الإمارات تؤكد ارتباط عملتها بالدولار حتى بعد انسحابها من الوحدة النقدية الخليجية

أنباء عن تحركات دبلوماسية خليجية تفتح باب أمل العودة الإماراتية للاتحاد النقدي

الرئيس الإماراتي خلال محادثاته مع أمير قطر في زيارته إلى أبوظبي أمس («الشرق الأوسط»)
TT

كررت الإمارات أمس، وللمرة الثالثة في أسبوع، موقفها القوي والصريح من ارتباط عملتها المحلية بالدولار، عندما قال سلطان ناصر السويدي محافظ مصرف الإمارات المركزي إنه «ليس هناك عملة يمكنها أن تحل محل الدولار، ولا اليورو، وإن الدولار هو عملة الاستثمار»، مؤكدا في الوقت ذاته مساندته للعملة الأميركية، ومستبعدا استبدال أي عملة أخرى بها كعملة احتياط، واصفا ضعف الدولار الحالي بأنه «وضع مؤقت».

وفي الوقت الذي كرر فيه محافظ المصرف المركزي الإماراتي تأكيداته على ارتباط عملة بلاده بالدولار، لم يوضح أسباب هذا التكرار المتوالي، غير أن محللين ربطوا بين هذه التصريحات المتكررة، وبين الرغبة الإماراتية في عدم فتح الباب أمام تكهنات ثاني أكبر اقتصاد عربي قد يقدم على خطوة بفك الارتباط بالدولار، طالما أن الإمارات انسحبت من الوحدة النقدية الخليجية، خاصة أن معايير الوحدة النقدية كانت تشترط ارتباط العملات الخليجية بالعملة الأميركية، والإمارات لم تعد تلتزم بهذا الشرط بعد خروجها من الوحدة النقدية.

ومنذ إعلان الإمارات في العشرين من الشهر الماضي انسحابها من الاتحاد النقدي الخليجي، في خطوة عُدت مفاجأة داخل الأوساط الاقتصادية الإقليمية والدولية، ومحافظ مصرفها المركزي يكرر تصريحاته بشأن تأكيد ارتباط الدرهم الإماراتي بالدولار. وكانت تصريحات السويدي أمس للصحافيين في أبوظبي هي الرابعة منذ خروج الإمارات من الوحدة النقدية، وهو ما لفت أنظار المراقبين عن سر هذا التأكيد المتواصل لارتباط العملة الإماراتية الوثيق بالورقة الخضراء، شأنها شأن باقي دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء الكويت التي تربط دينارها بسلة من العملات الدولية، وإنْ كان الدولار يبقى هو العملة الأكثر تأثيرا في سلة العملات هذه.

وكان السويدي قد أكد على أن انسحاب الإمارات من اتفاقية الاتحاد النقدي ليس مبررا لتغيير سياستها النقدية، موضحا أن هذه السياسة ستبقى انفتاحية، وأن سعر الخصم الرسمي فيها سيظل متدنيا، كما أن سعر صرف الدرهم سيبقى مربوطا بالدولار الأميركي.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، وجه محافظ بنك الإمارات المركزي سلطان السويدي دعوة منفردة إلى إصلاح العملة، مما أثار تكهنات بأن الإمارات قد تغيِّر سياستها بشكل منفرد، مما يدفع سعر الدرهم الإماراتي إلى أعلى مستوياته في خمس سنوات.

وتسببت هذه التصريحات حينها في مضاربات محمومة على الدرهم الإماراتي، قبل أن يعود إلى وضعه الطبيعي، بعد أن أكد أكثر من مسؤول إماراتي أن بلاده ستبقى مرتبطة بالدولار.

ويبلغ سعر الدولار 3.67 درهم إماراتي، وهو سعر ثابت منذ حوالي عشرة أعوام.

ويقول لـ«الشرق الأوسط» الخبير الاقتصادي والمدير التنفيذي لشركة «أبوظبي للاستثمار»: «إن ارتباط الإمارات بالدولار ساعد في الاستقرار العملة المحلية خلال العشرين عاما الماضية».

ويرى المقدسي أن استقرار السياسة النقدية يساعد على بث الثقة في المستثمرين، «أما التغيير بحسب سعر الصرف، كما يطالب به البعض، فإنه بالتأكيد سيتسبب في نكسات تتعرض لها تلك العملات».

ويضرب ناظم المقدسي المثل بالسياسة النقدية التي اتبعتها دول شرق آسيا إبان أزمتها الاقتصادية في التسعينات، وما أدى ذلك إلى مضاربة كبرى من قبل المضاربين على العملات، غير أن المقدسي يرى، في الوقت ذاته، أن انخفاض التضخم في الإمارات قلل من الضغوط بشأن فك الارتباط مع الدولار.

وأشارت الكويت إلى التضخم المستورد كمبرر لفك ربط عملتها بالدولار في مايو (أيار) 2008. وسمحت للعملة منذ ذلك الحين بالارتفاع بنسبة نحو تسعة في المائة أمام العملة الأميركية.   وفي سياق ذي صلة، شهدت الإمارات خلال اليومين الماضيين تحركات دبلوماسية، ربطت بالموقف الإماراتي الأخير بعد انسحابها من مشروع الاتحاد النقدي الخليجي، ومحاولات خليجية حثيثة لاحتواء الموقف الإماراتي.

