المسيحيون صوتوا «صح» .. وعون فاز في دوائر حاز فيها على دعم شيعي أو أرمني

40 إلى 70% من أصواتهم كانت تميل إلى «14 آذار»

مؤيداتان لحزب القوات اللبنانية تحتفلان أمس بفوز لائحة 14 آذار كاملة في دائرة زحلة (أ.ف.ب)
TT

صحت التوقعات التي أشارت إلى تغيير في مزاج الناخب المسيحي في لبنان. فالنتائج التي أفرزتها الانتخابات النيابية بينت أن أصوات الناخبين المسيحيين والتي تبلغ 1257618 صوتا كانت تميل إلى قوى «14 آذار» بنسب تتراوح بين 40% و70% في الدوائر ذات الغالبية المسيحية. وأثبتت أن الأكثرية الحالية ليست وهمية أو ذات صبغة طائفية غالبة، كما كان يدّعي رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون في كل مناسبة ليؤكد أنه «الزعيم المسيحي الأوحد»، ليس في لبنان فحسب، إنما في المشرق العربي، وتحديدا بعد زيارته التاريخية إلى سورية.

وبانتظار تفاصيل نتائج الاقتراع بصيغتها النهائية لمعرفة كيفية توزُّع الأصوات ونسبها الدقيقة يظهر واضحا الانقلاب الذي أطاح موقع عون، أيا يكن حجم التكتل الذي سيترأّسه في البرلمان اللبناني.

صناديق الاقتراع قالت كلمتها التي جاءت قاسية في بعض الدوائر، لا سيما في زحلة والبترون وبيروت الأولى. وجاءت لتؤكد أن عون لم يكُن ليحصل على كتلته الحالية لو لم يحصل على الدعم الشيعي في جزين وبعبدا وجبيل، والأرمني في المتن الشمالي. أما في الشوف وعالية فقد ظهر بالبرهان أن تسريبَ حديثٍ خاص للنائب وليد جنبلاط يصف فيه «الانعزاليين من الموارنة» بـ«الجنس العاطل» لم يؤتِ ثماره. فالصوت المسيحي كان بالغ الدلالة في منحه ثقته للائحتَي «14 آذار» اللتين نالتا أكثرية تفوق بكثير ما ناله مرشحو عون في هاتين الدائرتين.

أما في دوائر الجنوب اللبناني (باستثناء دائرة جزين) ودائرة بعلبك ـ الهرمل، فقد كان واضحا أن الأصوات المسيحية اعتكفت عن المشاركة في عملية اقتراع محسومة نتائجها سلفا بـ99،99%، حتى إن هذه الدوائر حيث السيطرة لـ«حزب الله» غابت عناوينها عن الإعلام، وتحولت خبرا عاديا لا يستحق الاستطلاع.

يقول القيادي في «القوات اللبنانية» طوني أبي نجم لـ«الشرق الأوسط»: «أسهم عاملان في تحديد خيارات الناخب المسيحي، الأول تغليب منطق بناء الدولة، والثاني تغليب منطق المحاسبة».

مراجعة الأرقام المتوفرة تبين أن الصوت المسيحي كان فاعلا في عدد من الدوائر الانتخابية بشكل لا يسمح للفريق الآخر بالادعاء أن النجاح الذي تحقق كان بدعم من الصوت السني أو الدرزي. يقول أبي نجم: «في دائرة زحلة مثلا، حيث الكتلة الناخبة السنية هي الأكبر، نجد أن الوزير إيلي سكاف لم يحصل على أكثرية الأصوات في الحي الذي يقيم فيه حيث الغالبية من الكاثوليك. وفي أحسن الأحوال حصل على ما يقارب نصف الأصوات، أي ما نسبته 49% مقابل 51% لفريق (14 آذار). أما في الأحياء المارونية فقد وصلت نسبة التصويت ضد لائحته إلى 65%. وكذلك الأمر في أقلام الأرثوذكس. وبالتالي فإن الأصوات المسيحية كانت قادرة على حسم النتائج في الاتجاه الذي يظهر قرار المسيحيين».

في دائرة زغرتا، تبدو الأمور أكثر وضوحا. الموارنة هم الغالبية ويقارب عددهم الستين ألفا. أما السنة فيشكلون كتلة تضم ما يقارب ثمانية آلاف صوت. وفي قراءة المتوفر من الأرقام يتبين أن التصويت السني جاء أقل بـ2500 صوت مما كان عليه في عام 2005. يوضح أبي نجم أنه «في كل قرى زغرتا كانت النتائج لمصلحة لائحة (14 آذار) بنسبة تقارب 53%، ليعوض النائب السابق سليمان فرنجية في زغرتا المدينة. ولولا المال السياسي والضغط الذي أثر على التصويت السني لكانت النتيجة تغيرت وفاز ميشال معوض وجواد بولس بفارق يزيد على ألف صوت، في حين كان فارق خسارتهما 900 صوت».

