قوى «14 آذار» أثبتت أكثريتها «غير الوهمية».. وعون الخاسر الأكبر بعد تراجع شعبيته مسيحيا

قراءة في نتائج الانتخابات البرلمانية اللبنانية

ميشال عون
TT

عاد الوضع اللبناني إلى «المربع الأول» الذي رسمت حدوده انتخابات عام 2005، فحافظت قوى «14 آذار» على أكثريتها البرلمانية المريحة. وبقيت المعارضة في مكانها، بعدما فشلت في الفوز بأكثرية كانت تراهن على الحصول عليها عبر الاستفادة من قانون الانتخاب الجديد الذي لحظ تقسيمات تؤمن لهم تفوقا في دوائر بعبدا (6 مقاعد) وزغرتا (3 مقاعد)، وتضمن لها منافسة جدية في دوائر أخرى كالبترون (مقعدان) والكورة (3 مقاعد) وبيروت الأولى (5 مقاعد) بعدما كان اتفاق الدوحة قد قدم إلى المعارضة «جائزة مجانية» في بيروت الثانية هي مقعدان من أصل أربعة تم التوافق على تقاسمها. وفي الإطار نفسه، قدمت «14 آذار» نفسها على أنها أكثرية حقيقية لا وهمية كما كانت قيادات المعارضة تسميها خلال سنوات الأزمة الأربع.

غير أن فشل المعارضة في دوائر كانت محسوبة عليها، وتحديدا زحلة، بالإضافة إلى التراخي في المتن الشمالي، أدى إلى خسارتها «الثقيلة» بمعيار الربح والخسارة، فتفوقت قوى «14 آذار» من خلال إثبات شعبيتها في الشارع المسيحي بالدرجة الأولى.

وإذا كان الأطراف المسلمون في المعارضة، وتحديدا «حزب الله» ورئيس مجلس النواب نبيه بري، قد حافظوا على مواقعهم في البرلمان الجديد، فإن الخاسر الأكبر في الانتخابات هو رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، الذي وإن زاد عدد أعضاء تكتله بفارق ضئيل، إلا أنه خسر عنصر «التفوق» المسيحي. ومع أنه قد يكون من المبكر الحديث عن نسب الاقتراع المسيحية، إلا أن الأرقام الأولية للنتائج التي صدرت في الأماكن التي فاز بها تياره تظهر تراجع شعبيته مسيحيا بشكل لافت، الأمر الذي حدا بصهره الوزير جبران باسيل إلى القول إن «التيار» لا يزال يمثل نصف المسيحيين بعدما كان الخطاب السائد لديه هو أن التيار يمثل 70 في المائة من المسيحيين الذين صوتوا له في عام 2005. وتضاف إلى ذلك نقطة مهمة في مصلحة مسيحيي «14 آذار» الذين اثبتوا أنهم قادرون على تأمين التفاف مسيحي حول خياراتهم تمنع عنهم صفة «مسيحيي قريطم» التي كان يحلو لعون مناداتهم بها وإلصاقها بهم لإظهار تبعيتهم لرئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري.

وفي عودة إلى النتائج التي سجلت في الدوائر كافة، يتبين أن دوائر الشمال الثلاث (27 مقعدا) قد أعادت تأكيد الولاء لتيار رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري وحلفائه، وفق نتائج الاقتراع التي سجلت في هذه الدوائر وهي: عكار وطرابلس والمنية ـ الضنية. أما في زغرتا فقد استطاع الوزير السابق سليمان فرنجية تأكيد زعامته لموارنة الشمال بحصوله على مقاعد الدائرة الثلاثة، كما كان متوقعا. إلا أن المفاجأة كانت في الأرقام المرتفعة التي نالتها لائحة منافسه المرشح ميشال معوض. أما في الكورة فقد أثبت نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري قدرته على قيادة تحالف «14 آذار» للفوز بالمقاعد الثلاثة لهذه الدائرة، وذلك خلافا للتوقعات التي كانت تشير إلى أن هذا التحالف سيحصل على مقعدين في أحسن الأحوال. وفي البترون فازت قوى «14 آذار» بمقعدي الدائرة خلافا لنتائج عام 2005 التي جعلت مرشح التيار الوزير باسيل يحل في المرتبة الأولى في الدائرة رغم خسارته، فيما حل هذه المرة في المرتبة الثالثة.

