الراجحي لـ «الشرق الأوسط» : نسعى إلى توفير 10% من احتياجات السعودية عبر استثماراتنا الزراعية

أكد أن مجموعته تتفاوض مع أستراليا وتنزانيا بعد استثمارها 400 مليون دولار في مصر والسودان

محمد سليمان الراجحي
TT

كشف الدكتور محمد سليمان الراجحي رئيس مجلس إدارة شركة الراجحي الدولية للاستثمار عن وجود مفاوضات لشركته للاستثمار في أستراليا وتنزانيا بالقطاع الزراعي، وذلك بعد أن دخلت الشركة باستثمارات تصل إلى 400 مليون دولار في مصر والسودان، وذلك تنفيذا للمبادرة التي دعت إليها الحكومة السعودية. وأكد في حوار أجرته «الشرق الأوسط» معه في الرياض أن مجموعته تسعى إلى توفير أكثر من 10 في المائة من احتياجات المملكة من خلال تلك الاستثمارات خلال الفترة المقبلة، مشيرا إلى أن الدول بدأت تقدم مميزات للمستثمر السعودي، في الوقت الذي وصلت فيه الشركات الزراعية بالمملكة إلى العالمية من خلال أساليب التعامل مع القطاع، وكشف عن أن المبادرة للاستثمار الخارجي لن توقف أو تلغى التعامل في المشروعات الزراعية الداخلية، مؤكدا أن استثمارات الشركة ستكون في مناطق استراتيجية وعلى ما تحصل عليه الشركة من مميزات في تلك الدول، بالإضافة إلى كشفه عن كثير من الأمور:

* صدر قرار الحكومة السعودية بإنشاء شركة زراعية قابضة للاستثمار في الخارج، كيف ترون هذه الخطوة كمستثمرين في القطاع؟

ـ هذه الخطوة جاءت ضمن توجه جديد ترعاه حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للاستثمار في الخارج، الذي تمت صياغته وفق رؤية استكمال منظومة الأمن الغذائي الوطني في مناخ تقلب أسعار السلع الغذائية الرئيسية، ولذا لا بد من النظر إلى هذه الشركة كجزء من مجموعة حزم تساهم حاليا في رسم خارطة طريق جديدة للقطاع الزراعي السعودي، التي تستوعب التحولات والمستجدات المحلية والدولية.

فالقطاع الزراعي المحلي حظي على مر العقود الثلاثة الماضية برعاية حكومية مميزة، ومرونة أهلته للتفاعل مع كل مرحلة بما تستحقه، ولذلك لم تقتصر الرؤية الحكومية على الدعم المباشر للقطاع لمجرد الاستثمار الزراعي التقليدي، بل لتبني مبادرات ومشروعات زراعية نموذجية وتأهيل قطاعات فرعية باتت من أفضل القطاعات على مستوى العالم، وخلق إرادة توسع لاستثمار تراكم خبرات ومعارف لتحقيق نجاحات على الصعيد الدولي.

* ما الشروط المؤهلة أو الضرورية لتحقيق نجاح خطوة الاستثمار الخارجي، وهل تعتقدون أن واقع القطاع الخاص المحلي قادر على تلبيتها؟ ـ الواقع أن النجاح في الاستثمار الزراعي يمثل تكلفة زمنية لا بد للمستثمر أن يستوعبها، فالاستثمار في الأرض يتطلب الوعي بمكونات الأرض وما حولها وخلق التجربة التي تضمن الاستثمار، وتكوين البنية التحتية الذاتية وليس مجرد ضخ الأموال، فالحقيقة أن الاستثمار الزراعي لا يمكن التعاطي معه بلغة الفرص المباغتة والتفاعل الوقتي، فالأموال الساخنة قد تستطيع التعاطي مع أسواق المال، وإذا جاز لنا التعبير مع بعض القطاعات الاقتصادية المعينة، لكن الاستثمار في القطاع الزراعي يتطلب المال والبنية التحتية من الشركاء الاستراتيجيين على الصعيد التقني والبشري، والأهم من ذلك الخبرة المتراكمة التي تبنى على تكلفة التجارب، وسعينا كمستثمرين استراتيجيين إلى التعاطي مع القطاع الزراعي وفق هذه الرؤية مبكرا، ونملك حاليا شبكة من الشركاء الاستراتيجيين وعددا من الخبراء الزراعيين الذين سبق وعملوا في مشروعاتنا المحلية، وعادوا إلى أوطانهم التي تعد اليوم من أهم المحطات الاستثمارية في القطاع الزراعي في الخارج في مصر والسودان وأوكرانيا وغيرها من الدول.

