فنانة ومصممة ألمانية تعيد إحياء تراث بلاد الشام في مجال التطريز

800 فتاة سورية يعملن في مشغل هايكة بحي التضامن الفقير بدمشق

المصممة الألمانية هايكة وأحد تصاميمها التراثية («الشرق الأوسط»)
TT

قبل أكثر من ربع قرن انتقلت الألمانية هايكة فيبر لتقيم في دمشق قادمة من بيروت بسبب الحصار الإسرائيلي لها عام 1982. وهايكة التي جاءت مع زوجها، وهو مخرج سينمائي فلسطيني، إلى سورية بقيت وحدها مع ثلاثة أولاد لها في دمشق بعد أن قرر زوجها العودة والاستقرار النهائي في ألمانيا والانفصال عنها. وتبدأ هايكة (58 عاما)، وهي المهتمة بالفن والجمال والتصميم والأزياء، مشروعها التراثي الجمالي الاجتماعي، حيث انطلقت، من أفقر أحياء دمشق، بمشروعها في مساعدة الفتيات والنساء على تصميم وتطريز ملابس معتمدة على تراث بلاد الشام وإحياء هذا التراث من خلال الألبسة.

وبالفعل، وعلى مدى عشرين عاما من مسيرتها مع الأزياء حيث احتفلت مؤخرا بمرور عقدين على إطلاق مشروعها بعرض أزياء ضخم تمكنت هايكة من تشغيل مئات الفتيات السوريات والفلسطينيات في مشغلها في حي التضامن الشعبي الدمشقي، ومن خلال ورش منزلية لنساء ريفيات في معظم المحافظات السورية.

وتحولت هايكة إلى «مؤسسة في امرأة، وامرأة تعادل مؤسسة كاملة»، كما يطلق عليها المتابعون لمشروعها. كما تمكنت، وخلال ربع قرن من نقل تصاميمها التراثية وألبستها المستوحاة من تراث بلاد الشام إلى معارض في معظم دول العالم كان آخرها في أستراليا. واستطاعت ومن خلال صالة العرض الجميلة والرائعة والواسعة والتراثية التي أطلقت عليها اسم «عنات»، وهو اسم كنعاني قديم، حيث تعرض فيها تصاميمها وكأنها لوحات وأعمال فنية في أهم منطقة تراثية وسياحية وتاريخية بدمشق القديمة، وهي منطقة باب شرقي. واستطاعت أن تستقطب اهتمام الكثير من الشخصيات الهامة العالمية والمحلية وفي مقدمتها أسماء الأسد قرينة الرئيس السوري، والملكة صوفيا قرينة الملك الإسباني خوان كارلوس، حيث الزائر لغاليري هايكة يشاهد صورها مع الشخصيات الهامة التي ارتدت من تصاميمها عباءات معلقة على الجدار الصاعد للطابق الثاني من الغاليري.

وفي «عنات»، صالة العرض لهايكة، وفي مساء صيفي دمشقي حار نسبيا مع بداية شهر يوليو (تموز)، وحيث الكثير من زوار باب شرقي بدمشق القديمة العابرين أمام الغاليري يتوقفون قليلا لمشاهدة تلك الأزياء التراثية والمنسوجات المطرزة بأجمل الرموز والعبارات التقليدية ومنها أبيات شعر لمحمود درويش، وطيور ونباتات من وحي تراث الشام. وتحدثت هايكة فيبر، وبلغة عربية فصيحة مع عبارات من اللهجة الشامية أصبحت تجيدها بطلاقة، لـ«الشرق الأوسط» عن مشروعها.

وتقول هايكة «لدي دائما أنشطة وأمور جديدة في مشروعي، حيث إنني دائمة البحث في الأمور المنسية من تراث بلاد الشام في مجال الأزياء واللباس. وحاليا، ومن خلال جولاتي المستمرة في الأرياف والبادية أعدت إحياء موضوع القطب التي تعلمتها من التراث وقمت بتعليمها لفتيات، وأعدت أيضا إحياء بعض الرموز الفولكلورية التي كانت نساء البدو في بلاد الشام يطرزن بها لباسهن، ولاحظت مثلا أنه حتى خيم البدو كانت النساء تعملن وصلاتها بشكل فني جميل، وأعدت أخيرا إحياء تقنية الدانتيل، وهو عبارة عن شكل تزييني تعمل به النساء من خلال الإبرة فقط، ومن دون وجود نسيج، ويكون من الخيطان القطنية وتوصيل القطب التي تشكلها الفتيات فتتحول إلى قطع قماشية من دون استخدام السنارة..