وزار أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الإمارات أمس في زيارة قصيرة، على رأس وفد رفيع المستوى ضم رئيس وزرائه الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، والتقى بالرئيس الإماراتي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في مدينة العين الصحراوية، وكذلك فعل الشيخ خليفة باستقباله أمس الأول الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الذي قام بزيارة سريعة إلى الإمارات، استغرقت ساعات.

وفيما لم تتسرب أي معلومات رسمية عن هذه اللقاءات، تحفظت مصادر رسمية عن التعليق عن هدف هاتين الزيارتين، وفي هذا التوقيت بالذات.

وكانت «الشرق الأوسط» قد نقلت في الثالث والعشرين من الشهر الماضي، عن مصدر خليجي مطلع، وجود مساع خليجية ستجرى لإذابة الخلاف الإماراتي الخليجي. وقال المصدر إن هناك تحركات دبلوماسية على مستوى عال ستتم خلال الأسبوع المقبل (الماضي)، للسعي إلى عودة الإمارات من جديد إلى الوحدة النقدية، واحتواء الخلاف، «خشية من انعكاسه على أداء المجلس التعاوني بأكمله»، بحسب المصدر الخليجي. لكن وزير المالية السعودي إبراهيم العساف قال «إن الدول الخليجية الأربع (السعودية، وقطر، والكويت، والبحرين) ماضية في خطة الوحدة النقدية، وإن مقر البنك المركزي الخليجي لن يطرح للتفاوض من جديد، بحسب ما نقلته وكالة «رويترز» أمس.

ويقول محللون إنه مهما كان قرار الإمارات فيما يتعلق بعودتها من عدمها إلى العملة الخليجية المرتقبة، فإن قرارها بشأن بقاء ارتباط عملتها بالدولار سيبقى هو الأرجح خلال المرحلة المقبلة، خاصة بعد تلاشي الضغوط الاقتصادية لاتخاذ مثل هذا القرار، بعد تراجع التضخم عن مستوياته القياسية التي سجلها العام الماضي.

وفي نفس هذا الوقت من العام الماضي، تزايدت التكهنات باحتمال فك الإمارات لارتباط عملتها مع الدولار، وتوقع شبه حكومي، صادر من غرفة تجارة وصناعة دبي، بأن تلجأ الإمارات العربية المتحدة إلى إعادة النظر في قيمة عملتها مقابل الدولار؛ للجم التضخم، والاستجابة للمعايير التي يفرضها اعتماد عملة نقدية موحدة في خمس دول خليجية.

وجاء في التقرير حينها «من المتوقع أن يقوم المصرف المركزي الإماراتي في الغالب برفع سعر الدرهم مقابل الدولار، تماشيا مع عملات دول المجلس الأخرى».

وأضاف التقرير «سوف يساعد ذلك ـ إلى حد كبير ـ في خفض الضغوط التضخمية، وفي ذات الوقت التمسك بسياسة الارتباط بالدولار المقررة، كجزء مكمل لمعايير التقارب اللازمة لقيام الوحدة النقدية في 2010».

وكان وزير الاقتصاد الإماراتي سلطان المنصوري قد قال في مارس (آذار) الماضي «إن معدل التضخم سيكون في نطاق خمسة إلى ثمانية في المائة هذا العام. وارتفع التضخم إلى مستويات قياسية في دول الخليج العربية العام الماضي، لكن تراجع عائدات النفط والتباطؤ العالمي ساعدا على انخفاضه».

واتجهت الإمارات إلى تحويل جزء من احتياطياتها الدولارية إلى اليورو منذ عام 2006 عندما قال البنك المركزي إنه يعتزم تحويل 10 في المائة من هذه الاحتياطيات إلى اليورو. وفي الإمارات بدأت تكاليف المعيشة في الارتفاع بصورة لافتة للنظر منذ عام 2003 مع بدء مسيرة تراجع سعر صرف الدولار أمام اليورو، مما انعكس على تكلفة الواردات، واستمرت مسيرة هذا الانخفاض حتى بلغت أشدها في نهاية العام الماضي، إلا أن الأزمة المالية العالمية كان لها بعض التأثير الإيجابي، الذي انعكس على ارتفاع بسيط للدولار، غير أن هذا التحسن في سعر الدولار عاد مطلع هذا الأسبوع ليتوقف ويصل إلى أدنى مستوياته منذ مطلع العام الحالي.

وانخفض سعر الدولار أمس الأول إلى أدنى مستوياته منذ خمسة أشهر أمام سلة عملات، مع ظهور دلائل على أن الاقتصاد العالمي ربما يكون قد تجاوز أسوأ مراحل الكساد، ما دفعَ المستثمرين للإقبال على شراء عملات يرون أنها تنطوي على مخاطر أكبر. ومع ارتفاع أسعار الأسهم العالمية إلى أعلى مستوياتها هذا العام، تشجع المستثمرون على التخلي عن الدولار الذي احتفظوا به خلال أسوأ مراحل الأزمة المالية في الخريف الماضي.

وتملك الإمارات ثاني أكبر اقتصاد في العالم العربي، وهي تأمل في أن تظل أكبر متلق للاستثمار الأجنبي المباشر في الخليج، بعدما استحوذت على 50 في المائة من التدفقات الرأسمالية إلى داخل المنطقة العام الماضي.