يكشف الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي أعدم نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2006 في وثائق سرية، أفرج عنها الأرشيف القومي الأميركي الأربعاء الماضي، خفايا كثيرة عن حروبه وأيامه الأخيرة في الحكم وحتى اعتقاله وظروفه في السجن. والوثائق التي تواصل «الشرق الأوسط» نشرها عبارة عن محاضر 20 استجوابا رسميا وخمس محادثات عادية أجراها جورج بيرو، وهو محقق من مكتب المباحث الفيدرالية الأميركية «إف بي آي»، للرئيس السابق ما بين 7 فبراير (شباط) و28 يونيو (حزيران) 2004. وفي الحلقات اليوم يتحدث صدام حسين عن فترة توليه الرئاسة من سلفه الرئيس أحمد حسن البكر. قائلا إنه كان يشعر بأنه قريب منه، وأن اختياره ليكون رئيسا جاء بطلب منه فيما يشبه الاجتماع العائلي. وقال إن الرئيس البكر كان يعاني من مشاكل صحية بداية عام 1973، من بينها بعض المشاكل في القلب. وعلى الرغم من ذلك، بذل الرئيس البكر وسعه لتأدية مهامه بأفضل ما يستطيع. ومن حين لآخر، كان البكر يقول لصدام إنه يجب أن يتقاعد وإنه لم يعد يستطيع القيام بمهامه كرئيس. وكان صدام يريد أن يبقى البكر رئيسا لأطول فترة ممكنة، ووصفه بأنه «شخص لطيف». لكن في عام 1979 اتصل البكر بصدام وطلب مقابلته في مكتبه داخل القصر الرئاسي. وفي هذا الاجتماع، قال البكر لصدام إنه لم يعد يريد أن يبقى رئيسا ولا يشعر بأنه يستطيع ذلك، وطلب البكر من صدام أن يتولى مهامه. وتحدث صدام عن غزوه للكويت، وأفاد بأنه بعد الحرب مع إيران بين عامي 1980 و1988 كان العراق يحاول إعادة بناء نفسه. وشبه صدام الموقف مع الكويت بما يحدث عندما يتشاجر أحد الأشخاص مع شخص آخر. فبعد الشجار يذهب كل طرف إلى سبيله. ولذا، فقد كان أحد الطرفين اللذين كان بينهما شجار في الماضي يرغب في القتال، وكذلك كان الطرف الآخر. فلم يكن هناك مفر من القتال مرة أخرى. وقال إنه حذر الكويت مرارا من أنها إذا لم تكف عن التدخل في شؤون العراق سيجعل دينارها يساوي 10 فلسات. وقال صدام إنه عندما تمت مواجهة الكويت بالحقائق الخاصة بسرقة النفط العراقي باستخدام الحفر العميق، اعترفوا بأنهم أخذوا «مليارين ونصف المليار برميل فقط»، وقد ذكروا هذه الحقيقة وكأنها شيء لا أهمية له. وأفاد صدام بأنه قبل غزو الكويت، كان هناك اجتماع لمجلس قيادة الثورة العراقي، حيث تمت مناقشة الموضوع. وقال إنه ربما عارض عضو أو اثنان فكرة الغزو، لكنه لم يتذكر هذين العضوين على وجه الخصوص. ولم يتذكر إذا كانت الأغلبية أو جميع أعضاء مجلس قيادة الثورة قد وافقوا على اتخاذ عمل عسكري. وأفاد صدام بقوله: «لقد كنت ضد الهجوم إذا كان هناك حل آخر».
* صدام: البكر كان يشعر بأنه قريب مني.. وتم اختياري رئيسا بطلب منه وفي ما يشبه الاجتماع العائلي
ـ قال إن مؤامرة 1979 تمت مع سورية لمنعه من تولي الرئاسة وأنهت مناقشات حول مشروع وحدة
ـ محضر جلسة الاستجواب الثامنة 20 فبراير (شباط) 2004
* قبل بدء المقابلة، قيل لصدام إن هذه الجلسة سوف تكون استكمالا لجلسات نقاش ثلاث سابقة وستركز على صعود صدام إلى الرئاسة.
بداية في عام 1973، بدأ الرئيس العراقي (أحمد حسن) البكر يعاني من مشاكل صحية، وكانت من بينها بعض المشاكل في القلب. وعلى الرغم من ذلك، فإن الرئيس البكر بذل وسعه لتأدية مهامه بأفضل ما يستطيع. ومن حين لآخر، كان البكر يقول لصدام إنه يجب أن يتقاعد، وأنه لم يعد يستطيع القيام بمهامه كرئيس. ولا يعرف صدام ما إذا كان البكر قد قال ذلك إلى آخرين من قيادات حزب البعث. وقال صدام إن البكر كان يشعر «بأنه قريب من صدام».
وفي هذه الفترة، فكر صدام بجدية في ترك الحكومة مع البقاء في الحزب، وكان السبب الرئيسي الذي جعله يريد ترك الحكومة مرتبطا بالإطاحة بحكومة البعث في عام 1963. وكان صدام يعتقد أن هذه الإطاحة وقعت لأن قيادات الحزب ركزت على الحكومة ونسيت الحزب. ولم يكن صدام يحب «السلطة» ولا موقعه في الحكومة، وعندما انضم إلى ثورة 1968، كان ينوي عدم البقاء في الحكومة، وكان صدام قد خطط للبقاء، مشاركا فقط، داخل خلايا الحزب في المستويات الأقل، وفي هذا الوقت كان يعتقد أنه من «المخجل» الخدمة داخل الحكومة، وحتى هذا اليوم ما زال صدام لا يحب الحكومة، ولكنه يحب الشعب والحزب، ويعتقد بأنه من الصعب على الحكومة أن تحكم بنزاهة. ولاحظ صدام أشخاصا وصفهم بأنهم «طيبون ومهذبون» قبل الخدمة في الحكومة، ولكن أصبحوا على النقيض بعد تعيينهم في مناصب حكومية.
