الأستاذ الجامعي يحتل المرتبة ما قبل الأخيرة من حيث الأجور في المغرب

دراسة: 70% من الأساتذة الجامعيين غير راضين عن وضعهم المهني

TT

كشفت نتائج دراسة حول «تقييم المنظومة الوطنية للبحث في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية»، قدمت أمس بالرباط، أن صورة الأستاذ الجامعي في المغرب متدهورة، فعلى صعيد الأجور يحتل المرتبة ما قبل الأخيرة، وبالضبط قبل الصحافي، وأن هذه الصورة تتدهور أكثر مع تقدم الأستاذ الجامعي في السن وحصوله على ترقية مهنية، وهذا الوضع يجعل الأستاذ يعبر عن رغبته في مغادرة الجامعة في أول فرصة تتاح له، كما أن «مكانته في تراتبية الحظوة والرفعة ليست في أحسن حال»، أما بالنسبة إلى مقياس السلطة فيأتي الأستاذ في آخر مرتبة بأضعف معدل.

وأكدت الدراسة، التي تعد الأولى من نوعها في المغرب، أن نسبة 70 في المائة من الأساتذة الجامعيين غير راضين عن وضعهم المهني، بينما 30 في المائة فقط راضون أو راضون جدا. وهذه الوضعية لها علاقة بمؤسسة التعليم، إذ يظهر أن الأدبيين هم أقل رضا من القانونيين والاقتصاديين، و«كلما صعدنا في تراتب الدرجات زاد عدم الرضا»، كما تقول الدراسة.

إلى ذلك، تعبر نسبة 71 في المائة من الأساتذة القانونيين والاقتصاديين عن رغبتهم في مزاولة المهن الحرة، أو وظيفة عالية، إذا أتيحت لهم الفرصة لمغادرة التعليم، مقابل نسبة 50 في المائة للأدبيين. وبخصوص المهن التي يرغب الأساتذة في ممارستها في حال مغادرة الجامعة، تحتل المهن الحرة الصدارة بنسبة 46 في المائة، وتشكل التجارة وإحداث مقاولة نسبة 40 في المائة، بينما المناصب العليا لا تمثل سوى نسبة 14 في المائة من طموحهم، وهذا يفسر أن الجامعيين يفضلون الابتعاد عن الوظيفة العمومية حتى وإن تعلق الأمر بالمناصب العليا. أما نسبة الأساتذة الذين يقترحون على أبنائهم اختيار مهنة الأستاذ فلا تتجاوز 15.8 في المائة.

وأوضحت الدراسة وجود ترابط بين الطبقة السوسيو ـ مهنية التي ينتمي إليها الأب، والمؤسسة التي يعمل بها الأستاذ، بحيث إن أبناء الكوادر العليا والمهن الحرة يتوجهون نحو دراسة الحقوق والاقتصاد، في حين أن أبناء الفئة العمالية وأعوان الخدمة يفضلون الآداب.

وكشف البحث أن أقل من نسبة 25 في المائة من الأساتذة الباحثين سبق لهم الاستفادة من منحة، وما يزيد عن نسبة 55 في المائة مارسوا نشاطا مهنيا خلال فترة تحضيرهم لأطروحة البحث، ونسبة 15 في المائة لجأوا إلى دعم أسرهم لإنهاء تحضير رسالة الدكتوراه.

وبخصوص الانتماء الاجتماعي كشفت الدراسة أن الأساتذة المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية الميسورة استفادوا من المنح أكثر من أبناء الفلاحين، وأكدت الدراسة حدوث تغيير في بنية الوظائف الجامعية، بحيث إن بنية المناصب تحولت لفائدة الأساتذة على حساب المساعدين والأساتذة المساعدين، وفسرت هذا «الاختلال القوي بغياب التوظيفات الحديثة»، ففي السابق كانت نسبة المساعدين والأساتذة المساعدين تشكل نسبة 94 في المائة، مقابل 6 في المائة بالنسبة للأساتذة المحاضرين والأساتذة، بينما لا تمثل الفئة الأولى حاليا إلا نسبة 36 في المائة من هيئة الأساتذة، مقابل 64 في المائة تشمل الرتبتين.

وبخصوص التوزيع الجغرافي للأساتذة الباحثين أشارت الدراسة إلى وجود تكتل حول محور الرباط ـ الدار البيضاء، مع وجود قطبين تشكلهما فاس ومراكش، وذلك على اعتبار أن المدن المذكورة تضم أقدم الجامعات، إذ تضم ما يقارب 70 في المائة من مجموع الأساتذة الباحثين في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

وفيما يتعلق بتوزيع الأساتذة حسب المؤسسات، يلاحظ أن كليات الآداب تأتي في المقدمة بنسبة 56 في المائة، تليها كليات الحقوق بنسبة 30 في المائة، ونسبة 14 في المائة تغطيها المؤسسات الأخرى غير الجامعية.

وخلصت الدراسة إلى أن برنامج المغادرة الطوعية الذي تبنته الحكومة المغربية عام 2005 بهدف ترشيد تدبير الموارد البشرية والتحكم في كتلة الأجور، والزيادة في مردودية القطاع العمومي، كان له تأثير سلبي على الإنتاج العلمي، إذ بغض النظر عن لغة النشر، فرنسية كانت أو عربية، انخفض الإنتاج بنحو الثلث، «فالأساتذة الذين يتوفرون على رأسمال سهل الاستعمال في سوق العمل الحر هم الذين يغادرون التعليم العالي».

وقدمت الدراسة عدة توصيات للنهوض بالجامعة المغربية، ودعت إلى إحداث مجلس أعلى للبحث في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، حيث تتوفر عدة بلدان على مثل هذا المجلس للإشراف على إعداد سياسات إصلاح البحث في هذا المجال. واعتمدت الدراسة التي تطلب إنجازها ثلاث سنوات، والمنجزة من طرف وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي المغربية، على استبيانات ولقاءات شارك فيها أكثر من 1700 باحث من مجموع الأساتذة الباحثين في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية البالغ عددهم 3600، ومن خلال تحليل 57 ألف إصدار، منها 30 ألف مقال، و13 ألف كتاب، و14 ألف وثيقة شملت الإنتاج المغربي خلال الفترة الممتدة من 1960 إلى 2006. وارتفع عدد أساتذة التعليم العالي في المغرب منذ نهاية عقد الستينات إلى أواخر عقد التسعينات من القرن الماضي بنسبة 2.23 في المائة، إذ انتقل من 900 إلى 2000 أستاذ.