* كم يبلغ حجم استثماراتكم الخارجية خلال الفترة الحالية، وما الدول التي تعتزمون الدخول للاستثمار الزراعي فيها؟ وما أبرز الأهداف في هذا الاستثمار؟

ـ يبلغ حجم استثماراتنا نحو 1.5 مليار ريال (107 ملايين دولار) في مصر، بالإضافة إلى استثمارات أخرى في السودان، ونفاوض أستراليا وتنزانيا للاستثمار فيها، ونسعى إلى مواكبة قرار الحكومة السعودية فيما يتعلق بالاستثمار الخارجي الزراعي، إضافة إلى تحقيق أكثر من 11 في المائة من احتياجات المملكة الزراعية، وذلك من منتجات استثماراتنا الخارجية.

* هل تعتقد أن الاستثمار الخارجي يعتمد على شروط ومواصفات تنطبق على عدد قليل من المستثمرين، وهل يجب أن تقنن تلك المبادرة وفق تلك الشروط وتحددها؟ ـ الواقع أن القائمين على المبادرة يدرسون جميع التفاصيل التي تساهم في صياغتها بالشكل الملائم الذي يحقق الأهداف الاستراتيجية منها، ومن خلال معرفتي بالكفاءات التي تعمل على رسم آليات عمل المبادرة، أستطيع الجزم أنها ستكون شاملة وقادرة على أن تكون منصة جديدة لانطلاق القطاع الزراعي السعودي نحو العالمية. وحول مواصفات الشركات، أعتقد أن أمرا كهذا لا بد أن يؤخذ بالاعتبار، فمن خلال رصدنا للتجارب الزراعية للاستثمار في الخارج وحين بدأنا بالاستثمار في مشروع توشكا بمصر ومشروعنا في شمال السودان، لاحظنا سلسلة من الإخفاقات التي منيت بها بعض المشروعات نتيجة لضعف الخبرة وعدم الرسوخ في القطاع، واستفدنا منذ أن بدأنا قبل عشر سنوات من الآن في تجربة الاستثمار الزراعي في الخارج. إن قاعدة البيانات الاستثمارية وتحليلها لجميع المشروعات أمر لا يقل أهمية وتكلفة من الاستثمار في المشروع نفسه، ولذا فليس مستغربا أن تقوم الشركات العالمية اليوم بفتح آفاق الشراكات المعرفية والتوسع في الاستثمار في المعرفة أو ما يسمى الأبحاث والتطوير، باعتبار أنها الاستثمار الاستراتيجي، ليس في تقليل التكاليف كما يعتقد البعض فقط، وإنما أيضا لتحسين الجودة، والواقع أن المستثمر التقليدي لا يمكنه تحقيق هذه الرؤية باعتباره مستثمرا طارئا يعتمد على تقييم المشروع وفق رؤية قاصرة تعتمد الإيراد والتكلفة المباشرة بشكل سطحي.

* القطاع الزراعي أحد القطاعات المهمة التي تنظر إليها الدول برؤية تتجاوز البعد الاقتصادي الربحي، ويمثل أحد القطاعات الكبرى التي تساهم في خلق المزيد من الوظائف وكذلك القطاعات الفرعية كما ذكرتم. من وجهة نظركم كخبير ومستثمر زراعي ما المعوقات التي تحول دون تفعيل الدول العربية لهذا القطاع ؟ ـ كما ذكرت، فإن القطاع الزراعي يعتبر من أهم القطاعات بالنسبة للدول، وذلك يتضح مدى الاهتمام الذي يحظى به داخل أروقة صناعة القرار الدولية، وكل قطاع يستمد أهميته وموقعه داخل الاقتصاد من منتجاته، والقطاع الزراعي يمد المجتمع بأهم مقومات بقائه، وهو الغذاء، كما أنه يساهم في التنمية وبث الحياة الدائمة داخل الأرض، فالمزارع حين يبذر بذوره فهو في الواقع يبث الحياة في محيط الأرض التي يزرعها، كما أن هذا القطاع يرتبط بالأرض التي تمثل أولى عناصر الإنتاج التي عرفها الإنسان ورمز الانتماء للوطن، وقد قام الملك المؤسس عبد العزيز ـ رحمه الله ـ ومن ثم أبنائه الملوك بالاعتماد على القطاع الزراعي في تنفيذ مخطط التحضر والتوطين، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز دعم صندوق التنمية الزراعي بمبلغ 20 مليار مؤخرا تزامنا مع طرح مبادرة الاستثمار الزراعي في الخارج، ليؤكد على أن القطاع الزراعي المحلي سيظل محور اهتمام الدولة وفق أولويات المرحلة.