وبعد ثورة 1968، تم تشكيل مجلس قيادة الثورة، وتولى هذا المجلس الحكم، ومع ذلك لم يتم الإعلان عن مجلس قيادة الثورة إلا بعد ذلك بعام في 1969. ولم يكن أعضاء المجلس، باستثناء الأعضاء العسكريين، معروفين أو «يريدون أن يكونوا معروفين»، ولهذا السبب تم تأجيل الإعلان عن مجلس قيادة الثورة، و«اضطر» صدام إلى تولي موقع قيادي في مجلس قيادة الثورة، وسأل أعضاء في الحزب صدام هل يريد للثورة أن تفشل، في إشارة إلى أن ذلك سوف يحدث دون مشاركته، وأن مسؤوليته هو أن يكون زعيما في الحزب. وكان صدام يريد أن يبقى البكر رئيسا لأطول فترة ممكنة، ووصفه بأنه «شخص لطيف». ولكن في عام 1979 اتصل البكر بصدام وطلب منه مقابلته في مكتبه داخل القصر الرئاسي. وفي هذا الاجتماع، قال البكر لصدام إنه لم يعد يريد أن يبقى رئيسا، ولا يشعر بأنه يستطيع ذلك، وطلب البكر من صدام أن يتولى مهامه، وقال له إنه إذا كان لا يريد «الطريقة المعتادة» للتعيين رئيسا، فإنه سوف يستخدم الإذاعة ليعلن أن صدام أصبح رئيسا. وقال صدام للبكر إن هذه الطريقة للإعلان عن خليفته لن تكون في صالح البلاد أو الشعب أو الحزب. وسوف يظن من هم في الخارج، أو الأجانب، أن هناك خللا ما داخل العراق، ولذا طلب من طارق عزيز تجهيز إعلان بخصوص تغيير القيادة. وعقد اجتماع لمجلس قيادة الثورة في يوليو (تموز) 1979، وصدام غير متأكد هل دعا هو أم الرئيس البكر لهذا الاجتماع.
وخلال الاجتماع وضح البكر لأعضاء مجلس قيادة الثورة أنه كان قد خطط للتنحي منذ 1973، وأوضح للأعضاء أن صدام جاهز لتولي الرئاسة. ووصف صدام الاجتماع بأنه كان «يشبه اجتماعا عائليا». وكانت هناك الكثير من المشاعر ومنها مشاعر الحزن، وتم تنفيذ عملية نقل الرئاسة إلى صدام طبقا للدستور، وقال صدام إنه تم إجراء تصويت، ولكنه لا يتذكر ما إذا كان تم عن طريق الاقتراع السري أم برفع الأيدي، واختير صدام أمينا عاما للحزب ورئيسا للعراق. وعندما سئل عما إذا كان قد لاحظ أي تغيرات في نفسه بعد تولي الرئاسة، قال صدام «لا». وقال إنه أصبح «أقوى وأقرب إلى الشعب».
وردا على سؤال عما كان يعتقد بأنه سيحدث لو سمح له بترك الحكومة، قال صدام إنه كان سيصبح شخصا عاديا، ربما مزارعا، ولكن كان سيستمر عضوا في الحزب، وفي حضور اجتماعات الحزب.
وأشار المحقق إلى رأيه الشخصي بأنه كان من الصعب تصور صدام مزارعا. وقال صدام إنه كان يخشى من أن يصبح شخصية عامة، وأن وضعه والتزاماته تغيرت، واكتسبت سمة شخصية تقريبا. ولاحظ أنه عندما كان رئيسا، كان يرى أن الآلاف من الناس قريبون منه. ولم ينتخب الناس صدام حتى 1995، ولكن يشير صدام إلى أن «الثورة أحضرتني». وبعد 1995 و2002، قام الناس في الواقع بالتصويت له وانتخابه، وبعد الانتخابات أصبحت علاقته بالشعب أقوى، وأصبح صدام يشعر بأن لديه التزاما تجاه هؤلاء الذين انتخبوه. ولم يكن صدام ملتزما أمام الناس بحكم القانون وحسب، ولكن أيضا «أمام الله».
وسئل صدام هل دعمه مجلس قيادة الثورة بالكامل ليصبح رئيسا خلال الاجتماع الذي أعلن فيه البكر استقالته، ورد أنه لم يكن هناك شيء أو شخص ضد أن يصبح هو الرئيس، وبصورة أخلاقية وبدافع الاحترام، طلب البعض من البكر البقاء رئيسا، ولكن لم يسمح البكر لما رأوه بأن يؤثر على قراره النهائي، ورأى صدام أن قرار البكر كان نهائيا لأنه نفسه لم يستطع إقناع البكر بالبقاء رئيسا.
