النفط يرتفع متجاوزا 61 دولارا للبرميل وسط توقعات بانتعاش قريب للاقتصاد العالمي

منظمة «التعاون الاقتصادي والتنمية» أكدت أن الانكماش في الناتج العالمي يتراجع

انتعش سعر النفط من أدنى مستوياته في خمس سنوات في نهاية العام لماضي ليسجل هذا الأسبوع أعلى مستوياته في ستة أشهر
TT

ارتفع سعر النفط متجاوزا 61 دولارا للبرميل أمس مدعوما بعوامل أساسية تتعلق بالعرض والطلب في الصين والولايات المتحدة ونيجيريا، فضلا عن المزيد من الدلائل على قدرة الاقتصاد العالمي على تحمل الأزمة. وارتفع سعر الخام الأميركي في العقود الآجلة 52 سنتا إلى 61.57 دولار للبرميل. وكان قد سجل أعلى مستوياته في ستة أشهر عند 62.26 دولار هذا الأسبوع. وارتفع سعر مزيج برنت خام القياس الأوروبي 52 سنتا إلى 60.55 دولار للبرميل. وانتعش سعر النفط من أدنى مستوياته في خمس سنوات دون 33 دولارا للبرميل في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بعد انخفاضه من أعلى مستوياته فوق 147 دولارا للبرميل في يوليو (تموز) الماضي. وقال بنك «غولدمان ساكس» في مذكرة بحثية: «صُدمت سوق النفط بتعطل الإنتاج في نيجيريا ومشكلات في مصافٍ أميركية وقوة سوق البنزين». وأضاف أن حرائق مصافٍ في الولايات المتحدة أكبر مستهلك للطاقة في العالم أثرت كذلك على الأسواق. وجاء دعم كذلك من الصين ثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم. فأظهرت بيانات أمس أن الطلب الضمني على النفط في الصين ارتفع بنسبة 3.9 في المائة في أبريل (نيسان) عن مستواه قبل عام، وهو أول ارتفاع كبير منذ أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي. ويترقب المستثمرون اجتماع منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) الأسبوع المقبل لمراجعة مستويات الإنتاج. ومن المتوقع أن تبقي «أوبك» على مستويات إنتاجها الرسمية دون تغيير مع ارتفاع الأسعار الذي حد من الضغوط على الميزانيات، ومع ظهور دلائل على انتعاش اقتصادي في العام المقبل. وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أمس إن الانكماش في ناتج الاقتصاد العالمي يتراجع فيما يبدو وأن الانتعاش قد يبدأ في أواخر هذا العام. يتوقع أن لا يُدخِل وزراء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) أي تغيير على المستويات المستهدفة للإنتاج في اجتماعهم الأسبوع القادم في فيينا، في الوقت الذي قلص فيه ارتفاع الأسعار مخاوفهم بشأن تزايد مخزونات الوقود وانخفاض الطلب إلى أدنى مستوياته منذ سنوات. وارتفع النفط إلى أعلى مستوى في ستة أشهر هذا الأسبوع متجاوزا 60 دولارا للبرميل تعادل نحو مثلي مستواه المنخفض الذي بلغه في ديسمبر. وبحسب «رويترز» قال مصدر خليجي رفيع المستوى إن المنظمة ستبقي على المستويات المستهدفة الراهنة، لكن ستؤكد على ضرورة الالتزام الكامل بها. وأضاف المندوب الخليجي: «من غير المرجح أن تغير (أوبك) سقف إنتاجها. سيبقونه على ما هو عليه». وخلال الاجتماع السابق لـ«أوبك» في مارس (آذار) كانت أسعار النفط دون 50 دولارا للبرميل، لكن المنظمة اكتفت بالدعوة إلى تعزيز الامتثال لقيود الإمدادات الحالية بدلا من القيام بتخفيضات جديدة. ويقول المنتجون إنه ينبغي أن لا يقل السعر عن 75 دولارا للبرميل لتشجيع الاستثمار في طاقة إنتاج جديدة في المدى البعيد، غير أن مصدر قلقهم الرئيسي حاليا هو الاقتصاد العالمي. وتريد الدول الخليجية الرئيسية المنتجة الأعضاء في «أوبك» أن تستند أي زيادة مستقبلية في الأسعار إلى نمو مستمر في الطلب يحركه نمو اقتصادي، لا إلى خفض قصير الأجل في الإمدادات ترتبه «أوبك». وقال ديفيد كيرش مدير خدمات معلومات السوق لدى مؤسسة «بي إف سي إنيرجي» في واشنطن: «يرى البعض في (أوبك) أن ارتفاع الأسعار كثيرا عما هي عليه يمثل تهديدا للتعافي الاقتصادي. سيبدو وضعهم سيئا إذا تضرر الانتعاش الاقتصادي». ويرغب أعضاء أساسيون في المنظمة حقا رؤية انتعاش اقتصادي يسمح بدوره بتحسين الطلب ويرفع السعر. وقال سداد الحسيني المسؤول الكبير السابق بشركة النفط السعودية العملاقة «أرامكو» إن الاقتصاد وتحسن العلاقات بين «أوبك» والولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لا يزالان عاملين حاسمين. وأضاف: «لن تسعى (أوبك) للإضرار بتلك (العلاقات)، وبالاقتصاد العالمي، بخفض الإمدادات». وتبنّى مندوبون لدى «أوبك» تحدثوا شريطة عدم الكشف عن أسمائهم وجهة نظر مشابهة. وقال أحدهم: «أعتقد أن لا أحد يتحدث عن خفض الإمدادات في ظل المستوى السعري الحالي. ما دامت الأسعار عند أو فوق 55 دولارا، فلا أعتقد أنهم سيتحركون». لكنه شدد على الحاجة إلى الالتزام. ورغم أن مستوى الالتزام لا يزال قريبا من مستويات قياسية قدرت بعض المصادر أنه تراجع دون 80 بالمائة. وقدر أحدث تقرير لـ«أوبك» مستوى الالتزام بالتخفيضات عند 77 بالمائة. وعدلت «أوبك» المستويات المستهدفة للإمدادات في ديسمبر (كانون الأول) عندما خفضتها بمقدار قياسي بلغ 2.2 مليون برميل يوميا، فيما كانت تسارع لمجاراة الانخفاض في الطلب على الوقود بسبب الركود الاقتصادي. وبعد اجتماع المنظمة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بالجزائر هوى سعر النفط إلى 32.40 دولار مسجلا أدنى مستوى له منذ مطلع 2004. وبشكل إجمالي تعهدت «أوبك» التي تمد العالم بنحو ثلث احتياجاته من النفط بخفض الإمدادات بواقع 4.2 مليون برميل يوميا ـ تعادل نحو خمسة بالمائة من الإمدادات العالمية ـ عن مستوياتها في سبتمبر (أيلول). ويرغب بعض أعضاء «أوبك» مثل إيران وفنزويلا في أسعار أعلى لإحداث توازن بميزانياتها. وقال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي يخوض انتخابات في يونيو (حزيران) إن سعرا بين 80 و90 دولارا للبرميل يعد مناسبا بالنظر إلى «الظروف العالمية الحالية وتقلب أسعار الصرف».