المعركة الانتخابية في الأشرفية تعطي أوضح الدلالات على رفض المسيحيين مشروع عون السياسي. وعلى رغم الجهود التي لم توفر سلاحا معنويا للتأثير على الناخبين ودفعهم إلى التصويت للائحة «التغيير والإصلاح» نجد أن لائحة «14 آذار» التي ضمت كلا من نايلة تويني وميشال فرعون ونديم الجميل وجان أوغاسبيان وسيرج طور سركيسيان فازت وأبطلت مفعول الأصوات الأرمنية التي تقارب 27 ألفا لتصل نسبة الأصوات التي نالها الفائزون إلى 70% في بعض الدوائر.

في جبيل تبدو العملية الحسابية التي تعكس المزاج المسيحي بسيطة. أكثر من عشرة آلاف صوت للشيعة صبوا لمصلحة لائحة «التغيير والإصلاح»، ما أدى إلى فوز أعضائها بأكثرية بلغت ثمانية آلاف صوت، في حين حصل الخاسر الأول في اللائحة المنافسة فارس سعيد على أعلى نسبة من الأصوات المسيحية التي بلغت 20698 صوتا إضافة إلى 126 صوتا شيعيا. وبالتالي الصوت المسيحي كان ليرجح كفة سعيد ومعه المرشح ناظم الخوري لولا الإرباك الذي أدى إلى عرقلة التحالف بين الاثنين ليتم الإعلان عنه قبل أربعة أيام من موعد الانتخابات.

يقول أبي نجم: «المسيحيون صوتوا صح (على اعتبار أن أحد شعارات عون الانتخابية كانت الدعوة إلى التصويت صح) لأنهم كانوا يبحثون عن خيارات سياسية مع أن المعركة في دوائر كسروان والمتن وجبيل لم تكن سياسية وإنما انتخابية. ففي كسروان ساد الضعف عناصر اللائحة التي جمعت المستقلين مع قوى (14 آذار). وكانت تفتقر إلى الانسجام. فهي ضمت إلى منصور غانم البون وسجعان القزي وكارلوس إده كلا من فارس بويز الذي كان حتى اللحظة الأخيرة يسعى إلى مكان على لائحة عون وفريد هيكل الخازن الذي لا يزال يحافظ على ارتباط سياسي مع الوصاية السورية».

في المتن الشمالي يبين التصويت المسيحي أن «فتوى شرعية» جعلت ناخبي حزب «الطاشناق» المعروف بالتزام وعوده «يخون» النائب ميشال المر، فيحجب عنه ما يقارب عشرة آلاف صوت. وعلى رغم ذلك فاز المر ومعه سامي الجميل ليخرقا اللائحة على حساب غسان الرحباني وغسان الأشقر الذي جيّر للائحة عون ثمانية آلاف صوت، ربما ندم عليها. كذلك قد يبدي «الطاشناق» ندمهم على هذا الاصطفاف الذي أدى إلى خسارتهم أربعة مقاعد أرمنية لمصلحة فريق «14 آذار» ليكتفوا بنائبين اثنين فقط.

يوضح أبي نجم أن «العامل الثاني في انتخابات المتن الشمالي هو المجنسون، ما يظهر الجهود السورية لدعم عون ولائحته. فقد صبوا كتلة واحدة لمصلحته». ويقول: «في جزين تبرز أيضا الفتوى الشرعية التي أدت إلى قرار حزب الله الغدر بحليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري. أرقام جزين تظهر أن عدد الناخبين الشيعة تجاوز عشرة آلاف صوت. وقد أنجدت هذه الأصوات لائحة عون، ولكن بخديعة، لأن الاتفاق بين بري ونصر الله كان على منح سمير عازار أصوات الشيعة إلى جانب كل من زياد أسود وعصام صوايا. وبناء على هذا الوعد استراح بري واللائحة التي يدعمها، ليفاجأ بالنتائج».

أما في البترون فقد كان الاتجاه المسيحي معبرا بشكل لا لبس فيه. فقد كان الفارق بين لائحة عون ولائحة «14 آذار» الفائزة 3300 صوت، وهي نسبة كبيرة، لا سيما أنها استهدفت وريث عون السياسي الوزير الحالي جبران باسيل. وكأن هذه الدائرة كانت الضربة القاضية لمفهوم الزعامة العونية.