وحول اهتمام الدول بالقطاع الزراعي، أود التذكير بحقيقة أن الدول التي تملك زمام التقنية والتطور الصناعي هي أكثر الدول دفاعا واستماتة في التفاوض حول ملفات قطاعاتها الزراعية في مفاوضات منظمة التجارة العالمية، والتعثر الذي تشهده جولة الدوحة يعود في الأساس إلى تعثر التنازلات التي ترفض الدول المتقدمة إعطاءها على حساب قطاعاتها الزراعية، فمزارعو القطن في أميركا ومزارعو فرنسا وكوريا الجنوبية يمثلون ثقلا مهما في المفاوضات بالدول التي تبدو لنا متقدمه، ولا يمثل القطاع الزراعي فيها أهمية كبرى، لكن الحقيقة أن القطاعات الفرعية في تلك الدول، التي تعتمد على القطاع الزراعي تمثل ثقلا كبيرا، كما أن النسيج الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي في مناطق الزراعة الجغرافية في تلك الدول يمثل أهمية استراتيجية للمخططين في تلك الدول.

* كيف يمكن التوفيق بين الاستثمار في القطاع الزراعي المحلي والاتجاه إلى الاستثمار في الخارج، وما انعكاسات ذلك على مسيرة القطاع؟ ـ التناقض الذي يعتقده البعض بين الرؤيتين يستند في مرجعيته على أن الثاني سيكون بديلا وعوضا عن الأول ليصبح القطاع الزراعي المحلي ضعيفا وغير قادر على استكمال مشروعاته، ودوره كما بالغ المتشائمون استنادا إلى الوهم بأن الضخ الاستثماري والمعرفي داخل القطاع سيتوقف ويتوجه للخارج، وبصفتي أنتمي للقطاع كمستثمر ومطلع على تفاصيله، أؤكد أن هذا الطرح لا يمت إلى الواقع بصله، ونشأ بسبب الضعف الإعلامي والتوعوي بواقع القطاع وتطوره التنظيمي وعلاقته بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع، ونسعى في شركة الراجحي الدولية للاستثمار بعد الجدل الذي صاحب طرح المبادرة وسوء الفهم الذي تولد لدى بعض الاقتصاديين والإعلاميين إلى إعداد دورة إعلامية متخصصة في القطاع الزراعي توضح الأبعاد الاقتصادية التحليلية في القطاع وانعكاساته التنموية، كما ستتناول القطاع الزراعي السعودي على وجه الخصوص وحقيقة إمكانياته ومسيرته الاستثمارية وانعكاسات الدعم الحكومي السخي له، كما ستطرح بالتفصيل المبادرة الملكية وحدود إطارها داخل القطاع الزراعي ومستقبله، وسنتواصل بعد اكتمال الرؤية حول هذه الدورة مع الجهات المختصة داخل القطاع الزراعي لترشيح من تراه المؤسسات الصحافية والإعلامية لهذه الخطوة التي ستتبعها خطوات متنوعة أخرى، على أن تساهم في خلق وعي إعلامي تخصصي بالقطاع ورؤيته المستقبلية، لأن الحقيقة أن القطاع ظلم إعلاميا لفترة طويلة بعدم قراءة مسيرته وواقعه بشكل جيد. وحول سؤال التوفيق بين المبادرة والاستثمار المحلي، أود توضيح حقيقة مهمة، وهي أن القطاع الزراعي مفهوم واسع لا يمكن حصره بمنتج أو منتجين كالقمح أو الأعلاف، وإنما هو دائرة واسعة من العملية الإنتاجية التي تحوي كثيرا من المدخلات والعناصر التي تشكل القطاع، وتحويل صندوق التنمية الزراعية إلى بنك للتنمية الزراعية كما أمر خادم الحرمين الشريفين، والذي يدلل على أن دعم القطاع الزراعي يتزايد ويكتسب زخما جديدا نحو المشروعات النوعية التي تساهم في تطوير القطاع من خلال أولوياته، والمستقبل سيكون مع هذه الرؤية الاستراتيجية الموفقة.