الصين: استمرار العنف ضد الإيغور.. والرئيس الصيني ينسحب من قمة الثماني لمتابعة الأوضاع

الصحف التركية تدين «المذبحة الصينية» وتدعو حكومتها للتحرك.. وروسيا تعتبر الاضطرابات شأنا داخليا

TT

استمرت أعمال العنف أمس بين الصينيين من إثنية الهان الذين يشكلون أغلبية سكان البلاد، والمسلمين الإيغور، في إقليم شينغ يانغ غربي البلاد، في وقت توعد فيه مسؤول صيني بارز بإنزال عقوبة الإعدام بأي شخص تثبت إدانته بجريمة القتل في الاضطرابات الدموية التي تجتاح عاصمة الإقليم أورومتشي منذ الأحد الماضي.

وقال لي جي زعيم الحزب الشيوعي في أورومتشي في مؤتمر صحافي إن «هؤلاء الذين قتلوا آخرين بوحشية خلال الأحداث سيعاقبون بالإعدام». وأمام استمرار أعمال العنف اضطر الرئيس الصيني هو جينتاو إلى قطع زيارته الرسمية لإيطاليا حيث كان يشارك في قمة مجموعة الثماني، وعاد إلى بلاده في خطوة اعتبرها المراقبون غير مسبوقة، لمتابعة الوضع في شينغ يانغ حيث أوقعت المصادمات أكثر من 150 قتيلا.

وجاءت عودة هو المفاجئة بعد اندلاع أعمال عنف إثنية أول من أمس في اورومتشي في الوقت الذي خرج فيه مئات من قومية الهان إلى الشوارع وهم يحملون العصي والسلاسل والقضبان الحديدية، بحثا عن المسلمين الايغور للانتقام منهم، بعد أن كان هؤلاء قد بدأوا مظاهرات ضدهم يوم الأحد الماضي بسبب شعورهم بالتمييز. واندلعت أمس أعمال عنف جديدة في اورومتشي عندما هاجم رجال من إثنية الهان آخرين من الإيغور، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. وقالت الوكالة إن مراسلها رأى رجلا في ساحة الشعب ملقى أرضا ويتعرض للضرب. وقال إن نحو 20 شخصا من إثنية الهان، بعضهم يحمل عصيا، كانوا يركلون الرجل ويلكمونه. وسارع جنود كانوا على بعد 200 متر عند حاجز يمنع الدخول إلى حي للإيغور، إلى التدخل لتفريق الحشد وإجلاء الجريح. وقال المراسل إنه لم يلاحظ توقيف أحد. وأضافت الوكالة نقلا عن شاهدة من الهان في العشرين من العمر أن «الرجل الذي تعرض للهجوم من الإيغور». وتابعت أنه في حادث ثان، قامت مجموعة من الهان الذين كانوا يقرأون أخبار الاضطرابات في إحدى الصحف بمطاردة ثلاثة أشخاص من الإيغور، وتمكن اثنان فقط من الفرار من الحشد المكون من 50 شخصا تقريبا. أما الثالث فتعرض لضرب مبرح من قبل رجال ونساء بينما هتف الحشد «اضربوا، اضربوا». وقال إن الأمر استمر ثلاثين ثانية تقريبا قبل وصول الشرطة من دون استعجال مع أنها في مكان قريب. وكان وجه الرجل مضرجا بالدماء عندما أبعدته الشرطة التي لم توقف أحدا.

وأضاف أن الحشد الذي بات يعد بالمئات غالبيتهم من الشبان، استهدف رجلا آخر من الإيغور كان مطاردا في زقاق. وتبع الأمر التباس حيث قام البعض بمطاردة رجال الشرطة وإبعاد عناصر الأمن وحتى إجبارهم على إطلاق سراح اثنين من الهان أوقفا في الزقاق.

وانتشرت قوات الأمن الصينية بشكل كثيف أمس للفصل بين الهان والإيغور. وتم تعزيز عناصر الأمن المنتشرة في اورومتشي حيث أوقعت أعمال العنف 156 قتيلا بحسب الحكومة، و400 من الإيغور بحسب المعارضة الإيغورية.

إلا أن رئيس بلدية اورومتشي غيرلا عصام أكد في وقت لاحق للصحافيين المحليين والأجانب في اورومتشي، أن الوضع تحت السيطرة. وطوقت عناصر الأمن بعض أحياء الإيغور وسط تصفيق سكان من الهان ونظرات العداء من الإيغور. وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إن علي وهو من الإيغور، وقد سمح له بعبور الطوق الأمني للعودة إلى منزله بعدما أمضى الليل في عمله في شمال المدينة، علق على الأمر قائلا: «هناك الكثير من الحقد. لا يبدو المستقبل مطمئنا». ويخشى علي أيضا على سلامته، إذ أفادت معلومات لم يتم التأكد منها أن الشرطة تقتحم المنازل وتعتقل رجالا من الإيغور.

