الفرق بين الصكوك والسندات

لاحم الناصر

TT

أدى إطلاق هيئة السوق المالية في المملكة العربية السعودية، للسوق الثانوية لتداول الصكوك والسندات، إلى صدور العديد من الفتاوى والتصريحات من بعض المشايخ الفضلاء، حول بيان حرمة إنشاء سوق للسندات وحرمة التعامل فيها. وقد كانت هذه الفتاوى والبيانات في غالبها غير مكتوبة، ومن ثم كان ينقصها الكثير من التفصيل. كما تداول الكثير من الناس رسائل عبر الجوال، تنقل فتوى مجمع الفقه الإسلامي حول السندات، وقد ورد في قرار المجمع الخاص بالسندات مصطلح الصكوك، الذي لا يراد به الصكوك المعروفة اليوم، التي هي البديل عن السندات المحرمة شرعا. وقد أدت هذه التصريحات والرسائل، التي لم تراع كون أن السوق الثانوية لتداول الصكوك والسندات، التي أطلقت لا يتداول اليوم فيها سوى صكوك متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، أقرت هياكلها ومستنداتها من قبل هيئة شرعية، تتكون من العديد من المشايخ الفضلاء، ومنهم من يتمتع بعضوية هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وعضوية مجمع الفقه الإسلامي. فقد أدى ذلك إلى حصول لبس لدى عامة الناس في حكم تداول هذه الصكوك، فرغب إلي بعض الإخوة إزالة هذا الإشكال ببيان الفرق بين السندات والصكوك وحكم كل منها. فأقول وبالله التوفيق، إن الفرق بين السندات والصكوك يتبين من تعريف كل منهما، وبيان خصائصهما، فالسندات هي «أوراق مالية تعتبر أداة دين يتمتع حاملها بسعر فائدة معلن، مضافا إليه القيمة الاسمية في نهاية فترة الاستحقاق، وتعطي حاملها الأولوية في اقتضاء قيمتها في حال إفلاس المصدر». فالسند وثيقة تثبت مديونية مصدرها لمالكها أو حاملها، مع تعهد ذلك المصدر بدفع فائدة دورية في تواريخ محددة لحاملها، مع دفع القيمة الاسمية لها في تاريخ محدد يسمى تاريخ الاستحقاق. أما الصكوك فهي «وثائق أو شهادات مالية متساوية القيمة، تمثل حصصا شائعة في ملكية موجودات (أعيان أو منافع أو حقوق أو خليط من الأعيان والمنافع والنقود والديون) قائمة فعلا أو سيتم إنشاؤها من حصيلة الاكتتاب، وتصدر وفق عقد شرعي وتأخذ أحكامه. ومن هنا يتبين لنا الفرق بين السندات والصكوك، فالسند إثبات دين أما الصك فهو إثبات ملكية، كما أن حامل السند يستحق فائدة ثابتة بغض النظر عن خسارة المصدر أو ربحه، في حين أن العائد على الصك مرتبط بالأصول المكونة للصك، والعقد الشرعي الذي يحكم العلاقة بين المصدر وحملة الصكوك.

ويتم إطفاء السند في تاريخ استحقاقه بالقيمة الاسمية، في حين يكون إطفاء الصك بقيمته السوقية، أو بالقيمة التي يتفق عليها في حينه، أو بالقيمة العادلة، ومن هنا جاء قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 60 (11/6) بشأن السندات ونصه «إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية، من 17 ـ 23 شعبان 1410 الموافق 14 ـ 20 مارس (آذار) 1990م، بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في ندوة «الأسواق المالية» المنعقدة في الرباط 20 ـ 24 ربيع الثاني 1410هـ، الموافق 20 ـ 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1989م، بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية، وباستضافة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، وبعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق، مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند، أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغا مقطوعا أم حسما، قرر ما يلي:

أولا: إن السندات التي تمثل التزاما بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعا من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول، لأنها قروض ربوية، سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة. ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكا استثمارية أو ادخارية، أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحا أو ريعا أو عمولة أو عائدا.

ثانيا: تحرم أيضا السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضا يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها حسما لهذه السندات.

ثالثا: كما تحرم أيضا السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضا اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين، أو لبعضهم لا على التعيين، فضلا عن شبهة القمار.

رابعا: من البدائل للسندات المحرمة ـ إصدارا أو شراء أو تداولا ـ السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين، بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع، وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك، ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلا. ويمكن الاستفادة في هذا من الصيغة التي تم اعتمادها بالقرار رقم 30 (5/4) لهذا المجمع بشأن سندات المقارضة». أما الصكوك فقد صدر عن المجمع العديد من القرارات التي تفيد بإباحة إصدارها وتداولها وفق الشروط الواردة في هذه القرارات، منها القرار الوارد أعلاه بخصوص صكوك المقارضة (المضاربة) والقرار رقم 137 (15/3) بشأن صكوك الإجارة، والقرار رقم 178 (19/4) بشأن الصكوك الإسلامية (التوريق) وتطبيقاتها المعاصرة وتداولها. وهو آخر ما صدر من قرارات من المجمع بهذا الشأن، ومن هنا يتبين لنا الفرق بين السندات والصكوك من حيث جواز الإصدار والتداول. والله من وراء القصد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]