وأشار المحقق إلى تقارير تقول إنه كان هناك على الأقل شخص خلال الاجتماع شكك في تقاعد البكر، وقال إن اختيار صدام يجب أن يحظى بالإجماع: محيي عبد الحسين المشهدي. وقال صدام إن هذه المعلومة غير صحيحة، فقد كان هناك نقاش حول استقالة البكر وليس حول عملية اختيار صدام، وعرض البعض أن يتولى بعضا من مهام البكر حتى يتسنى له البقاء رئيسا، ولكنه لم يقبل هذه المقترحات. وفي ذلك الوقت كان صدام نائبا للأمين العام للحزب ونائب رئيس دولة العراق. وعليه، فقد كان الشخص الذي يلي الرئيس، وهذه حقيقة لا يستطيع أحد أن يشكك فيها، وعلاوة على ذلك فإن الدستور ينص تحديدا على أن أي اختيار للرئيس يجب أن يكون بتصويت بالأغلبية وليس بإجماع. وتحدث بعض الأعضاء عن احتمالية تأجيل استقالة البكر. وقال صدام إنه ما زال أعضاء سابقون في مجلس قيادة الثورة على قيد الحياة ويمكن سؤالهم عن هذا الأمر. وقال المحقق إن العديد من الأعضاء السابقين في مجلس قيادة الثورة يوافقون بصورة عامة على التفاصيل التي قدمها صدام بخصوص الأمر. ولكن بعض أعضاء المجلس السابقين يقولون إن هناك معلومات تشير إلى أن المشهدي اعترض على استقالة البكر واختيار صدام رئيسا خلال الاجتماع المشار إليه. ورد صدام أنه أخبر المحقق جميع التفاصيل التي لديه.
وقال المحقق إنه تم اكتشاف مؤامرة ضد صدام بعد توليه الرئاسة بفترة قصيرة، فقد عقد اجتماع في 22 يوليو (تموز) 1979، وفيه تم الكشف عن تفاصيل المؤامرة لأعضاء بارزين في الحزب. وأضاف المحقق أن الاجتماع سجل على شريط مصور، وعرضه المحقق. وقال صدام إن هذا الأمر ليس سرا، وأن الشريط المصور أعطي لجميع أعضاء الحزب. وقال صدام إنه لا يتذكر هل بدأ طه ياسين رمضان الاجتماع ببعض التعليقات. وأقر بأنه تم إحضار المشهدي أمام الاجتماع، واعترف بمشاركته في مؤامرة ضد صدام شاركت فيها الحكومة السورية، وسمى بعضا من الآخرين الذين شاركوا في المؤامرة. وكان رد فعل صدام ومشاعره مثل أي شخص خانه الأصدقاء في الحزب والحكومة، حيث كان يشعر بالحزن وأنه «طعن في ظهره»، وكان ذلك صحيحا لأن المؤامرة شارك فيها عرب خارج الحكومة والدولة، ووصف صدام هذه التصرفات بأنها خيانة، والمشاركين بأنهم خونة.
وبالنسبة للوقت الذي علم فيه صدام بالمؤامرة، قال «في هذا الوقت». وأشار المحقق إلى أن المشهدي ألقي القبض عليه قبل أيام قليلة من الاجتماع، وتقريبا في 15 يوليو (تموز)، بعد أن أصبح صدام رئيسا. وقال صدام إنه أصبح رئيسا في 17 يوليو (تموز)، ورد المحقق بأن 17 يوليو (تموز) كان التاريخ الرسمي، ولكن تولى صدام الرئاسة فعليا قبل ذلك بأسبوع تقريبا.
وسأل المحقق صدام كيف تم اكتشاف المؤامرة. ورد صدام «هل سمعت الشريط المصور؟»، وأضاف أن المعلومات التي توجد على الشريط المصور كافية. وأشار المحقق إلى أن الشريط المصور لم يعط تفاصيل عن كيفية اكتشاف المؤامرة. ورد صدام «هذه أسرار الدولة»، وأكد صدام على أنه ما زال ينظر إلى هذه التفاصيل على أنها أسرار على الرغم من أن هذا الحدث وقع قبل قرابة 25 عاما.
وبعد ذلك حول المحقق النقاش إلى الشريط المصور الذي لم يكن سرا من أسرار الدولة. وأشار المحقق إلى أنه يظهر في الشريط المصور الكثير من الأعضاء السابقين والحاليين في القيادة البارزة، ومن بين هؤلاء الذين يظهرون في الشريط طارق عزيز وعلي حسن المجيد، الذي يرى وهو واقف ويصرخ، ويشير الشريط إلى أن نحو 66 شخصا شاركوا في المؤامرة، ومن بينهم عدنان حسين، نائب رئيس الوزراء، وغانم عبد الجليل، مدير مكتب الرئيس. وقال صدام إن عدنان كان وزير التخطيط وسكرتير لجنة للنفط والاتفاقات. واعترف صدام بأن عدنان كان قد عين بالفعل نائبا لرئيس للوزراء، وأقر صدام بأن خمسة أعضاء بمجلس قيادة الثورة كانوا متورطين في المؤامرة، ولم يكن أي منهم من الثوار السبعين الأصليين. ونفى صدام أن يكون أي من المتآمرين، بمن فيهم عدنان وغانم، أصدقاء له. وقال إن عدنان وغانم لم «يكونا قريبين منه»، وكما هو الحال مع الآخرين، فإنهم عينوا في مناصب حكومية، وقام البعض بذلك، ولم يقم آخرون، وعندما تمت الإشارة إلى أن المحقق رأى صدام يصرخ في الشريط المصور عندما سمع اسم غانم، رد صدام بأنه كإنسان لديه مشاعر، وبحكم أنه رئيس مكتبه، كان صدام يرى غانم كل يوم وهو يسلم له أوراقا كثيرة، وكان جميع أعضاء المؤامرة في القيادة. وأشار صدام إلى أن الخيانة تجعلك تشعر بـ«الحزن». وعندما أشار المحقق إلى أنه يمكن القول بأن صدام خانه أقرب زملائه إليه، قال صدام إن الشيء الأهم هو أنهم كانوا في الحكومة وكانوا مع صدام داخل الحزب.
