بعد 4 سنوات من تطبيقه.. تشكيك بجدوى قرار دمج الصم في التعليم العام

إثر موجة تسرب الطالبات من المدارس.. ومسؤولة في التربية والتعليم تؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنه مطلب تربوي

معهد الأمل في الرياض أحد المعاهد التي احتضنت الصم والبكم طوال سنوات ماضية (تصوير: عبد الله عتيق)
TT

بعد 4 سنوات على تطبيقه، دار تشكيك واسع في الأوساط التعليمية، حول جدوى قرار دمج طالبات الإعاقة السمعية في مدارس التعليم العام.

وجاء هذا التشكيك، على خلفية موجة تسرب من تعانين من الصمم، من المدارس، ومقاطعتهن للدراسة، لأسباب؛ منها نفسية وأخرى اجتماعية، وثالثة تتعلق بصعوبة التعلم.

وفتحت خطوة استمرارية العمل بقرار الدمج الذي يحمل رقم 527، الباب واسعا أمام تزايد أعداد الطالبات غير الملتحقات بالمعاهد نتيجة ذاك القرار الذي يطالب بتحويل الطالبات إلى مركز التشخيص وليس إلى المعاهد الخاصة بحالاتهن.

وعليه فقد ظلت مراحل التعليم الدنيا داخل معاهد الأمل دون أي طالبة ولم يتبق في تلك المعاهد سوى طالبة واحدة في المرحلة الخامسة، و3 أخريات في الصف السادس ابتدائي حسب إحصائية هذا العام.

ويخدم العاصمة السعودية الرياض، معهدان للصم، الأول يقع في شرقها، والآخر في غربها.

وجاء تقليص عدد الطالبات في هذين المعهدين، بناء على سياسة الدمج التي اتبعتها إدارة التربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم، منذ أربع سنوات في طريق يبدو بأنه يرمي بشكل غير مباشر لإغلاق المعاهد التي ظلت ملجأ للطالبات اللائي يعانين من صمم تام أو جزئي.

لكن، الدكتورة وفاء الصالح مديرة عام الإدارة العامة للتربية الخاصة للبنات بوزارة التربية والتعليم، نفت في حديث لـ«الشرق الأوسط»، وجود خطة لدى الوزارة تهدف لإغلاق معاهد الأمل، لافتة إلى أن القبول لا يزال مفتوحا داخل تلك المعاهد.

وتنص تنظيمات قرار دمج أصحاب الإعاقات المختلفة بمدارس التعليم العام، على أن «المدرسة العادية هي البيئة الطبيعية من الناحية التربوية والاجتماعية والنفسية للتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة».

وأشار أحد نصوص هذا التنظيم، إلى أنه «يتساوى أفراد هذه الفئة (العوق) السمعي مع الأفراد العاديين في مراحل التعليم العام، مع التأكيد على أهمية المرحلة التمهيدية الخاصة وتوفير خدمات التدخل المبكر ما أمكن ذلك ويكون دمجهم في المواد الدراسية قدر الإمكان مع ضرورة إكسابهم المهارات التعويضية اللازمة».

وبالرغم من حرص وزارة التربية والتعليم، على مساواة الطالبة العادية، بنظيرتها التي تعاني من الإعاقة، غير أن تجارب أثبتت صعوبة هذا الأمر.

تقول والدة الطالبة هيا السعدي في خطاب وجهته إلى معهد الأمل «قبل سنتين تم دمج ابنتي في إحدى مدارس التعليم العام، لكنها ساءت نفسيتها من جراء عدم انسجامها في المدرسة ما ترتب عليه ترك الدراسة والجلوس في المنزل».

وتقف أسباب نفسية خلف عدم تفضيل أسر طالبات الإعاقة السمعية لدمج بناتهن في مدارس التعليم العام. فكما يقول سلمان الربيش، وهو والد إحدى طالبات المرحلة المتوسطة، إنه يرفض دخول ابنته التي تعاني من إعاقة سمعية في مدارس التعليم العام لما يترتب عليه من جرح لمشاعرها لإحساسها بالنقص عن مثيلاتها من الطالبات السويات.

ومقابل ذلك، اعتبرت قماشة السعدون مديرة معاهد الأمل للصم غرب الرياض، أن تحويل الطالبات في جميع الإعاقات السمعية إلى فصول الدمج أمر «غير منصف»، لمن لم يستطعن التمشى مع متطلبات مدارس التعليم العام، وبخاصة أن خبرات معلمات التعليم العام تختلف عن خبرات معلمات التربية الخاصة، ما يجعل الطالبات يحسسن بعدم انسجام مع جو المدارس الجديدة ويتسربن عن الدراسة.

