القادة العراقيون يتجنبون الإشارة إلى أميركا في اجتماع لبحث الانسحاب

لقاء المالكي بالقادة العسكريين ذكر باجتماعات صدام مع ضباطه مديح وقصائد.. و«سيدي»

نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي يتوسط وزيري الدفاع عبد القادر العبيدي والداخلية جواد البولاني قبيل اجتماع مع القادة الأمنيين أول من أمس (رويترز)
TT

عقد القادة العراقيون المدنيون اجتماعاً أول من أمس مع 300 من كبار القادة العسكريين العراقيين من شتى أرجاء البلاد لمناقشة انسحاب القوات الأميركية من المدن في موعد أقصاه 30 يونيو (حزيران). وخلال الاجتماع، لم يكد يرد ذكر الولايات المتحدة.

خلال الاجتماع، قال رئيس الوزراء، نوري المالكي، إن: «القوات الأجنبية مضطرة إلى الانسحاب من المدن على نحو كامل. ويعد هذا نصراً تنبغي إقامة الأعياد والاحتفالات ابتهاجاً به». كانت تلك المرة الأولى التي يجتمع فيها مثل هذا الحشد الكبير من القادة العسكريين في بغداد لمقابلة المالكي، الذي عمد خلال الشهور الأخيرة إلى التصرف باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهي وظيفة لم يرد ذكرها في الدستور العراقي. جدير بالذكر أنه خلال التعليقات التمهيدية التي ألقاها، أشار وزير الدفاع مراراً إلى المالكي بقوله: «سيدي» و«القائد الأعلى»، وكذلك فعل المتحدثون الآخرون. وقد دعي مراسلون عراقيون وأجانب لحضور الاجتماع، لكن لدى وصول مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى، أخبره لواء من مكتب القائد الأعلى التابع للمالكي أن عليه الرحيل. وقال له اللواء: «نعتذر لك، لكن هذا اجتماع عراقي وأنت غير مدعو لحضوره». وامتنع كلا المسؤولين العسكريين عن الإفصاح عن اسميهما. في بداية الاجتماع، ألقى وزير الدفاع، عبد القادر جاسم العبيدي، خطبة افتتاحية تناول خلالها التقدم الذي أحرزته القوات الأمنية العراقية قبل الانسحاب الأميركي. وقال: «اعتاد بعض الناس القول بأن العراق ليس شيئاً سوى المنطقة الخضراء، والتي يمكن أن تنهار في أي وقت. وكانت الدماء تتدفق في شوارع بغداد». واستطرد قائلا إن القوات العراقية تسيطر حالياً على الوضع على نحو جيد لدرجة أن مئات القادة أصبحوا قادرين على الوفود إلى العاصمة بصورة آمنة. والملاحظ أن وزير الدفاع تجنب أي ذكر للأميركيين أو القوات متعددة الجنسيات أو حتى «القوات الأجنبية». في هذا الصدد، أكد عقيد بالشرطة الوطنية، كريم عوده، أنه: «رغم عدم ذكر الأميركيين، فإن هذا الاجتماع برمته دار حولهم». وقال العميد كريم فلحان: «يكشف ذلك أن بإمكاننا التعامل مع الأمر بأنفسنا الآن، وأن باستطاعتنا تولي السيطرة». جدير بالذكر أن بعض الضباط العسكريين الأميركيين أعربوا عن قلقهم خلال الفترة الأخيرة إزاء تنامي الشعور بثقة مفرطة في صفوف القيادات السياسية العراقية. والمعروف أن القوات الأمنية العراقية لا تزال تعتمد بدرجة كبيرة على الجانب الأميركي فيما يتعلق بكل من الجانب اللوجستي والدعم الفني، وفي الكثير من المجالات، والتدريب. ويشعر الضباط بالقلق من أن رئيس الوزراء لم يهييء الرأي العام العراقي لمسألة استمرار وجود الأميركيين داخل المدن كمدربين ومستشارين، وكذلك قوات دعم، إذا طلب منهم ذلك، حسبما أفاد ضابط رفيع المستوى طلب عدم الكشف عن هويته. ومن الواضح أن حرص المالكي على تجنب ذكر قضية استمرار اعتماد حكومته على الجانب الأميركي لا يعدو كونه تكتيكا سياسيا في إطار استعداداته لخوض الانتخابات الوطنية العراقية في يناير (كانون الثاني). ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن هذا الأمر لا يعكس أي كراهية شخصية من جانبه تجاه الأميركيين. وفي إطار مقابلة أجريت معه لاحقاً، قال قائد القوات الجوية العراقية، اللواء أنور حمه أمين، إن إعادة بناء القوات الجوية سيستغرق فترة أطول بكثير عن الفترة التي تنوي واشنطن بقاءها في العراق وتبلغ عامين ونصف العام. وأضاف: «بناء قوة جوية يتطلب برنامجاً طويل الأمد. ولا يمكنني تقدير الفترة الزمنية التي سنستغرقها حتى نصبح قادرين على السيطرة على مجالنا الجوي دون دعم أميركي». والملاحظ أن اجتماع القادة العراقيين سالف الذكر لم يرد به ذكر أي من هذه التحفظات. ومع ذلك، حذر المالكي الضباط من الاستكانة في إطار قتالهم ضد فلول الإرهابيين. وقال: «سيحاولون تعزيز تهديدهم مع انسحاب القوات الأميركية من المدن»، وكانت تلك الإشارة الوحيدة للولايات المتحدة على امتداد 61 دقيقة من الخطابات التي تناولت الانسحاب. وأضاف المالكي: «ستزداد هذه العمليات الإرهابية مع شقنا طريقنا نحو الانتخابات». يذكر أن الاجتماع عقد في فندق «الرشيد». وانقطعت الكهرباء عن قاعة الاجتماع مرتين. وفي إطار مقابلة أجريت معه خارج الاجتماع، قال وزير الداخلية، جواد البولاني، الذي لم يرد بخطابه ذكر القوات الأميركية، إن الاجتماع أقيم فقط لرغبة القيادات العراقية تهنئة القادة العسكريين العراقيين. وأضاف: «كانت تلك فرصة لأن يلتقي القادة العسكريون زعماءهم، بما يرفع من روحهم المعنوية ويعزز من معنوياتهم. وما يزال أمام القوات الأميركية دور كبير للغاية للاضطلاع به، وقد قدموا الكثير من التضحيات للمساعدة في تحقيق الأمن والاستقرار بهذه الأرض». جاء النهج العام للاجتماع مشابهاً من وجهة نظر الكثيرين لاجتماعات أخرى كان يعقدها صدام حسين مع قادته العسكريين، وكانت تشهد إلقاء خطب تملق وثناء عليه، علاوة على استخدام كلمة «سيدي» عند مخاطبته، وقيام شاعر وطني بإلقاء قصائد. وبالنسبة لاجتماع يوم الخميس، دارت القصيدة حول التنديد بالإرهاب. قبيل إدلاء المالكي بخطبته، ارتفعت أصوات انفجار كبير على الضفة المقابلة من نهر دجلة. وشهدت العاصمة ثلاثة تفجيرات أخرى على الأقل يوم الخميس، بينها تفجير تم تنفيذه باستخدام عبوة ناسفة اعتمدت على تقنية إيرانية زرعت على جانب الطريق. وقع هذا التفجير في خضم جولة صحافية عسكرية بمدينة الصدر لتوضيح إجراءات تفكيك محطة أمنية عراقية ـ أميركية. أسفر الانفجار عن تدمير المركبة الأولى في القافلة، ما تسبب في مقتل عراقي تصادف وجوده بالمكان وجرح آخر، طبقاً لما أعلنه ميغور جيفري نورمان، أحد أعضاء القافلة. وتعرض جندي أميركي لإصابات طفيفة. ولم يصب أي شخص آخر داخل المركبة، التي تنتمي لطراز يعرف باسم MRAP، وهي مضادة للألغام الأرضية وتتميز بحماية ضد الكمائن. من ناحيته، كان بريغادير جنرال ستيفين لانزا، المتحدث الرسمي باسم المؤسسة العسكرية الأميركية واضحاً في شرحه الأسباب التي دفعته لدعوة المراسلين لمعاينة إغلاق المحطة، حيث قال: «أردنا أن تشاهدوا أننا ننتقل إلى خارج المدينة».

* خدمة: «نيويورك تايمز»