أوباما يخص أبو مازن بمعاملة خاصة في البيت الأبيض.. والمستوطنات تهيمن على الاجتماعات

المتحدث باسم نتنياهو يرد على كلينتون: لن نوقف البناء في المستوطنات الثابتة

TT

حظي الرئيس محمود عباس (أبو مازن) بمعاملة خاصة من طرف الرئيس الأميركي باراك أوباما على غرار ما حظي به بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، حيث عقد أوباما لقاء على انفراد مع أبو مازن في البيت الأبيض دام زهاء الساعة ثم عقد معه اجتماعا موسعا في المكتب البيضاوي بحضور الوفد الفلسطيني المرافق لأبو مازن وحضره من الجانب الأميركي جو بايدن نائب الرئيس وهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، كما حضره جيمس جونز مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي وجورج ميتشل المبعوث الأميركي للشرق الأوسط.

وأقامت الليلة الماضية هيلاري كلينتون مأدبة عشاء على شرف أبو مازن. وهيمن على الاجتماعات موضوع «وقف المستوطنات» وليس تجميدها فقط، حيث تطابق الموقف الأميركي مع الموقف الفلسطيني في هذه النقطة، لأول مرة منذ سنوات.

وصعدت واشنطن بمناسبة زيارة أبو مازن، لهجتها حول قضية المستوطنات، حيث رفضت رفضا قاطعا أي توسع في المستوطنات سواء كان طبيعيا أو غير طبيعي. وفي هذا السياق علم أن جورج ميتشل التقى في عاصمة أوروبية دان مريدور وزير المخابرات الإسرائيلي ومسؤولين إسرائيليين آخرين، وأبلغهم بصريح العبارة أن الرئيس أوباما لن يتراجع عن طلبه وقف المستوطنات.

وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» في معلومات منفصلة إن واشنطن تريد مقابل وقف المستوطنات استئناف المحادثات الفلسطينية ـ الإسرائيلية مع وعد بالضغط على الدول العربية من أجل إعادة فتح مكاتب تجارية إسرائيلية ومنح تأشيرات للإسرائيليين، وأشارت الصحيفة إلى أن ميتشل أبلغ مريدور بهذا الأمر.

وقالت مصادر أميركية إن رفض إسرائيل طلب تجميد المستوطنات في الضفة الغربية سيضع عراقيل أمام محاولة باراك أوباما تحريك مساعي السلام في الشرق الأوسط. وكانت هيلاري كلينتون قالت إن الرئيس أوباما يريد «وقف المستوطنات وليس بعضها أو بعض المواقع أو النمو الطبيعي.. هذا هو موقفنا ونحن متمسكون بهذا الموقف». وقالت وسائل الإعلام الأميركية إن محمود عباس أجرى محادثاته في واشنطن مع أوباما من موقف ضعيف، لأنه لا يسيطر عمليا على قطاع غزة، كما أنه لم يستطع إزالة نقاط التفتيش التي أقامتها في الضفة الغربية التي تخضع للسلطة الفلسطينية. وفي الوقت الذي رد فيه مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، رافضا تجميد البناء الاستيطاني، عقد رجال الدين اليهود في المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية اجتماعا طارئا لهم للبحث فيما سموه «خيانة المعسكر»، فصبوا اللعنة على نتنياهو، بسبب قراره إخلاء البؤر الاستيطانية. ووجهوا الدعوة إلى جنود الجيش الإسرائيلي لأن يتمردوا على الأوامر بإخلاء هذه البؤر. ودعوا جمهورهم إلى التصدي لمحاولات الإخلاء بكل قوتهم.

وتفوه الحاخامات المتطرفون بعداء سافر ضد نتنياهو ووزير دفاعه، إيهود باراك. واتهموهما بالانضمام إلى الأشرار الأجانب في محاربة المشروع الاستيطاني. وطالبوهما بالامتناع عن شق صفوف اليهود وإدخالهم في حرب أهلية بسبب إزالة الاستيطان. وطالبوا نتنياهو بأن يتذكر وعوده الانتخابية بحماية المشروع الاستيطاني. ورفضوا حجته في أن مواجهة التسلح النووي الإيراني أهم من هذه المستوطنة أو تلك، وقالوا إن «كل مستوطنة بنيت بالعرق والدم».

