قاوم الإصلاحيون الإيرانيون الضغوط التي تمارسها السلطات عليهم، وصعدوا حملتهم ضد نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أُعلن الرئيس محمود أحمدي نجاد فائزا بها. وانضمت، أمس، مجموعة مرموقة من رجال الدين في قم إلى المعارضين لنتائج هذه الانتخابات، وكذلك علي رضا بهشتي، 46 عاما، نجل أحد أبرز رموز الثورة الإيرانية، الذي طالب البرلمان بإلغاء نتيجة الانتخابات الرئاسية. في الوقت ذاته نشر المرشح الرئاسي الخاسر مير حسين موسوي تقريرا جديدا من 25 صفحة على موقعه الإنترنتي، فصل فيه «عمليات التزوير» في الانتخابات، وأبرزها طباعة 20 مليون بطاقة انتخابية إضافية، وتوزيع أموال نقدية على الناخبين.
وجاء الدعم لموسوي من هذه الأطراف، خاصة من رجال الدين الإصلاحيين في قم، في وقت حساس لموسوي الذي اتهم مع داعميه، بما في ذلك الرئيس الأسبق محمد خاتمي، من صحيفة «كيهان» أول من أمس، بأنهم عملاء أجانب.
وقال علي بهشتي، وهو حليف لموسوي والنجل الأصغر لآية الله حسين بهشتي، أحد أبرز رموز الثورة في 1979، وكان رئيس السلطة القضائية بعد الثورة وقتل في تفجير عام 1981، إنه يأمل أن يستجيب البرلمان إلى رغبة أغلبية ناخبيه ويصدر تشريعا يعزل فيه الرئيس محمود أحمدي نجاد. ونُشرت تعليقات بهشتي على موقع موسوي.
وأيضا قال مهدي كروبي، المرشح الرئاسي الخاسر الثاني، إنه سيواصل المعركة رغم الصعوبات المتوقعة في الطريق. ونقل موقعه الإلكتروني أمس تصريحاته التي أدلى بها خلال لقاء مع أنصاره مساء السبت، وأشار فيها إلى أن كثيرا من النواب في البرلمان، بما في ذلك محافظون، لا يؤيدون المرشح الفائز، في إشارة إلى أحمدي نجاد.
وفي قم احتجت مجموعة من رجال الدين الإصلاحيين البارزين على نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 يونيو (حزيران) وفاز فيها رسميا الرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد.
وفي معرض انتقاد تثبيت نتائج الانتخابات من قبل مجلس صيانة الدستور، أكدت الجمعية الإيرانية للمدرسين والباحثين في مدرسة قم الدينية، أن هذه الهيئة وبسبب اتخاذ أعضاء فيها مواقف لصالح الرئيس أحمدي نجاد قبل الانتخابات الرئاسية ««لا يحق لها أن تحكم على الانتخابات»، حسب ما جاء في بيان أصدرته الجمعية. ومجلس صيانة الدستور، الذي يضم 12 عضوا، بينهم المتحدث باسم الحكومة غلام حسين الهام، مكلف بالإشراف على الانتخابات العامة والموافقة على نتائجها.
وقالت الجمعية إن المجلس لم يأخذ في الاعتبار «الشكاوى والأدلة الدامغة التي قدمها المرشحون» ولا سيما مير حسين موسوي، ومهدي كروبي، اللذين يدعمهما الإصلاحيون الذين نددوا بحصول مخالفات وعمليات تزوير أثناء الانتخابات الرئاسية.
وانتقدت الجمعية أيضا قمع التظاهرات الذي أودى بحياة عشرين شخصا على الأقل، والتوقيفات المتعددة لمتظاهرين وكذلك لسياسيين ومحللين وصحافيين.
وأضاف البيان «في مناخ أمني، جاء الرد بالعنف على الصوت المسالم للشعب الذي طالب بالعدالة، وللأسف قتل عشرات الأشخاص أو جرحوا، واعتقل مئات آخرون بصورة غير قانونية». وتساءل رجال الدين الإصلاحيون: «كيف يمكننا في هذه الظروف قبول شرعية انتخابات لأن مجلس صيانة الدستور قال ذلك فقط؟.. وكيف يمكننا التأكيد أن حكومة ولدت بعد هذا الكم من المخالفات هي حكومة شرعية؟».
وكان زعيم المعارضة مير حسين موسوي التقى أعضاء الجمعية يوم الاثنين، وأطلعهم على العملية الانتخابية التي اعتبرها غير شرعية. وتعتبر جمعية العلماء والباحثين في الحوزة العلمية معتدلة وذات توجه إصلاحي، ولكنها لا تتمتع بنفس نفوذ الجمعيات المحافظة.
وفي إطار حملة الإصلاحيين، نشر مير حسين موسوي تقريرا جديدا من 25 صفحة للتنديد بـ«عمليات التزوير» في الانتخابات التي فاز فيها الرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد، بحسب موقع الحملة الانتخابية لمرشح المعارضة «قلم نيوز».
وفي هذا التقرير، الذي أعدته لجنة حماية أصوات موسوي، اتهم أحمدي نجاد بأنه استخدم بشكل كبير وسائل الدولة في حملته. وأخذ عليه أيضا توزيع المال، خصوصا لضمان تصويت الناخبين المتحدرين من الطبقات الشعبية.
