهشة والانبهار لرؤية الأعمال الفنية السعودية ذات المستوى الفني العالي. وتحدثت إلى زبائن الدار ومستشارينا للحصول على نصيحة حول الأعمال السعودية التي تمثل البداية لعرض الأعمال بشكل واسع في مزادات «كريستيز». أعتقد أن من المثير هنا أن الفنانين الستة يقدمون أعمالا من واقع حياتهم وعملهم، وهو ما يجعل تلك الأعمال عالمية أيضا. فهم يستخدمون مواد مختلفة للتعبير عن فنهم، فأحمد ماطر على سبيل المثال يستخدم الأشعات الطبية كمادة للتعبير عن مكنون الإنسان وهويته المجردة من المظاهر، ومهدي الجريبي يستخدم طاولات خشبية عليها توقيعات تلاميذ جلسوا عليها وأمضوا أياما يكتبون ويرسمون ويحلمون. عبد الناصر الغارم مثال آخر لفنان سعودي يستخدم مفردات من حياته اليومية مثل الأختام التي تكون منظومة تتبلور في حاجز خراساني مهمته الأولى هي الحماية، وإن كان الفنان يتحدى مفهوم الحماية الذي يعتمد على الحواجز الخراسانية». وهنا أشار بيلكانان إلى لوحة الفنان أيمن يسري «محارم»، قائلا: «هذا العمل يشرح لي الكثير عن المنطقة وعن السينما والفن المعاصر، باختصار هذا عمل متميز أتمنى أنا شخصيا حيازته».

وبالعودة إلى نتائج المزاد، فقد حققت منحوتة النص والجدار للفنان الإيراني برويز تانافولي أعلى رقم في مبيعات المزاد، إذ حصدت بعد مزايدة حامية مبلغ 215.500 ألف دولار، تلتها لوحة للفنان حسين زندرودي بيعت بمبلغ 206.500 ألف دولار. وحققت لوحات الفنان الإيراني محمد احساي، والتي تستخدم مفردات الخط العربي في تشكيلات جمالية بديعة، أرقاما عالية مثل لوحة «باقة أزهار» التي حصدت 104 آلاف دولار، و لوحة «من دون عنوان» 152 ألف دولار. قدم المزاد أيضا مجموعة قوية من الأعمال المصرية ضمت أعمالا لكبار الفنانين المصرين من الرواد مثل تمثال بعنوان «على حافة نهر النيل» للنحّات المصري محمود مختار (1891 ـ 1934)، أحد الفنانين الرواد القلائل في فن النحت، والذي حقق رقما عاليا لدى بيعه (104.500 دولار). كما ضمت المجموعة أيضا لوحة للفنان محمود سعيد تعود إلى عام 1922 وبيعت بمبلغ تعدى 30 ألف دولار، وعدد من اللوحات للفنان حامد ندا وتحية حليم وسيف واتلي وجاذبية سري. إلى جانب مصر هناك أعمال من سورية للشهير فاتح مدرس، والذي حقق مبيعات عالية كما كان متوقعا.

ولعل سببا من أسباب نجاح المزاد هو قيام الدار بالتركيز على الأعمال التي تنتمي إلى المنطقة. ويرى بيلكانان أن المزاد «صمم ليناسب الذائقة الفنية في المنطقة» وهو ما يفسر اختفاء أعمال الفنانين الأوروبيين التي ظهرت في مزادات «كريستيز» السابقة في دبي. ويضيف مفسرا: «السوق في المنطقة حديثة جدا، ويعرف المهتمون أنهم يستطيعون شراء أعمال آندي وارهول على سبيل المثال من أوروبا أو أميركا، فنحن نحضر الأعمال العالمية هنا فقط كنموذج، وهنا يجب أن أؤكد أننا حين نعرض أعمالا لفنانين غربيين في الشرق الأوسط، فإننا نعمل على أن تتفاعل تلك الأعمال مع الذائقة الفنية في المنطقة»، وهو ما أكده مايكل جاها، حيث علق بعد انتهاء المزاد بأن المزاد قد نجح في إنعاش سوق الفنون في الشرق الأوسط، وهو ما يدعم توجه الدار لبيع أعمال تقع في هذه الدائرة واهتمام جمهورها الذي ينجذب إلى أعمال فنية من البلدان العربية والمجاورة.