خبراء: لغة رسالتي بن لادن والظواهري انفعالية حادة.. وأوباما هادئة ومستنيرة

«القاعدة» تدرك أنها تلقى الازدراء في الكثير من الدول العربية فتحولت إلى باكستان

TT

قال رجل الدين العراقي مقتدى الصدر إن خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي ألقاه في القاهرة يوم الخميس، كان «ناعما وبلاغيا»، ثم عاد وقال متذمرا، إنه رغم ذلك استخف بالخطاب، فقد كان خطابا حمل في مضمونه أشياء مختلفة لأناس مختلفة، وهي الصفة التي لوحظت دوما مع هذا الرئيس. لقد كان داعما لإسرائيل في خطابه، إلا أنه مد يده إلى العالم الإسلامي أيضا على نحو غير مسبوق من قبل. وقد شجب بعض أعداء أميركا هذا الخطاب، إلا أن أيا منهم لم يرفضه، ولا حتى الأعداء اللدودين الموجه إليهم الخطاب على نحو بالغ الأهمية. وقبل الخطاب بيوم واحد، ظهر شريط استباقي مسجل لأسامة بن لادن يحذر فيه أتباعه من عدم الوثوق في الولايات المتحدة مهما كان ما سيقوله أوباما. واتضح بعد ذلك أن خوفه كان مبررا، فمن وجهة نظر فواز جرجس ـ أستاذ الدراسات الشرق أوسطية بكلية سارة لورانس، وخبير حركات الجهاد المعاصرة ـ فإن خطاب أوباما كان، فوق كل شيء آخر، يتعلق بالحرب على الإرهاب، وهجوما مباشرا على بن لادن ونزعته واتجاهاته التي يروج لها.

ويقول جرجس «لا يحاول باراك أوباما فقط استقطاب المسلمين لصالح هذا الأمر، بل يحاول دق مسمار مميت في نعش رسالة أسامة بن لادن». وأضاف جرجس أن أكثر ما استوعبه أوباما عن أسلافه، أن هذه الحرب لا يمكن الفوز بها عسكريا، ولكن آيديولوجيا أيضا. وقال غاريت براتشام ـ خبير الإرهاب السابق في «ويست بوينت»، ومؤلف كتاب صدر حديثا بعنوان «الجهادية العالمية» ـ إن هذا الخطاب هو «الخطوة الأكثر أهمية التي اتخذناها في هذه الحرب». وتابع مضيفا «ولهذا السبب تستشيط (القاعدة) غضبا». وإذا كانت وسيلة الاتصال عبارة عن رسالة، فلا يتعين أن يكون ما يقابلها أكثر قوة وصرامة، لقد كان الرئيس الأميركي مهذبا للغاية ورابط الجأش، وخرج خطابه من محيط بالغ الأناقة في جامعة عربية عريقة، وتابعته الجماهير العريضة من كافة أنحاء العالم.