ويتهم التقرير أيضا وزارة الداخلية المكلفة بتنظيم الانتخابات بالانحياز وكذلك مجلس صيانة الدستور المكلف بالإشراف على العملية الانتخابية، مؤكدا أن المؤسستين تحت إشراف أصدقاء الرئيس أحمدي نجاد السياسيين.
وبحسب التقرير، فإن أعضاء مجلس صيانة الدستور دعموا الرئيس المنتهية ولايته علنا قبل وخلال الحملة الانتخابية.
ويندد التقرير أيضا بتدخل الحرس الثوري والباسيج (الميليشيا الإسلامية) في الانتخابات. وقال التقرير أيضا إن مسؤولين في الحرس الثوري والباسيج دافعوا عن المرشح أحمدي نجاد بشكل علني.
واتهمت لجنة موسوي الرئيس أأحمدي نجاد بأنه وضع رجالا في وزارة الداخلية التي كانت مكلفة بجمع النتائج. وتساءلت كذلك: لماذا طبعت وزارة الداخلية 14 مليون بطاقة اقتراع إضافية عن تلك المتوقعة لـ46 مليون ناخب محتمل، بما فيها بطاقات لا تحمل «رقما تسلسليا»؟.
وأخيرا، أكد التقرير أن «التصويت لأحمدي نجاد في 2233 مكتب اقتراع من أصل ما مجموعه 45713 مكتبا في جميع أنحاء البلاد، يتجاوز نسبة 95%».
وبلغ عدد بطاقات الاقتراع التي وضعت داخل صناديق التصويت مليونا و262 ألفا و226، من أصل ما مجموعه 39 مليون بطاقة اقتراع في جميع أرجاء البلاد. وبحسب النتائج الرسمية، حصل أحمدي نجاد على 63% من الأصوات مع 5.24 مليون صوت.
وفي رأي محللين، مثل عباس ميلاني مدير برنامج الدراسات الإيرانية في جامعة ستراتفورد، أن موقف رجال الدين الإصلاحيين في قم هو أهم شرخ في المؤسسة الدينية الإيرانية منذ 30 عاما، وكان جزء كبير من هذه المؤسسة قد ظل صامتا بعد إعلان نتائج الانتخابات، ولكن بيان الجمعية التي أسست في عهد مؤسس الثورة آية الله خميني، يعني أنها اختارت أن تقف إلى جانب الإصلاحيين. وتضم الجمعية إصلاحيين، لكن المراقبين السياسيين حسب «نيويورك تايمز» يقولون إنها مستقلة، ولم تساند أي مرشحين في الانتخابات الأخيرة. وكانت الجماعة قد أصدرت بيانا سابقا طالبت فيه بتفحص النتائج، لكنها لم تذهب أبدا إلى حد التشكيك في شرعية الحكومة، وبالتالي الوقوف ضد مرشد الجمهورية علي خامنئي.
وقال محلل إيراني إن أهمية بيان مثل هذا تتمثل في أنه حتى وسط المؤسسة الدينية فإن هناك من يرفض الاعتراف بنتيجة الانتخابات التي أعلنها مرشد الجمهورية، وبينما تستطيع الحكومة أن تضغط على المرشحين الرئاسيين الثلاثة المحتجين فإنها لا تستطيع أن تستخدم التكتيك نفسه في قم. ولكن الأمر الذي يمثل تهديدا أكبر لمرشد الجمهورية، علي خامنئي، هو دعوة الجمعية الدينية في قم رجال الدين الآخرين للانضمام إلى الحملة التي تطالب الحكومة بالتحقيق في تزوير الانتخابات ومقارنتها الـ20 الذين قتلوا خلال الاحتجاجات بـ«شهداء» الثورة الذين قتلوا في الأيام الأولى للثورة وخلال الحرب العراقية ـ الإيرانية.
على جبهة المحافظين قال التلفزيون الإيراني، إن رئيس السلطة القضائية في إيران طالب أمس، بمحاكمة العاملين لحساب قنوات تلفزيونية، ومواقع متزايدة النفوذ على شبكة الإنترنت، مناهضة للمؤسسة الإيرانية.
ونقلت المحطة عن نشرة أصدرها آية الله محمود هاشمي شهرودي، قوله إن النمو اليومي لمحطات التلفزيون الفضائية ومواقع الإنترنت المعادية للنظام، يحتاج إلى إجراءات جادة لمواجهة هذه الظاهرة. وقال هاشمي شهرودي، «أولئك الذين يتعاونون مع مثل هذه المواقع على الإنترنت والقنوات التلفزيونية سيواجهون المحاكمة». ولعبت القنوات التلفزيونية الفضائية خصوصا تلفزيون الخدمة الفارسية لهيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي» والمدونات للمرة الأولى في إيران دورا كبيرا في تقديم الأخبار والتعليقات عن الانتخابات.
ويتعامل ما يزيد على 23 مليون شخص في إيران، التي يبلغ عدد سكانها 70 مليون نسمة، مع شبكة الإنترنت، ويحوز ما يزيد على 45 مليون شخص هواتف جوالة.