وتشير تقديرات بشأن الإنتاج إلى أن الدول التي تريد أسعارا أعلى هي التي تنتج أكثر من المستهدف، فيما تحاول زيادة إيراداتها من صادرات الخام إلى أقصى حد ممكن، وهو ما يترك دولا أخرى تتحمل عبء قيود الإمدادات لدعم الأسعار. وشككت فنزويلا وإيران وأنجولا التي تتولى الرئاسة الدورية لـ«أوبك» حاليا في شرعية قيود الإمدادات عليها. ولدى فنزويلا مثل إيران خطط إنفاق اجتماعي كبيرة في حين تواجه أنجولا قضية تردد الشركات الأجنبية في خفض الإنتاج من حقول بحرية مكلفة علاوة على تحديات اقتصادية أخرى. وقال الحسيني إنه رغم ذلك لا يزال أعضاء «أوبك» يرغبون في تجنب الخوض في جدل بشأن كيفية توزيع الإنتاج فيما بينهم. وأضاف: «من الصعب للغاية محاولة إعادة توزيع الحصص، والوقت الحالي ليس مناسبا لعمل ذلك». ويتوقع أن يكون الأمر أسهل بالنسبة إلى «أوبك» للتوصل إلى توافق بشرط بقاء أسعار النفط مرتفعة، لكن بعض المحللين يقولون إن الصعود هش. ومنذ اجتماع مارس عدلت جهات رائدة في مجال التوقعات تكهناتها بشأن الطلب على الوقود، ومن أبرزها وكالة الطاقة الدولية التي تقول إنها تتوقع انخفاض الطلب بواقع 2.56 مليون برميل يوميا هذا العام. وسيكون مثل هذا التراجع أكبر انخفاض سنوي منذ 1981. ويتوقع خبراء «أوبك» انخفاضا أقل، ولكنه ملموس أيضا إذ يبلغ حجمه 1.57 مليون برميل يوميا.

في الوقت نفسه ارتفعت المخزونات إلى ما يغطي إمدادات 62.4 يوم وهي أعلى مخزونات منذ عام 1993، بحسب وكالة الطاقة الدولية، وأعلى بنحو عشرة أيام من المستوى الذي تعتبره «أوبك» مريحا.

وعلى صعيد متصل أعلنت الأمانة العامة لمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) بفيينا أمس أن سعر سلة خامات المنظمة استقر على 58.32 دولار للبرميل أول من أمس الخميس بعد أن ارتفع بشكل حاد في وقت سابق من هذا الأسبوع.

وتراجع سعر برميل خام نفط «أوبك» (159 لترا) في جلسة الأمس 15 سنتا أميركيا. وكان قد ارتفع في جلستَي التداول السابقتين بمقدار 2.61 دولار.

وتنتج 12 دولة عضوا في «أوبك» أكثر من ثلث الإنتاج العالمي من النفط.