وجاء هذا الاجتماع على أثر إعلان وزارة الدفاع عن تجهيز الخطة لإخلاء ما تبقى من بؤر استيطانية وتبني نتنياهو قرار الوزارة «من أجل تثبيت سلطة القانون في إسرائيل وعدم تشريع البناء غير القانوني». وتزامن مع إعلان وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، أول من أمس، أن الإدارة الجديدة في البيت الأبيض ترفض أي توسيع للاستيطان لأي غرض، سواء كان في البؤر غير القانونية أو في المستوطنات الثابتة أو كان بهدف التوسع أو بهدف سد حاجات التكاثر الطبيعي، «فالاستيطان كله غير شرعي»، حسبما قالت. وأضافت أن الرئيس باراك أوباما أبلغ هذا الموقف بوضوح لرئيس الوزراء نتنياهو، خلال زيارته للبيت الأبيض في مطلع الأسبوع الماضي. وقد رد على كلينتون، أمس، مارك ريجف، المتحدث الرسمي باسم نتنياهو، فقال إن إسرائيل لن توقف البناء في المستوطنات القائمة لأنها لا تستطيع أن تقول للمستوطنين «إذا تزوجتم، ارحلوا عن بلدتكم». وقال إن مصير المستوطنات سيتقرر في المفاوضات النهائية حول التسوية الدائمة ولا حاجة لبحثه في هذه المرحلة. يذكر أن إسرائيل تطرح صفقة على الإدارة الأميركية، بموجبها تخلي البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية وتوقف توسيع المستوطنات الواقعة في المناطق المأهولة بالفلسطينيين داخل الضفة على أن يتاح لها البناء في المستوطنات القائمة في القدس الشرقية وضواحيها أو في المستوطنات الحدودية (أي الواقعة قرب الخط الأخضر ما بين إسرائيل والضفة الغربية في حدود 1967). ويأتي رد القيادة الدينية للمستوطنين بمثابة مساعدة مهمة لموقف نتنياهو، حيث يظهره «معتدلا» بالمقارنة مع المستوطنين.

وتنطوي هذه الصفقة على تشويه للواقع، حيث إن البؤر الاستيطانية المقصودة مخالفة أصلا للقانون الإسرائيلي، وهناك قرار في محكمة العدل العليا الإسرائيلية يوجب إزالتها، لأنها بنيت من دون تراخيص على أرض فلسطينية خاصة. ومجموع سكانها من المستوطنين لا يزيد عن 1200 مستوطن. وهم يتجاهلون بذلك البؤر الاستيطانية القائمة في القدس الشرقية المحتلة، التي تضم 2000 مستوطن، يعيشون في قلب الأحياء الفلسطينية. كما يتجاهلون القضية الاستيطانية الأكبر والأخطر، في القدس الشرقية من جهة وفي الضفة الغربية من جهة ثانية. ففي القدس يوجد 11 حيّاً، كل واحد منها يعتبر بلدة كبيرة يعيش فيها 180 ألف مستوطن، ويجري توسيعها بطريقة تعرقل قيام دولة فلسطينية ذات امتداد جغرافي طبيعي وتجعل المستوطنات في تواصل يهودي يشطر الضفة الغربية إلى نصفين. وفي الضفة يوجد نحو 200 ألف مستوطن ينتشرون على 150 مستوطنة، يحتلون بها رؤوس الجبال ويهددون الأمن والاقتصاد والدراسة الجامعية وحتى الثانوية لسكان البلدات الفلسطينية، وهذا إضافة إلى الطرقات والشوارع التي تنهب الأراضي الفلسطينية ويمنع الفلسطينيون من التنقل عبرها. فيضطر الفلسطيني إلى السفر ساعات من بلدة إلى أخرى، كون الطرق البائسة المتاحة له مبتورة بالحواجز العسكرية وتؤدي إلى إطالة الطريق وسلوك طرق التفافية عديدة من أجل الوصول إلى الهدف. وعمليا، فإن أمر إزالة البؤر الاستيطانية، على أهميته، لا يقدم حلا لمشكلة الفلسطينيين مع الاستيطان، حيث إنهم يرون أن الاستيطان يلتهم أراضيهم ويهود بلداتهم ومقدساتهم وينغص عليهم معيشتهم ويشوش حياتهم في كل المجالات، فضلا عن كونه يخلد الاحتلال العسكري لأراضيهم، وهو المرفوض سياسيا وقانونيا وحسب قرارات الأمم المتحدة.