وأكدت المعارضة الصينية الإيغورية في المنفى ربيعة قدير أن الشرطة قتلت 400 من الإيغور في اورومتشي وليس 156 شخصا كما أعلنت السلطات. وكتبت زعيمة المؤتمر العالمي الإيغوري في مقالة نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال آسيا» أن 400 من أفراد إثنية الإيغور قتلوا إثر «إطلاق الشرطة النار عليهم وضربهم». وأوردت قدير هذه الحصيلة استنادا إلى مصادر إيغورية في «تركستان الشرقية» بحسب التسمية التي يطلقها الناشطون الإيغور على هذه المنطقة الواقعة شمال غربي الصين.

وأشارت قدير إلى أن الاضطرابات تمتد إلى مناطق أخرى من شينغ يانغ ولا سيما منطقة كشغار في أقصى الغرب حيث افادت معلومات لم يتم التثبت منها عن سقوط مائة قتيل. ونددت بالإجراءات الأمنية المتخذة بحق الإيغور مشيرة بحسب المصادر إلى أن «السلطات الصينية تقوم بدهم المنازل الواحد تلو الآخر وتعتقل رجالا من الإيغور».

وكان السلطات الصينية قد اتهمت قدير (62 عاما) المقيمة في المنفى في الولايات المتحدة منذ 2005 بالوقوف خلف الاضطرابات، الأمر الذي نفته المعارضة. وكررت في الصحيفة أن الأحداث تفاقمت بعدما استخدمت السلطات «القوة المسرفة» في مواجهة مظاهرة سلمية وأكدت أنها «تندد بشكل لا لبس فيه بلجوء بعض الإيغور إلى العنف خلال المظاهرة، وكذلك استخدام الصين القوة المسرفة ضد المتظاهرين».

وقد أثارت موجة العنف ضد الإيغور الذين يتحدثون باللغة التركية، موجة استياء واسعة في تركيا، ونددت الصحف التركية بما سمته «المذبحة الصينية»، ودعت الحكومة التركية إلى التحرك.

وعنونت صحيفة «حرييت» الواسعة الانتشار «رصاصة في الرأس» مشيرة إلى أن معظم الضحايا الذين سقطوا الأحد خلال الاضطرابات الإثنية قتلوا برصاص قوات الأمن. ودانت الصحيفة «المذبحة» و«الاستخدام غير المتكافئ للقوة» من قبل قوى الأمن ضد الإيغور. وكتبت صحيفة «حرييت» الليبرالية «مطاردة الإيغور في اورومتشي» ونشرت صورا لمشرحة المدينة تظهر فيها جثثا مدممة جنبا إلى جنب.

وانتقدت الصحف التركية «صمت» الأسرة الدولية حيال هذه الاضطرابات. وقالت صحيفة «صباح» الشعبية في مقال «ننتظر أن يتعاطف العالم مع الأتراك الإيغور كما تعاطف مع فلسطينيي غزة».

ودعا كاتب في «حرييت» حكومة أنقرة الإسلامية المحافظة إلى التحرك لوقف القمع الصيني. وقال إن «حقوق الإنسان منتهكة في هذه المنطقة (...) في القرن الـ21 يتعرض شعب علنا لمذبحة» داعيا تركيا إلى التدخل كدولة غير دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.

وكانت تركيا أعربت يوم الاثنين الماضي في بيان حذر لعدم إثارة استياء الصين، عن «دهشتها» ودعت الحكومة الصينية إلى عدم تكرار أعمال العنف. وقالت تركيا مرارا إنها تدعم سيادة الصين على شينغ يانغ رافضة أي نزعة انفصالية. وفي نهاية يونيو (حزيران) الماضي، زار الرئيس التركي عبد الله غول الصين لتطوير العلاقات التجارية بين البلدين، وفي هذه المناسبة زار شينغ يانغ.

إلا أن روسيا التي تعاني هي نفسها من حركات انفصالية داخل البلاد وغالبا ما تعمل على قمعها بالقوة، اعتبرت أن الاضطرابات الحاصلة في الصين «شأن داخلي». وجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية أن «روسيا تعتبر منطقة شينغ يانغ جزءا لا يتجزأ من جمهورية الصين الشعبية وتعتبر أن ما يجري فيها شأن داخلي صيني حصرا». وتابع البيان «نأمل أن تتيح الخطوات التي قامت بها سلطات جمهورية الصين الشعبية في إطار القانون للحفاظ على النظام العام في شينغ يانغ، تطبيعا سريعا للوضع في المنطقة».

وتمثل أعمال العنف هذه تهديدا لفكرة «المجتمع المتناغم» التي تطرحها القيادة الشيوعية في الصين، وهو ما دفع السلطة إلى حث الصينيين للحفاظ على الوحدة. ودعت صحيفة «بيبول ديلي» الرسمية التي يصدرها الحزب الشيوعي الحاكم، مواطني البلاد إلى العمل من أجل «الوحدة العرقية» و«حماية مصالح الشعب». وكان الرئيس الصيني هو جينتاو، رئيس الحزب الأوحد في البلاد، قد أطلق في 2004 هذا المفهوم الذي أراده موحدا لكل الصينيين من بكين وكانتون إلى شنغهاي واورومتشي ولاسا في مجتمع يعمه السلام والازدهار، في بلد ضخم يتكون من فسيفساء عرقية ويعاني من فجوات في التنمية بين المدن الكبرى والأحياء التجارية الساحلية، والقرى النائية في الداخل.