وعلى الجانب الآخر، أذاعت قناة «الجزيرة» الرسالة المسجلة لأسامة بن لادن المنقولة صوتيا ـ وكان من الصعب سماعها جيدا. وأفاد جرجس «أجبر أسامة بن لادن وأيمن الظواهري على الظهور عبر الرسائل الصوتية عبر الإذاعة أو الظهور برسالة صوتية وصورة ثابتة عبر التلفزيون. ولم تعد مثل هذه الرسالة تلقى صدى بين المسلمين بنفس الطريقة التي كانت عليها بنهاية التسعينات، وبعد عام 2001». هل تحجرت رسالة «القاعدة»، فهل تحولت إلى رسالة تصدر من الحيوانات البحرية المنقرضة التي لم تعد تجرؤ على المغامرة بالخروج من كهفها العميق بأعماق البحار؟ يقول شيلبي تلحمي، الأستاذ بجامعة ماريلاند، والذي يجري استفتاء سنويا للرأي العام العربي «يجب أن نولي هذا القليل من الاهتمام، فبن لادن ما زال يتمتع بالقليل من الدعم، وما زال لديه معجبوه الشديدون، أما الاختلاف الحقيقي فيكمن في أن باقي العالم الإسلامي كانوا يعتنقون فكرته نتيجة لغضبهم الراسخ تجاه أميركا، أما الآن، فهم ليسوا كذلك». وأضاف تلهماي أن الغضب المنصب على الولايات المتحدة لا يزال باقيا، إلا أن أغلب الناس نبذوا «القاعدة» أيضا. لقد أشار خطاب أوباما إلى المستقبل، واستشهد فيه بعبارات من الديانات الموحِّدة الثلاث الأسمى، وتحدث فيه عن بداية جديدة، وألقى هذا الخطاب بهدوئه المألوف. أما الصوتان الآخران القادمان من «القاعدة»، فقد كانا حادين في خطابهما، كما كانا منفعلين تقريبا. وفي خطابه، سخر الظواهري من أوباما، بحسب النص المكتوب لخطابه الصوتي، والذي وزعته «سايت»، والتي تعمد إلى رصد وترجمة المواقع الجهادية الإلكترونية: «لتعلموا أن كلاب أفغانستان عرفت مدى لذة لحم جنودكم، لذا أرسلوا الآلاف بعد الآلاف إليهم». وتابع «تقنعت أميركا بوجه جديد، إلا أن قلبها لا يزال ملؤه الكراهية».

وعلى النقيض، كانت رسالة أوباما الموجهة مستنيرة، إذ تحدث قائلا «يجب أن يكون هناك جهد متواصل للإصغاء والتعلم، واحترام بعضنا البعض، فضلا عن السعي نحو أرضية مشتركة». وكان تلحمي من بين الخبراء بالمنطقة، ممن استعان بهم البيت الأبيض أثناء الإعداد لخطاب أوباما. وأوضح فليغ ميلر عالم الأنثروبولوجيا اللغوي بجامعة كاليفورنيا في دافيس، الذي عكف على دراسة مئات الخطابات المنسوبة إلى أسامة بن لادن «إن خطاب أوباما كان أبعد بكثير نحو بناء التوافق، فيما كان الخطاب الخاص ببن لادن مهتما أكثر بالاستقطاب». إلا أنه حذر من عدم اعتبار بن لادن خارج حرب الكلمات، وأضاف أن ما يغفل عنه الكثيرون في الغرب هو استخدام بن لادن للغة المنمقة الشعرية في خطاباته، ويروق هذا الأمر لكثير من الشباب المسلمين، كما يمنحه نفحة من الفضيلة بين الكبار البالغين. وفي استطلاعات الرأي الأخيرة فإن 88% من السعوديين يبتغون أن تشدد حكومتهم من إجراءاتها المفروضة على أتباع «القاعدة» القابعين في البلاد. وفي العراق، طرد السنة فرع «القاعدة» لديهم من أغلب نواحي البلاد، وذلك بعد أن نما لديهم شعور بالاشمئزاز من تفضيل المسلحين للأهداف المدنية، ناهيك عن سأمهم تفسيراتهم المتزمتة للإسلام. وبعد ازدرائهم في الكثير من الدول العربية، حولت «القاعدة» اهتمامها أخيرا نحو باكستان، حيث ما زالت تتمتع بمعدلات قبول مرتفعة هناك، وقدمت مخططات وأساليب التفجيرات الانتحارية إلى حلفائها القدامى من طالبان. وفي هذا الصدد يقول ميلر «من السهل قول إن بن لادن يشعر أنه مهمش إلى حد كبير، وإن تأييد أهداف «القاعدة» في الشرق الأوسط بات في أدنى معدلاته، إلا أن هناك جماعات جديدة من المسلحين العرب يجمعون شتاتهم مرة أخرى في باكستان».

* خدمة «نيويورك تايمز»