واعترف صدام بأن أكثر من ستين شخصا كانوا متورطين، على الرغم من أنه لم تتم إدانة الجميع، وأقر صدام بأن أسماء «المتآمرين» أعلنها المشهدي أو قرأها صدام من قائمة خلال الاجتماع. وبينما كانت الأسماء تعلن، طلب من الشخص الذي يذكر أن يقف، وكانت تصحبهم الحماية خارج القاعة واحدا واحدا.
وبعد ذلك أقيمت محكمة للبت في الأمر ولتقرير العقوبة. ويقول صدام إنه لا يتذكر الرقم تحديدا أو هويات الأشخاص الذين تم التوصل إلى إدانتهم أو أعدموا أو سجنوا أو هربوا أو كانوا أبرياء أو أطلق سراحهم، وقال إن الأمر برمته، بما فيه عمليات الإعدام، تم خلال نحو 60 يوما، وبحلول الثامن من أغسطس (آب) 1979.
ويعتقد صدام أن الوقت الذي استغرقته العملية كان «أكثر من كاف» لمحاكمة محايدة، وعلى الرغم من أنه يعتقد أنه كان هناك وقت كاف للتحقيق بنزاهة، أقر صدام بأنه ربما لم يكن هناك وقت كاف «للتعمق في الأمور»، وعندما طلب منه توضيح كلامه، رد صدام بأنه ربما كان هناك متآمرون آخرون لم يتم تحديدهم، ولا يعلم صدام هل كان هناك مشاركون آخرون، ولكنه أكد على أن المعلومات المتاحة والوقت الذي استغرقه التحقيق كان كافيا لإدانة هؤلاء الذين تم تحديدهم. وعلق قائلا بأن القانون يقول إنه من الأفضل أن يطلق سراح مدان على أن يسجَن بريئون دون إدانة.
وقال إنه لا يعرف نتائج التحقيق تحديدا، فقد اتخذت محكمة القرار في هذا الأمر ونفذت الأحكام بعد ذلك. وعندما سئل عن تورط خالد السامرائي، وكيف كان يمكن لشخص موجود بالفعل في السجن أن يكون جزءا من هذه المؤامرة، قال صدام «اسألوا من قاموا بالتحقيق». وعندما سُئل من قام بالتحقيق، قال صدام إنه لا يتذكر. وأشار المحقق إلى أن برزان التكريتي، الذي كان قد عين للتو مديرا للاستخبارات العراقية، كان يترأس فريق التحقيق. ورد صدام بأنه بالتأكيد كانت هناك لجنة، ولكنه نفى أن يكون لديه علم بمن كانوا فيها. ونفى أن يكون يعرف أي شخص ربما كان في هذه اللجنة.
وعن مشاركة مجلس قيادة الثورة في هذا التحقيق، أنكر صدام في البداية معرفته بأي تفاصيل، وعلق بأنه إذا كان الأمر قد قررته محكمة، فلا بد أن هناك لجنة رسمية. وذكر المحقق صدام بخطاب أدلى به في 8 أغسطس (آب) 1979 قال فيه إن المجلس، الذي كان يضم في السابق 21 عضوا، يضم الآن 16 عضوا بسبب تورط خمسة أعضاء في المؤامرة، وقال صدام في الخطاب إنه من بين الستة عشر عضوا، قام ثلاثة بإجراء التحقيقات وشكل سبعة محكمة سمعت الحقائق وقررت العقوبة، وأضاف صدام في الخطاب أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ الحركات الثورية والنضال الإنساني التي يشارك فيها أكثر من نصف القيادة العليا لدولة في هذا الأمر. ورد صدام على المحقق: «جيد، جيد جدا»، فوفق الدستور، يجب أن يحاكم أعضاء مجلس قيادة الثورة من قبل أعضاء آخرين في مجلس قيادة الثورة، وليس من قبل محكمة خارج المجلس. وعندما سئل عن نزاهة وحيادية قيام مجلس قيادة الثورة بمحاكمة أعضائه، رد صدام بأن النزاهة كانت موجودة بين أفراد مجلس قيادة الثورة، ولم تكن المؤامرة ضدهم ولكن ضد صدام. وعلاوة على ذلك، فإن الدستور الذي ينص على الإجراء كان موجودا قبل المؤامرة بفترة طويلة.
وعندما سئل عن التصريحات السابقة التي أدلى بها والتي قال فيها إن المؤامرة كانت ضد الحزب، قال صدام «لم أقل ذلك، ولكن قلت إنها كانت ضد صدام»، لقد تآمر المتآمرون مع دولة أخرى (سورية) لمنع صدام من تولي السلطة، وعلى الرغم من أن صدام كان رئيس الحزب، فإن المؤامرة كانت ضده شخصيا. ويعتقد صدام أنه كان هناك أشخاص لم يريدوه في السلطة، لأنه لن يكون من «السهل السيطرة عليه»، ولكن مع وجود شخص في منصب الرئيس، كان قد تآمر مع الأعضاء الخمسة بمجلس قيادة الثورة والدولة الأخرى، ربما كان يمكن لآخرين السيطرة على العراق. وأقر صدام بأنه كان يجري العمل في ذلك الوقت على اتفاقية مؤقتة بخصوص توحيد سورية والعراق، وتحديدا عن طريق طارق عزيز، ولكن أنهت المؤامرة هذه المناقشات والاتفاقية، حيث إن «أي شيء يعتمد على التآمر لا قيمة له». وعندما سئل ما الذي كانت تأمل الدولة الأخرى في الحصول عليه، قال صدام «اسألوهم، فنحن لم نسألهم».
