العيص.. خالية من السكان

ودعوا بيوتهم وأقاربهم بحزن بالغ وخرجوا وتفرقوا بين ينبع والمدينة

مركز العيص وقد خلا من السكان («الشرق الأوسط»)
TT

على غير عادة، خلت منطقة العيص جنوب المدينة المنورة من ساكنيها الذين خرجوا بعد الهزات الزلزالية الأخيرة، التي تزايدت اليومين الماضيين، ووصلت تردداتها حتى المدينة المنورة وأملج شمالا وينبع جنوبا.

وبحزن بالغ، خرج الأهالي مكرهين من بيوتهم، وتفرقت الأسر والعوائل التي ظلت عقودا مجتمعة على قلب واحد، بعد تدخل الدفاع المدني لإخلائهم تحسبا لأي هزة أرضية كبيرة أو ثورة بركانية، حيث يعلق على ذلك معتق البطيحان السناني احد سكان العيص الذي يسكن هو وأفراد عائلته الـ 17 وأقاربه، ويقول «نعيش في الخيام أساسا نظرا لظروفنا الصعبة، وهذه الأحداث زادت من صعوبة الحياة أكثر، مما اضطررنا للخروج من العيص إلى المدينة المنورة وينبع، حيث تفرق شمل العائلة والأقارب».

ويستطرد، «في حياتنا العادية اليومية، اضطررنا لأن ننتقل إلى قرية المرامية، التي تبعد 45 كيلومترا عن موقعنا لوجود المدارس الثانوية لأبنائنا، ولأن أقرب موقع قرية البديع، حيث يتجه أبناؤنا الـ 15 في سيارة واحدة ساعتين ذهابا وساعتين عودة».

ويتابع «الخروج من منطقتنا التي عشنا فيها صعب ومؤلم، لكنه الخيار الوحيد في ظل هذه الظروف، فالأرض عزيزة على ساكنيها، ومهما كانت الظروف والحياة صعبة إلا إنها تجمعنا كأسرة وأقارب في مكان واحد، وهذه الأحداث أجبرتنا على أن نتفرق رغماً عنا».

وبأمل يقول، «نترقب أن تزول هذه الغمّة والأحداث، ونعود لجمع شتات عائلاتنا الذي تفرق، بين الشقق والفنادق ومركز الإيواء وبيوت الأصدقاء في المدن الأخرى».

ورغم ان الغالبية العظمى رحلت من مدينة العيص إلا أن قلة قليلة تعد على اصابع اليد ظلت باقية، خاصة العمالة الموجودة هناك، مؤكدين أنهم يستطيعون الخروج في أي وقت متى ما استدعى الأمر ذلك، وهو ما يوضحه صلاح إدريس من الجنسية الأفريقية الذي يعمل في محل أدوات سباكة في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، قائلا «لا يستدعي الوضع الحالي خروجي من العيص، فالسيارات متوفرة ولو أحسسنا بأي خطر نستطيع أن نخرج أنفسنا منه».

مضيفا، «نلتمس العذر لخروج إخواننا السعوديين من مدينة العيص والقرى التابعة لها لسبب واحد، أن لديهم أطفالا ونساء يخافون عليهم ويخشون عند حدث شيء ألا يستطيعوا المغادرة».

ويقدر صلاح الدور الذي تقدمه جهات حكومية من إيواء حتى للأجانب من العائلات والأفراد ويقول، «أستطيع أن احصل على ايواء في ينبع أو المدينة وقد بلغنا بذلك، لكن أنا ومن معي راضون بالوضع الحالي أمام محلاتنا». لكنه يستطرد «قد نغادر ليس خوفا من الزلزال أو غيره الآن، لكن بعد أن توقفت الأمور الاقتصادية والحياتية بعد مغادرة الناس، أغلقت جميع المحلات ابوابها بعد عمليات الإجلاء التي بدأت أمس الأول».

