مغاربة هولندا.. رحلة بدأت بعمال وانتهت بناجحين و«إرهابيي شوارع»

40 عاما مرت على قدوم الجيل الأول.. والأجيال الأخرى تندمج بطريقة أسهل في المجتمع

شبان من أصول مغربية في شوارع أمستردام (أ.ف.ب)
TT

جاء محمد اشهبون إلى هولندا عام 1970، ولم يكن قد بلغ العشرين من العمر بعد. يقول الرجل الذي يقارب عمره الآن 60 عاما، وأصبح رئيس جمعية «الأمل» في هولندا، إن الهدف الأول من قدومه بعد أن ترك التعليم في المغرب، كان البحث عن عمل وجمع المال لمساعدة والديه وإخوته وزوجته التي ارتبط بها قبل عام من قدومه إلى أوروبا. كان يفكر في العودة بعد فترة معينه، لكنه يقول: «للأسف ليس كل ما يحلم به الإنسان يتحقق». يتحدث عن الفرق بين الأجيال المغربية. ويقول إن جيله واجه صعوبات مختلفة، منها اللغة والثقافة الهولندية، إلى جانب عدم معرفته بعادات وتقاليد المجتمع الجديد. ويقول إن فرص العمل كانت متوفرة في ذلك الوقت، وكان «الهم الأكبر جمع المال والعودة إلى المغرب».

اشهبون هو واحد من كثيرين هاجروا من المغرب إلى هولندا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، للمساهمة ببناء ما دمرته الحرب، بناء على اتفاقية عقدت بين البلدين. ومع حلول ذكرى مرور أربعة عقود على توقيع اتفاق بين الرباط ولاهاي بشأن استقدام عمال مغاربة إلى هولندا، يتزايد الحديث عن المهاجرين المغاربة الذين يعدون من الجاليات الأجنبية الكبرى في هولندا، والتركيز عليهم، ليس فقط بسبب عددهم الكبير في البلد، ولكن من وجهة نظر البعض من المراقبين، لأنهم الجالية التي تواجه الصعوبات الأكبر في الاندماج مع المجتمع الهولندي.

لكن اشهبون، الذي اعترف بالصعوبات التي واجهت جيله بالاندماج في المجتمع، يقول إنه مع الجيل الثاني والثالث اختلفت أمور كثيرة، إذ نالوا التعليم وتعرفوا على التقاليد والثقافة الهولندية، وباتوا يشعرون أنهم جزء من المجتمع الهولندي. ولكنه مع ذلك، يتحدث عن العنصرية في المجتمع الهولندي، ويقول إن «رفض الآخر لم يتغير، وظلت منذ الجيل الأول، بل ازدادت تعقيدا وصعوبة، ولا نزال نعاني منها».

تقول فيرا فاندورن المتحدثة باسم وزارة شؤون المهاجرين والإدماج، إن الأجيال المتعاقبة من المهاجرين المغاربة، اندمجوا في المجتمع بعد أن نشأوا وتعلموا والتحقوا بالوظائف ويعيشون كجزء من نسيج المجتمع الهولندي. وتقول المغربية سميرة عبوس عضو البرلمان الهولندي، «إن أبناء الجيل الأول كان تفكيرهم يتركز حول متى سيتم تجهيز الحقائب للعودة إلى المغرب بعد انتهاء فترة العمل التي جاءوا من أجلها، أما الآن فإن أبناء الجيل الثالث على وجه التحديد لا يفكرون في ذلك ويعتبرون أن هولندا هي وطنهم، وهناك من يرى نفسه على سبيل المثال أمستردامي من أصل مغربي». وتضيف: «أهلنا كانوا عمالا فقط، أما الأجيال الجديدة فتذهب إلى المدرسة، ويحلمون بوظائف هنا في هولندا وتكملة حياتهم».

يتحدث اشهبون عن تجربته عندما وصل إلى هولندا، ويقول إنه في السنوات الأولى كان يعيش بطريقة غير قانونية، وكان يبحث عن الإقامة، ويروي قائلا: «كانت فترة صعبة للغاية، لدرجة أنني كنت أخاف الخروج إلى الشارع حتى لا تلقي الشرطة القبض علي وتقوم بترحيلي إلى المغرب، وهذا كان يمنعني من الالتقاء كثيرا بزملائي المغاربة الذين كانوا يقيمون بطريقة قانونية لأنهم جاءوا بعقود عمل. ولكن أنا ومعي أعداد كبيرة من المغرب وتونس والجزائر كنا قد عرفنا طريق القدوم إلى هولندا ودول أوروبية أخرى والإقامة بصورة غير قانونية مع مطلع السبعينات». ولكنه استفاد لاحقا من قانون صدر عام 1974 سمحت من خلاله الحكومة الهولندية للمقيمين بشكل غير قانوني بالحصول على أوراق إقامة، بشرط أن يكون لديه ما يثبت أنه كان يعمل. واشهبون كان يملك هذه الإثباتات. يتحدث عن المشكلات التي كان يعاني منها، ويقول: «كنت أعمل بمقابل مادي بسيط يقل عن ما يتقاضاه الهولندي ابن البلد، وكان البعض يستغل ظروف الأشخاص الذين لا يحملون أوراق إقامة قانونية، ويجعلونهم يعملون 12 ساعة يوميا».