ونفى صدام معرفته بأي مكافأة دفعت للأفراد أو الفرد الذي اكتشف المؤامرة. وعندما سئل عن السبب وراء تصوير الاجتماع في 22 يوليو (تموز)، قال صدام إن الشريط المصور كان يهدف إلى إخبار أعضاء الحزب بما حدث. وأكد أنه، كما هذا في الشريط المصور، كانت هناك الكثير من المشاعر، ومنها الحزن، وأشار المحقق إلى أن الخوف بدا على أنه الشعور الظاهر بدرجة أكبر، في بادئ الأمر من المشاهدين، وبعد ذلك من هؤلاء الذين ذكرت أسماؤهم وصرخوا ببراءتهم عندما طلب منهم الوقوف. وقال صدام إنه طلب بنفسه من واحد على الأقل ممن ذكرت أسماؤهم أن يغادر القاعة.
وأشار المحقق إلى ثلاثة أشياء تبدو واضحة في الشريط، ومنها صدام وهو يدخن سيجارا، والتعبير البادي على وجه طارق عزيز، وعلي حسن المجيد وهو يصرخ على السامرائي، واعتقاده بأن المتآمرين سوف يبقون طالما أن السامرائي على قيد الحياة. ورد صدام بأنه يعرف المغزى وراء كل مثال أورده المحقق. وقال إنه من النادر أن يدخن ما لم تكن «الظروف صعبة». وسأل صدام عن التعبير الذي بدا على عزيز، وهل كان سعيدا أم حزينا. ورد المحقق بأن عزيز بدا مرعوبا. وقال صدام إن «قراءة» المحقق غير صحيحة، «فجميعنا كنا مرعوبين». وفيما يتعلق بعلي حسن (المجيد)، سأل صدام المحقق هل يريد القول بأن السامرائي أعدم بسبب كلام علي حسن. قال صدام إن نسخا من الشريط المصور لاجتماع يوم 22 يوليو (تموز) عام 1979 أرسلت إلى السفراء العراقيين في دول أخرى، واستخدم مسؤولو السفارات الشرائط المصورة لتقديم المعلومات للعراقيين الذين يعيشون خارج البلاد عن الأحداث التي تقع في العراق، ونفى صدام معرفته بما إذا كان تم عرض الشريط المصور على قيادات دول أخرى. وقال إنه لو كان عُرض على هؤلاء الأشخاص، فهذا «شيء جيد وليس سيئا»، وربما عُرض الشريط المصور على زعماء آخرين لأن دولة عربية أخرى شاركت في المؤامرة. وعما إذا كان الشريط المصور وزع لإثبات أن صدام يتولى مسؤولية العراق، قال للمحقق أنت شاهدت الشريط و«هذا رأيك، ولديك الحق».
وذكر المحقق تعليقات يقال إن صدام أدلى بها في وقت المؤامرة ومنها «لا توجد فرصة لأي شخص لا يتفق معنا لكي يقفز على دبابتين ويطيح بنا»، وقال صدام إنه لا يتذكر أنه أدلى بهذا التعليق، ولكنه يعتقد أنه يمكنه تفسير هذه الكلمات على أنها كانت جزءا من تفكيره. ولم توجه هذه الرسالة إلى الدولة الأخرى التي تآمر معها المتآمرون ولكن لجميع أعضاء الحزب.
وسئل عن صدق الكلام السابق الذي يقال إنه قاله إلى البكر في الستينات والسبعينات، والذي عبر خلاله عن رغبته في ترك الحكومة، وأجاب صدام بأنه بعد 1974 كان يعتقد أن لديه التزاما أخلاقيا إزاء الشعب العراقي، وبعد الكثير من النقاش مع الرئيس البكر، عرف صدام بأن هذا «مصيره»، ومنذ هذا الوقت، قرر أن يقبل هذا التعيين وخطط للرئاسة.