ومن أنشطتي للعام الحالي 2009 قمت بمعرض في أستراليا عرضت فيه لوحات فنية (تطريز) لأزياء تراثية عملت بها نساء من ريف منطقة حلب شمال سورية، وكان هدفه تعريف الأستراليين بتراث منطقة بلاد الشام في مجال الألبسة والنسيج. وفي نهاية العام الماضي 2008، قمت بتنفيذ عرض أزياء ضخم في المعهد الدنماركي (بيت العقاد) في سوق مدحت باشا بدمشق القديمة بمناسبة مرور 20 سنة على انطلاق مؤسسة «عنات»، وعرضت فيلما توثيقيا لنشاطاتنا خلال تلك الأعوام العشرين».

وعن سبب إطلاق اسم «عنات» على مؤسستها ونشاطها وحياتها الشخصية في دمشق فتجيب: «عنات، هي ربة الخصب عند الكنعانيين القدماء، وهي أم الآلهة وأقواهن».

«ومن أنشطتي الشخصية حاليا، وذات الصلة بمشروعي أيضا، أعد حاليا كتابا عن رموز التطريز والمعاني والدلالات، وأجيب في الكتاب عن أسئلة مثل: لماذا الناس يطرزون، ولماذا يستخدمون هذه الرسوم وتلك الألوان».

وعن مشغلها في حي التضامن الدمشقي قالت هايكة لم أكن في البداية أفكر بتشغيل الفتيات، وإنما كان اهتمامي منصبا على إحياء التراث، لكني فوجئت بأن الكثير من الفتيات اللاتي التقيتهن وأنا أبحث في التراث يرغبن في العمل معي، والحصول على مردود مالي، فكان قراري، وبشكل عفوي تشغيلهن معي في الأزياء، وافتتحت مشغل التضامن، وكبرت القصة وصار المشغل أمرا واقعا وكبر وزاد عدد الفتيات وتوسع العمل ليشمل الريف السوري».

تضحك هايكة معلقة «صممت للرجال ألبسة كالقمصان من التراث، ولكن أنتم الرجال لا تهتمون كثيرا بالتراث، والبعض قال لي إنه إذا لبسنا من التراث فكأنك تعيديننا إلى عشرات السنين وكأننا في مسلسل (باب الحارة).. للأسف ليس لدى الرجال هنا الجرأة على تغيير لباسهن المعتادين عليه وارتداء لباس تراثي مع لمسات من الحياة المعاصرة. ففي المرحلة النهائية من الألبسة أحاول أن تكون متضمنة بعض العصرية بما يلبي رغبات الجميع من الباحثين عن التراث ومزاوجة التراث بالمعاصرة، وهذا موجود في كل تصاميمي النهائية ومنتجاتي، وأعرضها في المعارض وفي صالة «عنات»، وكل العمل يجري بشكل يدوي، ونوعت أيضا في إنتاج أشياء أخرى مثل أغطية الوسائد وأكياس الحمام والغسيل والمسابل، عليها تطريز وأشياء من التراث الشامي».

وتفتخر هايكة بأن الكثير من الشخصيات الهامة زارتها في «غاليري عنات»، ولبست من منتجاتها، ومن هؤلاء، تقول هايكة: «أسماء الأسد، والملكة صوفيا زارتني أكثر من مرة في الغاليري، حيث صممت لها فستانا، وصممت فستان سهرة لزوجة ابنها تيتيسيا، وزوجة السيد أردوغان رئيس الوزراء التركي زارتني أكثر من مرة، والشيخة موزة قرينة أمير قطر، وعائلة الرئيس اللبناني السابق إميل لحود، زوجته وأولاده، ووزير الخارجية الألماني شتاينماير، وزوجة الرئيس الروماني، وزارتني مصممة أزياء ألمانية تدعى جنساندا وأعجبتها فكرة مشروعي، ومن زبائني معظم الممثلات السوريات ومنتجو المسلسلات الشامية التراثية».