تفيد دراسات حكومية ومستقلة أن الوجود المغربي في هولندا، بدأ في مطلع الستينات من القرن الماضي، مع مجاميع العمال الريفيين، الذين قدموا من قرى جبلية في المغرب، للمشاركة في بناء هولندا التي كانت لا تزال تعاني من دمار الحرب العالمية الثانية. هذا الوجود مر بفترات يمكن وصفها بالاستقرار النسبي والعادي، حتى منتصف التسعينات، واتساع تأثير الحركات الإسلامية داخل وخارج هولندا على الشباب الهولندي من الأصول المغربية. حروب الشرق الأوسط وأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 في الولايات المتحدة، دفعت أسئلة الانتماء والهوية بين أبناء المهاجرين، إلى حدود غير مسبوقة من التوتر في تاريخ المجتمعات العربية والمسلمة إلى هولندا. وتاريخ هجرة المغاربة إلى هولندا تاريخ حديث نسبيا، مقارنة مع هجرة المغاربة إلى فرنسا. ولكن الوجود المغربي في هولندا، أصبح واقعا في المجتمع الهولندي من كل جوانبه. فأقدام المغاربة رسخت في ميادين لعبة كرة القدم. وبالأمس القريب توج اللاعب المغربي منير الحمداوي كأحسن هداف في الدوري الهولندي الممتاز. والكتاب المغاربة يعرفون بإبداعاتهم المتواصلة في القصة والشعر والرواية. كما أن المشهد السياسي ليس غريبا عن مشاركتهم، سواء على مستوى التمثيل في البرلمان أو مجالس البلديات، بل وحتى رئاسة البلدية نفسها، كما هو الشأن في روتردام مع عمدتها أحمد أبو طالب.

لكن للعملية جانبا آخر لا تستقيم إلا به. فالشباب المغاربة مزعجون، بل تصفهم بعض التيارات السياسية الشعبوية بـ«إرهابيي الشوارع». ثم إن السجون الهولندية لا تكاد تخلو من ضيوف أصبحوا مقيمين دائمين فيها. هذا كله نتاج أربعين سنة من الهجرة المغربية إلى هولندا.

ولكن يظل السؤال المطروح من جانب البعض: هل هؤلاء الشباب هم أبناء المغاربة أم أبناء الحكومات الأوروبية التي تتدخل في تربية الآباء المغاربة لأبنائهم، وتحاول بقدر الإمكان إدماج هؤلاء الشبان في المجتمع الهولندي المغاير تماما للمجتمع العربي والإسلامي الذي تربي وكبر فيه الأب والأم، وعندما يفلح عدد من الشبان المغاربة في مجال معين تفتخر بهم الحكومات الأوروبية، وعندما يسلك منهم البعض طريق الجريمة يقولون عنهم إنهم شبان مغاربة.

أشهبون تمكن من أن يؤسس نفسه في هولندا، وحتى أولاده، يقول إنهم تمكنوا من الحصول على وظائف جيدة بعد أن تخرجوا من الجامعات. ويقول إن اثنين منهم يعملان في وزارة العدل الهولندية وأخرى في مؤسسة كبيرة. كما أن زوجة أحد أبنائه هي أول طبيبة من أصل مغربي ريفي. أسس اشهبون عام 1990، مؤسسة «الأمل» لتقديم المساعدات لأصحاب الاحتياجات الخاصة ومساعدة العمال المغاربة الذين أصيبوا وتعرضوا للإعاقة وقرروا العودة إلى المغرب. ويقول: «نساعد أيضا آخرين في دول أخرى، ومنها مساعدات قدمناها للفلسطينيين، ونقدم مساعدات معنوية ومادية للمعاقين بصفة خاصة، وكل الجاليات العربية بصفة عامة، والذين يعانون من مشكلات الاندماج في المجتمع نساعدهم في الحصول على حقوقهم التي لا يعرفون كيفية الحصول عليها».