* صدام: الكويت أخذت مليارين ونصف المليار برميل من نفطنا.. وكنت ضد الهجوم إذا كان هناك حل آخر
ـ قال إنه حذرها من أنها إذا لم تكف عن التدخل في شؤون العراق سيجعل دينارها يساوي 10 فلوس
ـ محضر جلسة الاستجواب التاسعة 24 فبراير (شباط) 2004
* قبل بدء المقابلة، تم إخبار صدام بأن هذه الجلسة سوف تكون استكمالا للمناقشة الخاصة بتاريخ العراق. وبصورة خاصة، فإن مناقشة اليوم سوف تغطي الأحداث التي قادت إلى الغزو العراقي للكويت. أفاد صدام بأنه بعد الحرب مع إيران بين عامي 1980 و1988 كان العراق يحاول إعادة بناء نفسه. وقد شبه صدام الموقف مع الكويت بما يحدث عندما يتشاجر أحد الأشخاص مع شخص آخر. فبعد الشجار يذهب كل طرف إلى سبيله. ولذا، فقد كان أحد الطرفين اللذين كان بينهما شجار في الماضي يرغب في القتال، وكذلك كان الطرف الآخر. فلم يكن هناك مفر من القتال مرة أخرى. وحسبما أفاد صدام، فقد كان الخميني وإيران سيحتلان العالم العربي إذا لم يكن العراق موجودا. ولذا، فقد كان العراق يتوقع من العالم العربي أن يدعمه أثناء وبعد الحرب. ومع ذلك، فبعد الحرب، حدث العكس تماما، لا سيما من جانب الكويت. فمع نهاية الحرب، حيث بدأ العراق في عملية إعادة البناء، وصل سعر النفط إلى 7 دولارات للبرميل. ومن وجهة نظر صدام، فإن العراق لم يكن بمقدوره القيام بإعادة بناء البنية التحتية والاقتصاد مع هذا الانخفاض في أسعار النفط. وقد كانت الكويت تتحمل اللوم بسبب هذا التدني في أسعار النفط. وفي سعي من جانب العراق لحل هذا الموقف وتحفيز الاقتصاد، تم إرسال الدكتور (سعدون) حمادي وهو وزير الخارجية العراقي في ذلك الوقت إلى الكويت. وقد خلص حمادي والقيادة العراقية بعد الاجتماع إلى أن تدني أسعار النفط لم يكن مسؤولية الكويتيين وحدهم. وكان العراق يعتقد أن هناك جهة أخرى، أو قوة أكبر وراء هذه «المؤامرة».
أرسل العراق كذلك مسؤولين حكوميين إلى المملكة العربية السعودية لإقناع السعوديين بالضغط على الكويت. وبالإضافة إلى ذلك، فإن وزير النفط السعودي جاء إلى العراق وعقد مباحثات حول أسعار النفط والاقتصاد العراقي وأفعال الكويت. وزعم صدام أن أحد المسؤولين في الكويت قال: «إننا سوف نجعل الاقتصاد العراقي يتدهور بدرجة كبيرة، وسوف يكون بوسع المرء النوم مع امرأة عراقية مقابل عشرة دنانير». وقال صدام للسعوديين إنه إذا لم تتوقف الكويت عن التدخل في الشؤون العراقية فإنه سوف يجعل الدينار الكويتي يساوي عشرة فلوس. وقال صدام إنه عندما تمت مواجهة الكويت بالحقائق الخاصة بسرقة النفط العراقي باستخدام الحفر العميق، اعترفوا بأنهم أخذوا «مليارين ونصف المليار برميل فقط». وقد ذكروا هذه الحقيقة وكأنها شيء لا أهمية له. وفيما يتعلق بالمشكلة مع الكويت، فقد أرسل العراق مندوبين لدول الخليج الأخرى ولم يكن صدام يتذكر هذه الدول. وقد شرح هؤلاء المندوبون الموقف الكويتي والموقف العراقي. وقد وعدت الدول الأخرى بأنها سوف تصحح أسعار النفط في الاجتماع التالي للدول المصدرة للبترول (أوبك). وفي الاجتماع التالي للدول المصدرة للنفط (أوبك)، تم إصدار قرار بتثبيت أسعار النفط بين 16 ـ 17 دولارا للبرميل، حسبما يتذكر صدام. وقد تدخلت الكويت بشأن هذا القرار. وبعد ذلك، أفاد وزير النفط الكويتي أو وزير الخارجية بأن الكويت لن تلتزم بهذا القرار. وفيما يتعلق بديون القروض العراقية من دول الخليج نتيجة للدعم الذي تلقاه العراق أثناء الحرب العراقية الإيرانية، أفاد صدام بأن هذه القروض لم تكن قروضا وأنه من المفترض أن تكون مساعدات مجانية من هذه الدول. وكانت هذه الدول قد استخدمت كلمة «قروض» كصيغة فقط لإخفاء الغرض من هذه المساعدات عن الإيرانيين. وعندما تم إبلاغ العراق بأن هذه الأموال كانت بالفعل قروضا، عقد العراق مباحثات مع هذه الدول شملت الكويت، من أجل حل مشكلة هذه الديون. ولأنه تم «تسجيل هذه الأموال كقروض» إلى العراق، لم يستطع العراق تأمين قروض من دول أخرى لإعادة البناء. وقد أفاد صدام مرتين أنه ناقش تغييرا في أسعار النفط يصل بها إلى 25 دولارا للبرميل. وعندما كان سعر النفط 50 دولارا للبرميل، أملى صدام خطابا لطارق عزيز تم إرساله إلى جريدة «الثورة». وفي هذا الخطاب، أخبر صدام الدول المنتجة للنفط بأن عليها أن تستفيد من الدول الصناعية. وطلب صدام من هذه الدول تخفيض الأسعار إلى 25 دولارا للبرميل. وقد علق بأن ذلك كان أمرا غريبا في هذا الوقت لأن العراق كان يمتلك البترول وكان باستطاعته استخدام الأموال. وعندما انخفضت