وحافظ عون على تمثيل مناطق «الثقل المسيحي» في جبيل وكسروان والمتن. وهي كلها مناطق تشكل الكثافة المسيحية الخالصة، كما تقدم في بعبدا ذات الصوت المسيحي الوازن. لكن فوزه هذا لم يأت من دون مضامين سياسية تمثلت بنسب التصويت المسيحي المضاد للائحته. كما أنه فاز في جبيل بمساعدة واضحة من الصوت الشيعي بعدما تعادل تقريبا بالصوت المسيحي مع خصومه. وفاز في بعبدا بالصوتين المسيحي والشيعي. أما في كسروان فقد كان تقارب الأصوات بين لائحته واللائحة المنافسة علامة فارقة في التصويت المسيحي. أما خسارة عون الكبرى، فكانت لحليفه الياس سكاف الذي سقطت اللائحة التي يترأسها بأعضائها السبعة. وأعطت زحلة، التي تعتبر عاصمة الكثلكة في لبنان، أصواتها للمرة الأولى في تاريخها إلى خارج زعامة آل سكاف. وقد شكلت مقاعد المنطقة السبعة عاملا أساسيا ورئيسيا في تجيير الفوز لقوى الأكثرية. وبمقاييس الربح والخسارة تقدم النائب عون في عدد المقاعد النيابية التي يضمها تكتل «التغيير والإصلاح» إذ ارتفع عددها إلى 26 بدلا من 21. لكن هذا التقدم لم يأتِ على حساب قوى «14 آذار» بل على حساب أطراف أخرى في المعارضة، إذ جرى تبادل نواب داخلها. وقد حصل عون على 3 مقاعد في الجنوب من حصة الرئيس نبيه بري (مقعدان) و«حزب الله» (مقعد واحد). كما أخذ مقعدا على لائحة الحزب في البقاع. أما «حزب الله» فقد خسر نائبا في بيروت لحساب بري وآخر في الجنوب لحساب عون. وأصبحت كتلته مؤلفة من 10 نواب. وكذلك خسر بري مقعدين لمصلحة عون في جزين وثالثا في البقاع الغربي لمصلحة «14 آذار» وربح مقعدا في بيروت من حساب «حزب الله» فأصبحت كتلته 10 نواب. وتساوى بذلك مع «حزب الله» الذي يتقدم عليه بفارق المستقلين الذين يقتربون منه وعددهم 3 سينضمون إلى كتلته.

في المقابل، تراجعت كتلة «اللقاء الديمقراطي» التي يترأسها النائب وليد جنبلاط من 17 إلى 11 نائبا بعد «التضحيات» التي قدمها في الشوف وعاليه لمصلحة حلفائه في «14 آذار» وخصمه طلال أرسلان، كما خسر مقعدين في دائرة بعبدا. أما كتلة «القوات اللبنانية» فقد بقيت من دون تغيير، أي 5 نواب كانوا في المجلس السابق. فيما تقدم حزب «الكتائب اللبنانية» وتساوى مع «القوات» بخمسة نواب أيضا بعد فوزه بمقعدين إضافيين في طرابلس وعاليه.

أما الفائز الأكبر فهو «تيار المستقبل» الذي يترأسه النائب سعد الحريري الذي أصبح مجددا زعيم أكبر كتلة نيابية برصيد لا يقل عن 33 نائبا، يضاف إليهم بعض حلفائه المستقلين الذين فازوا على لوائحه.