عبد الله صالح الجهني موظف حكومي متقاعد من أهل العيص هو الآخر لم يغادر، وهو مع القلة التي بقيت يقول، متحدثا لـ«الشرق الأوسط» التي كانت موجودة في العيص، «إن السبب الذي دعا لعدم خروجي من العيص هو أنها ديرتي، وأحرس عمارتي التي أبنيها وأساعد العمال في البناء وتلبية طلباتهم، فأنا اجلس في العيص لوحدي بعد أن قمت بترحيل عائلتي ووالدي المسن إلى المدينة المنورة برفقة أخي الصغير».

وتقع العيص شمال غربي محافظة ينبع وتبعد عن ينبع 150 كيلومترا بطريق معبد، وتقع إلى الغرب من العيص مدينة أملج يربطها طريق معبد بطول 100كم، وتقع المدينة المنورة شرقي العيص يربطهما طريق معبد بطول 250 كم، حيث تقدر مساحة العيص بنحو 20 ألف كيلومتر مربع.

يقدر عدد القرى والهجر التابعة لمركز العيص نحو 50 قرية وهجرة، ويبلغ عدد السكان فيها نحو 45 ألفا، وتحتضن نحو 33 مدرسة بنين و34 مدرسة بنات، ويبلغ عدد الطلاب البنين في مدارسها نحو 5 آلاف طالب.

الى ذلك عاد العقيد على عطا الله العتيبي مدير إدارة الدفاع المدني في المدينة المنورة ليؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «طاقة ايوائية تتوفر تتسع لـ370 ألف شخص في فنادق وشقق المدينة المنورة ومراكز الإيواء».

وفي السياق نفسه اطمأن الأمير فهد بن سلطان بن عبد العزيز أمير منطقة تبوك خلال وقوفه البارحة الأولى على الوضع الذي يعيشه أهالي محافظة أملج وعدد من الهجر التابعة لها جراء الهزات الأرضية التي وقعت مؤخرا على سلامة سكان المحافظة والترتيبات الخاصة بالطوارئ لمواجهة أي ظروف قد تحدث لا سمح الله.

وتفقد أمير تبوك مواقع الإيواء التي جهزت كمرحلة أولى في عملية الطوارئ والإخلاء بشكل سريع، تأتي بعدها مرحلة تأمين أماكن لائقة وكريمة وتوفير سكن مناسب للمواطنين في الفنادق والشقق المفروشة كمرحلة ثانية.

وأكد الأمير فهد بن سلطان خلال لقائه عددا من المواطنين في مواقع الإيواء حرص الدولة على تقديم كافة المساعدات في هذه المواقع بما يتلاءم مع الحياة المعيشية الكريمة للمواطن.

واطلع خلال جولته التفقدية في محافظة أملج التي شملت الأحياء السكنية والأسواق على تقارير ميدانية عن وضع أهالي، حيث أكد عقب الجولة «أن إمارة المنطقة لم تتبلغ حتى هذه اللحظة عن أي إصابات أو خطورة على المواطنين والمقيمين في المحافظة من جراء الهزات الأرضية».

وأضاف، «إن ولاة الأمر وجهوا بنقل أي مواطن وأسرته من سكنه إذا كان آيلا للسقوط أو غير مناسب للسكن، إلى سكن آخر سواء في عمائر سكنية أو شقق مفروشة أو فنادق في املج أو الوجه، وحتى في تبوك، المهم أن تعيش الأسرة في راحة وطمأنينة وهذا هو المطلوب».

وتابع، «الدولة تعمل على مساعدة جميع دول العالم، وما يقدم لأهالي المحافظة ليست مساعدات، بل واجب نقوم به لأبناء بلادنا المقيمين على هذه الأرض، بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين وولي العهد والنائب الثاني».

وبين أمير تبوك «أن التقارير التي اطلع عليها من رؤساء المراكز التابعة للمحافظة تؤكد سلامة الجميع، داعيا المواطنين والمقيمين إلى اتخاذ الحيطة والحذر، وعدم الهلع والخوف والتصرف بشكل طبيعي، مؤكدا «أن الحياة في المحافظة تسير بشكل طبيعي، ولا يوجد ما يعكر صفوها بين المواطنين والمقيمين داخل المحافظة والمراكز التابعة لها».