الأسعار إلى 7 دولارات للبرميل عام 1989 ـ 1990 دعا صدام إلى زيادة أسعار النفط إلى 24 ـ 25 دولارا للبرميل. ومن وجهة نظر صدام، فإن ذلك السعر لن يكون عبئا على المستهلك ولن يضر بالمنتج. وفيما يتعلق بنوع الرسالة التي تم إرسالها إلى العراق بخصوص عمل أو نقص عمل الكويت في هذا الشأن، أفاد صدام بقوله: «لقد أكد ذلك على معلوماتنا» أنه كانت هناك «مؤامرة» ضد العراق والقيادة العراقية واقتصاد العراق. ومن وجهة نظر صدام، فإن زيارة الجنرال الأميركي شوارزكوف إلى الكويت قد زادت من تأكيد ذلك. وقد تضمنت زيارته «تخطيطا رمليا» أو تحضيرات وقت الحرب لغزو العراق، مما عزز من رؤية صدام والقيادة العراقية. وقبل ذلك، كانت العلاقات بين الكويت والولايات المتحدة وبريطانيا العظمى معروفة للجميع. وعندما قيل لصدام إن زيارات العسكريين الأميركيين متعددة لكثير من الدول عبر جميع أنحاء العالم، حيث يجرون مناورات لا تشير إلى «مؤامرة» سأل صدام: «في أي بلد آخر قام شوارزكوف بتخطيط رملي مثلما فعل في الكويت؟» وتساءل صدام أيضا عن الدول التي قام فيها شوارزكوف بعقد مباحثات بأغراض دفاعية. وقد أفاد صدام بأنه يفهم وجود وطبيعة المناورات التي قامت بها الولايات المتحدة في مصر والأردن. ومع ذلك، فعندما تصور المناورات أو التخطيط العراق كعدو وتتضمن وسائل الدفاع عن الكويت أو مهاجمة العراق، فإن ذلك موقف يختلف عن المناورات الأخرى. ناقش صدام وجهة نظره في الغرب فيما يتعلق بالعراق خلال الأشهر التي قادت إلى الحرب في الكويت. فبعد هزيمة العراق أمام إيران، كانت وسائل الإعلام تصور العراق على أنه تهديد عسكري للمنطقة. ومع ذلك لم يكن العراق «داخل الدوائر السوفياتية» وكان يحاول إعادة بناء الاقتصاد. كما كان العراق يبدأ في بناء علاقاته مع الولايات المتحدة. وبعد وقت قصير، جعلت الولايات المتحدة من العراق عدوا لها من خلال ثلاث وسائل أو من أجل ثلاثة أسباب. أولا، القوة «الصهيونية» وتأثيرها على الولايات المتحدة وسياستها الخارجية. فهناك نظرة لدول مثل العراق على أنها تهديد لإسرائيل، وقد أصبحت هذه الدول مستهدفة من قبل «المؤامرة». وقد قدم صدام دليلا على وجهة نظره هذه، حيث أفاد أن إسرائيل أصدرت بيانا رسميا قالت فيه إن أي اتفاقية سلام مع الدول العربية يجب أن تتضمن العراق. ويعتقد صدام أن إسرائيل ليس لديها أمل في السلام، وأن الدول الأخرى هي التي تلتزم بأمنياتها. وقد استغلت إسرائيل نفوذها على الغرب ضد عبد الناصر في مصر مثلما هي الحال ضد العراق. ويمتد هذا التأثير «الصهيوني» إلى الولايات المتحدة ليشمل الانتخابات هناك. ثانيا، يرى صدام أنه كانت هناك قوتان عظميان في العالم، وهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. وحسبما يرى صدام، فإن العالم كان حينذاك «أفضل من الآن» لأنه كان من السهل على هاتين القوتين الاتفاق بدلا من محاولة التوصل إلى ذلك الاتفاق بين دول عدة. وقد حاولت القوتان جذب عدد كبير من الدول إلى كل منهما، مما كان يمثل توازنا في القوى العالمية. ومع انهيار ذلك التوازن، أصبحت الولايات المتحدة وحدها هي القوة العظمى. وينظر إلى الولايات المتحدة حاليا على أنها تحاول إملاء إرادتها على بقية دول العالم بما فيها العراق. وعندما لا توافق الدول على سياسة الولايات المتحدة، مثلما هي الحال مع العراق، فإن هذه الدول تصبح عدوة. السبب الثالث الذي جعل الولايات المتحدة تجعل من العراق عدوا لها يتمثل في الأسباب الاقتصادية. فهناك جهات معينة داخل الولايات المتحدة، بما فيها مصانع الأسلحة وعناصر في الجيش، تفضل الحرب بسبب الأرباح المالية التي تجنيها. وهذا حقيقي بالنسبة للشركات التي تبيع كل شيء من السجاد إلى الدبابات دعما للحرب. وأضاف صدام أن أميركا اكتشفت أن الحرب في أفغانستان لم تكن كافية للحفاظ على هذه الأرباح التي تجنيها من مجمع الصناعات العسكرية في أميركا. ولذلك، فقد بدأت الحرب مع العراق. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، اجتمعت هذه الأسباب كافة الداخلية والخارجية لجعل العراق عدوا للولايات المتحدة. وأفاد صدام بأنه قبل غزو الكويت، كان هناك اجتماع لمجلس قيادة الثورة العراقي، حيث تمت مناقشة الموضوع. وكانت قيادة مجلس قيادة الثورة العراقية تأمل أن «يتدخل» السعوديون ويجدوا حلا. وقد سافر نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقية إلى المملكة العربية السعودية لطلب المساعدة لكنه رجع من دون تحقيق الغرض من الزيارة. ولذلك، لم يكن هناك غير مناقشة الأمر من جانب اتخاذ عمل عسكري. وقد أفاد صدام أنه ربما عارض عضو أو اثنان فكرة الغزو، لكنه لم يتذكر هذين العضوين على وجه الخصوص. ولم يتذكر إذا كانت الأغلبية أو جميع أعضاء مجلس قيادة الثورة قد وافقوا على اتخاذ عمل عسكري. وأفاد صدام بقوله: «لقد كنت ضد الهجوم إذا كان هناك حل آخر». وقد كانت آخر المحاولات للبحث عن حل أثناء الزيارة الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية حيث اجتمع نائب رئيس مجلس قيادة الثورة مع أخ أمير الكويت الشيخ صباح. وتم اتخاذ القرار النهائي بغزو الكويت على أساس أن «الهجوم خير وسيلة للدفاع». وقد برر صدام الغزو كذلك بناء على الحقائق التاريخية. وقال إن التاريخ يقول إن الكويت جزء من العراق. وقال صدام إن هدف الغزو كان هو «المعلن عنه». وهو أن يحكم الكويتيون أنفسهم ويقررا ما نوع العلاقات التي سوف تكون مع العراق. وبالنسبة لقادة الكويت، فقد قال صدام إنهم «خائنون» للعراق والكويت وكل الدول العربية. وقد استمر هؤلاء القادة في التآمر حتى بعد تركهم للكويت إثر الغزو العراقي. فقد كانت الولايات المتحدة هي التي تتحكم فيهم. وبسبب تآمر هذا البلد مع الولايات المتحدة، فلم تتوقع الكويت أن تكون «الضربة موجهة إليهم». وقد أفاد صدام بأن الكويت تستحق «عشر ضربات». ولم تكن الكويت قوية عسكريا مثل إيران. ولم يكن نقص الدفاعات الكويتية مؤشرا على غياب التخطيط مع الولايات المتحدة. وربما تكون الخطط التي تمت مناقشتها والإشارة إليها «تخطيط الرمال» هجومية بطبيعتها وليست دفاعية. وقد كانت هناك أسباب لغزو العراق للكويت سواء مع وجود أو غياب القوات الأميركية. ومثلما فعلت الولايات المتحدة في معظم حروبها الأخيرة، فقد «أوجدت» الولايات المتحدة الأسباب لقتال العراق في الكويت عام 1991. وقد أنكر صدام اختلاق هذه «المؤامرة» كمبرر لغزو الكويت. وزعم أن الوثائق التي اكتشفتها القوات العراقية في الكويت أثبتت وجود «مؤامرة» كويتية مع الولايات المتحدة. وأشار صدام بقوله: «يمكننا أن نناقش ذلك لأيام». واستغرق الأمر من الولايات المتحدة و28 دولة أخرى سبعة أشهر لتعبئة القوات للحرب عام 1991. وقد حدثت هذه التعبئة بسبب قوة العراق والتهديد الذي كان يشكله الجيش. وقد شجع هذا التهديد السياسيين في الولايات المتحدة على دعم القيام بعمل عسكري ضد العراق. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفوائد المالية للشركات التي يمكن أن تستفيد من الحرب قد شجعت على ذلك أيضا. وقد تم شن الهجوم العراقي على الكويت بحيث لم يتم إكمال بناء الخطوط الدفاعية. وقد كرر صدام أن نقص القوات الأميركية في الكويت لا يعني أنه لم تكن هناك «مؤامرة».
وأعاد صدام التأكيد على أن هدف غزو الكويت كان يتمثل في السماح للكويتيين «بتقرير ما يرغبون فيه للتعامل مع العراق». وقد أنكر صدام أن إعلان الكويت كمحافظة رقم 19 للعراق يتناقض مع بيان سابق. وحسبما يقول صدام، فقد تم تأسيس حكومة كويتية بعد الغزو وشملت رئيسا للوزراء ومختلف الوزراء. كما أنكر صدام تعيين علي حسن المجيد وهو أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة كحاكم للكويت. وأضاف أن الحكومة الكويتية قررت «الالتحاق بالعراقيين». وعندما سئل عما إذا كان قد أعطى الخيار للكويتيين للتعبير عن رأيهم فيما يتعلق بالحرب الأخيرة ضد العراق، استمر في القول بأن التصرفات العراقية فيما يتعلق بالكويت كانت أكثر منطقية من موقف الولايات المتحدة تجاه العراق في الحرب الأخيرة. وقال صدام إن إعلانه الكويت كمحافظة رقم 19 كان «مستحقا ومنطقيا». وفي عام 1961 أو 1962 كان الرئيس العراقي قاسم في ذلك الوقت يرغب في جعل الكويت مقاطعة عراقية. وأكد صدام على أنه شرح بالفعل السبب وراء عدم اتخاذ إجراءات أخرى لتفادي الغزو، وكذلك الأسباب التي جعلته يخصص الكويت كمحافظة رقم 19. ومع بدء الهجوم الأميركي، تبخرت كل الحلول السياسية الممكنة. وزعم صدام أن العراق «كان سيسير في الاتجاه الآخر» إذا لم تهاجمه الولايات المتحدة. ومع استنفاد الحلول السياسية، لم يبق سوى خيارين. فقد كان بإمكان العراق الانسحاب من الكويت، مع عدم احتمال توقف الهجمات على قواته أثناء الانسحاب. أو يكون العراق «أضحوكة» العالم. وكان من الممكن أن تكون القوات العراقية مترددة في القتال إذا لم يتم إعلان الكويت المحافظة رقم 19. وكان الحل الثاني وهو الأقرب يتمثل في عدم الانسحاب وإعلان الكويت المحافظة رقم 19 حتى تقاتل القوات العراقية بشراسة أكبر.