المناطق الريفية في إيران تغير ولاءها

مواطنو إحدى المدن يرون أن الرئيس فقد تأييدهم.. ولم يف بوعوده

TT

تمر شاحنات النقل مسرعة إلى جانب المنازل المشيدة من القرميد الأصفر في «داستي أرزهان»، المدينة الصغيرة، التي تقع في مقاطعة «فارس» في منتصف إيران، وفي قلب الحضارة الفارسية القديمة.

ولا يوجد على طول الطريق سوى شريط ضيق من المنازل، فالمدينة مثلها مثل العديد من المدن في المقاطعات الإيرانية تقبع خارج سياق الزمن. فالشباب العاطلون عن العمل يقودون طوال الوقت بلا هدف محدد على الطرق التي تسودها الضوضاء، وهناك على جانبي الطريق توجد لافتات كبيرة بينها لافتة خضراء ترشد الزوار إلى المسجد المحلي.

في انتخابات 2005، حصل الرئيس أحمدي نجاد علي التأييد الأكبر من فارس ومقاطعات الوسط الأخرى، فقد استطاع تحقيق النصر عبر حملة من الخطب، التي ألقاها أعضاء الحرس الثوري الإيراني، وبالاستعانة بوحدات مسلحة تطوعية عرفت باسم الباسيج، التي قدمت المرشح غير المعروف إلي بلدان مثل داستي أرزهان.

ومنذ تلك السنوات ركز نجاد سياساته على توزيع الثروة على تلك المناطق الفقيرة، التي كان يزورها بانتظام أثناء ولايته. ولكن وعلى الرغم مما يعتقده البعض فيما يتعلق بتأييد المناطق الريفية له، فإن الكثير من مواطني داستي أرزهان، الذين يبلغ عددهم حوالي ثلاثة آلاف يقولون إنهم سيصوتون لصالح منافس نجاد السيد حسين موسوي، في الانتخابات المقرر إجراؤها يوم الجمعة، فهم يقولون إن نجاد لم يف بوعوده، وأنهم أصبحوا أكثر فقرا بعدما وصل إلى السلطة.

وفي المنطقة التي تعتبر منطقة التجمع الرئيسية هنا، التي تحتوي على مجموعة متنوعة من المطاعم والمحال، فإن الملصقات التي تحمل صور موسوي ذي اللحية الرمادية تظهر في كل مكان. وقد وعد المهندس ورئيس الوزراء السابق بالمزيد من الحرية وبتقديم إدارة أكثر رشدا لاقتصاد إيران المتداعي، ولكنه لم يعلن عن خطة واضحة لتحقيق تلك الأهداف.

يقول صمد راسي، مدير أحد المطاعم: «لقد أحضر رئيسي حوالي 1500 ملصق لصور موسوي، وخلال أربعة أيام فقط كنا قد وزعناها كلها، فالناس يأتون إلينا ويسألون عن الصور. أنا متأكد من أن موسوي سيفوز فوزا ساحقا هنا». لقد رفعت حكومة نجاد الرواتب والمعاشات ووضعت أكثر من 22 مليون إيراني في نظام الرعاية الصحية الذي ترعاه الدولة.

وقد اصطحب نجاد مجلس الوزراء بأكمله إلى نحو ستين رحلة لزيارة المقاطعات الإيرانية، والتعرف على المشكلات المحلية وإنشاء المدارس والمجمعات الرياضية، حتى إنه في بعض الأحيان كان يوزع الأموال النقدية، ولكن ارتفاع معدلات التضخم والبطالة قللت من آثار التحسينات التي أجراها. ويقول راسي، إنه أعطى صوته لنجاد، وأن ذلك كان خطأ فلم يعد يجلس في مطعمه الذي تزين أرضيته السجاجيد الحمراء سوى قلة قليلة من الزبائن الذين يجلسون على المقاعد المزينة بالوسائد، لكي يتناولوا الكباب. ويضيف راسي: «الناس ليس لديها سوى القليل من المال كي تنفقه وموسوي، قادر على معالجة الوضع الاقتصادي فهو لديه خبرة تكونت أثناء قيادته للبلاد خلال الحرب مع العراق».

ولكن إذا فاز نجاد بالانتخابات، فإن المستقبل يبدو غائما، يقول راسي: «قراراته غير مهنية وستسوء حالة الحريات والاقتصاد وكل شيء». ويقول هادي بهارادي، مالك أحد المتاجر، والبالغ من العمر عشرين عاما، والمحاط بصور النجوم الإيرانيين بمن فيهم مغني الراب ساسي مانكان: «موسوي سيجعل حياتنا أكثر حرية، ولكن لا تتوقع أن تحدث تغيرات جذرية في إيران»، ثم أضاف بعد أن خفض صوت مشغل الأسطوانات الموسيقية: هذه المرة، ربما يصوتون لموسوي، ولكنهم في المرة القادمة سوف يعيدون انتخاب نجاد، فنحن الإيرانيون ننتقد دائما الموجودين في السلطة. فنحن نريدهم أن يفعلوا كل شيء نيابة عنا».

وفي آخر الطريق اجتمع عدة رجال في محطة بنزين، وجلسوا على مقاعد بلاستيكية حمراء، وبعضهم جلس القرفصاء على الأرض لتناول فنجان من الشاي ومناقشة الانتخابات القادمة. يقول علي غورباني، العامل شاكيا: «لم يقدم نجاد سوى الوعود، فأنا ليس لدي عمل وبالتالي لن أمنحه صوتي». ولكن أخيه أزاد، الذي أخذ استراحة من ضخ البنزين في السيارات، له رأي آخر، فهو يقول: «خلال فترة حكمه قام بتوسيع الطريق السريع وبالتالي ازداد عدد الزبائن». وقبل عام، مر نجاد على داستي أرزهان، في إحدى رحلاته لتلك المناطق الريفية، وقد اصطف الناس على طول الطريق في انتظاره. فيقول حسين باديري، إنه أحضر مصباحا ليضحي به احتفالا بزيارة نجاد، ولكن موكب الرئيس مر بدون أن يتوقف أثناء التضحية. ويضيف باديري، أن «ذلك كان محبطا فأنا كنت أتوقع أن يقوم بتحيتنا». ضحك أصدقاؤه من تلك القصة، ولكن على الرغم من ذلك أضاف باديري أنه سيعطي صوته لنجاد قائلا: «بالرغم من أنه مر فقط من هنا فإنه الرئيس الوحيد الذي رأيناه في تلك الأنحاء، فبقية الرؤساء يبقون في طهران ولا يهتمون بنا مطلقا».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»