عرض فني مزج ثقافات متعددة.. وأحياه فنانون من مختلف دول العالم بينها العراق

موسيقى الجاز في لندن تتحول إلى رسالة سلام لشعوب الأرض

العراقي أحمد مختار والمايسترو الأسترالي وارن ويلز، يؤديان معزوفة مشتركة في مسرح شو بلندن («الشرق الأوسط»)
TT

صدحت أصوات الموسيقى عاليا في مسرح شو اللندني، في ليلة ساحرة امتزجت فيها ألحان الشرق والغرب معا لتكونان معزوفة رائعة سادت خلالها أجواء الجاز.

ولم تملك أوريلي وهي فرنسية حضرت العرض في العاصمة البريطانية، إلا أن تصفه بالمدهش والرائع وأنه يختلف عن الكثير من العروض التي حضرتها في السابق.

ما ميز الحفل، الذي قاده عازف البيانو الأسترالي الشهير والمايسترو وارن ويلز، أنه قدم موسيقى الجاز مازجا إياها بموسيقى وغناء من دول من أوروبا وأميركا اللاتينية وثقافات أخرى كاليهودية والعربية. واستهل ويلز العرض الموسيقي، الذي امتد لأكثر من ساعتين، بإلقاء السلام على الحضور الذين تجاوز عددهم المائتي شخص، قائلا «السلام عليكم» بالإنجليزية والعربية والعبرية ولغات أخرى، في دعوة ضمنية إلى السلام في الشرق الأوسط خصوصا وبين شعوب الأرض بشكل عام. وكان عنوان مقطوعته الأولى «السلام عليكم»، فيما حملت المقطوعة الثانية عنوان «ما أحلم به في جيل الغد». ولعبت أنامل ويلز بخفة ورشاقة ساحرة على مفاتيح البيانو في الحفل الذي امتد لأكثر من ساعتين حاملا الحضور إلى عالم آخر من الإبداع والفن والرقي.

وقالت فرانشيسكا الان، مؤدية موسيقية شاركت ويلز في معظم حفلاته في أنحاء العالم، لـ«الشرق الأوسط» إن «من الجميل أن ترى الناس الذين تعرفهم يعملون أشياء مختلفة، فقد عملت مع وارن في كثير من عروضه الموسيقية، لكنه أمر عظيم أن ترى عرضا مختلفا هذه الليلة عبر الاندماج بين الثقافات المختلفة من خلال الموسيقى». وقالت فرانشيسكا إن «وارن دمج الموسيقى من دول وثقافات مختلفة وأظهرها بصورة مغايرة من خلال حقنها بمعزوفات مختلفة مثلما مزج أنغام البيانو بالعود العربي، إن ذلك بدا مدهشا حقا»، وأضافت بسرور أن «هذا أمر فريد من نوعه، فإن بإمكاننا أن نذهب لبلد آخر للاستماع لموسيقاهم عبر آلاتهم الموسيقية الخاصة، لكن أن تمزجهم معا في عرض واحد فهذا فريد حقا». وأضافت أنها «فكرة رائعة أن تكون الليلة ليست مناسبة ثقافية فحسب بل إنها رسالة للسلام في العالم عبر الموسيقى، وكل عشاق الموسيقى ستصلهم هذه الرسالة».

أحمد مختار، عازف العود العراقي المعروف، عد نفسه رسولا للعرب ولمنطقة الشرق الأوسط في الحفل، فقد كان الفنان العربي الوحيد الذي أغنى الحفل بموسيقاه التي شدت الحضور إليه كثيرا ونالت استحسانهم بشكل ملحوظ. مختار كان أول ضيوف ويلز الذي دعا عازفين ومغنين من بريطانيا وفرنسا وجامايكا ودول أخرى. وعزف مختار بشكل منفرد مقطوعتين إحداهما «نخل السماوة» وهي من تراث الغناء العراقي الأصيل لكن بتوزيع آخر، والثانية «إسبانيا» وهي عبارة عن حوار بين آلة العود والغيتار، مؤديا المقطوعتين بطابع الجاز العربي. ثم عزف مع ويلز مقطوعة مشتركة اعتبرها كثير من الحضور بأنها كانت الأروع، عندما صاحبت أنغام البيانو موسيقى العود بشكل فريد جمعا فيه الشرق والغرب معا. وقال مختار لـ«الشرق الأوسط» إن «من حسن حظي أني درست الموسيقى الغربية وأجيد مداخلها، فقد كانت هناك نقاط تلاق كثيرة في العزف بين العود والبيانو». وأضاف مختار، الذي يقيم في لندن، لقد «ألفت القطعة الموسيقية بحكم دراستي للهارموني وتعددية الأصوات في دول عدة آخرها بريطانيا، وقد كتبت بعض النوتات المرافقة لكنها ليست لحني الأساسي بل لحنا ثانيا مرافقا وهو الهارموني». وقال مختار لقد «منحت ويلز حرية تغيير ما يشاء في القطعة الموسيقية، فإن لديه جذورا في الموسيقى الشرقية، لدرجة أن تدريباتنا معا لم تستغرق وقتا طويلا بسبب اتفاقنا».

واختتم مختار، الذي أحيا عشرات الحفلات الموسيقية وشارك في مهرجانات في لندن والعديد من الدول الأوروبية، بالقول «نحن في العراق الأحوج لدعوات السلام والمحبة، فأحاول دائما أن أطرح وجهة بيضاء للشعب العراقي بأن لدينا ثقافة وشعرا وموسيقى، وعندما يسألونني عن العود أقول لهم إنها آلة قديمة جدا عمرها 5000 سنة أي منذ حضارة بابل، فيفاجأون بذلك لأنها ربما أقدم من بريطانيا ذاتها». ضيف آخر مميز كان مغني الجاز العالمي الشهير بيتر سترايكر الذي أدى ثلاث أغنيات هي «أغنية الألباما» و«أين الحب» و«كم أنا أحمق»، وصاحبه فيها ويلز على آلة البيانو. وقال سترايكر، الجامايكي الأصل، لـ«الشرق الأوسط» لقد «استمتعت جدا بالمشاركة في إحياء حفل الليلة، إن وارن مديري الفني وقد عملنا لسنوات طويلة وعندما عرض علي فكرة العمل وافقت على الفور».

وقال سترايكر حول دوافع الحفل والدعوة للسلام إن «في الوقت الذي تحول فيه العالم إلى قرية صغيرة ونستطيع أن نسافر إلى أي مكان بوقت قصير، غير أننا نتباعد يوما بعد يوم»، وأضاف حول الصراع في منطقة الشرق الأوسط أن «الناس قد يختلفون فيما بينهم، لكن يجب أن لا يصل الأمر لحد القتل، يجب أن تنتهي الحرب.. إن استمرارها أمر محزن حقا».