وأبرزت السعدون في حديثها لـ«الشرق الأوسط» وجود تفاوت في طريقة دمج البنين عن الطريقة المتبعة بالنسبة للبنات، حيث إنه لا يسري على الذكور بمثل الطريقة التي يسري بها على الإناث.

وشرحت ذلك، بقولها «إن نظام الدمج لدى البنين يعتمد على من لديه بقايا سمعية أو ضعف سمعي ومهارات لغوية، في المقابل يتم تسجيل طالبات الضعف السمعي الشديد والحاد ومزدوجي الإعاقة بالمعاهد ويتم التواصل بين المعاهد وبرامج الدمج وهو ما نصت عليه لائحة القواعد التنظيمية وهو ما تطبقه إدارة تعليم البنين في جميع أنحاء السعودية».

وعايشت السعدون التي تدير معهد الأمل للصم (غرب الرياض)، قضية الإعاقة السمعية لمدة 40 عاما.

وترى من واقع خبرتها مساواة طالبات التربية الخاصة بطلاب التربية الخاصة بنين، وبالأخص أن جميع المعاهد تسير على لائحة واحدة وأن عملية التحويل تتم للطالبات اللائي لديهن بقايا سمعية وحصيلة لغوية (نطق) فقط إلى مدارس التعليم العام، مع إبقاء مثيلاتهن من طالبات الصمم الشديد والحاد ومتعددي العوق بمعاهد التربية الخاصة.

وأدى تخفيض أعداد الطالبات التي يدرسن في معاهد الأمل للصم، إلى عدم الاستفادة من كثير من التقنيات التي تزخر بها تلك المعاهد. وأكدت قماشة السعدون أن التفريط في إمكانيات المعاهد، وتجميدها، هو هدر للطاقات والإمكانات، وأن تحويل الطالبات بشكل عشوائي ودون معايشة الواقع، ستؤدي إلى عدم استفادة طالبات العوق السمعي من العملية التربوية، إلى جانب تعريضها إلى تدهور حالتها النفسية لعدم قدرتها على التفاهم مع زميلاتها الطالبات في مدارس التعليم الخاص.

وهنا، لم يخف والد الطالبة بشرى موسى، خشيته من أن تتعرض ابنته وزميلاتها من ذوات الإعاقة السمعية لاستهزاء زميلاتهن بهن.

وأبرز عدد من معلمات التربية الخاصة (مسار الإعاقة السمعية)، واللائي تم ندبهن مؤخرا إلى إحدى مدارس التعليم العام التي يطبق بها برنامج الدمج، السلبيات التي لمسوها من خلال تعايشهن من جراء عملية الدمج.

وذكرت 11 معلمة، في رسالة أوصلوها لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك سلبيات من حيث عدم ملاءمة المبنى والإدارة لعامل الدمج كما أنهن لمسن عدم وعي المدرسة بشكل كاف باحتياجات المعوقين ومتطلباتهن النفسية والجسدية إلى جانب عدم تقبل معلمات وطالبات التعليم العام لطالبات الاحتياجات الخاصة.

وأشارت المعلمات إلى عشوائية تنفيذ قرار دمج المعاقات سمعيا، حيث أصبح الدمج لجميع الإعاقات سواء كان سمعيا شديدا أو فكريا أو صعوبات تعلم كما أصبح الفصل الواحد يضم أكثر من إعاقة ما سبب إحباطا وجهدا مضاعفا من قبل المعلمات والطالبات وعدم الاستفادة المثالية من الدمج.

وتبرز معاناة أخرى، أيضا، بحسب المعلمات، تتمثل بـ«عدم تمكن معلمات التربية الخاصة من التوفيق بين طالبات التربية الخاصة وطالبات التعليم العام»، حيث «تطالب مديرة التعليم العام معلماتها بالتركيز على طالبات التعليم العام، فيما تطالب موجهة التربية الخاصة معلماتها بالتركيز على طالبات التربية الخاصة».

غير أن الدكتورة وفاء الصالح مديرة عام الإدارة العامة بالتربية الخاصة، ترى أن الدمج «مطلب تربوي». وقالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «خطة الوزارة هي اتباع سياسة الدمج مع بقاء المعاهد، وأن سياسة الدمج التي انتهجتها الوزارة كانت حلا للطالبات لبقائهن في مناطق وأحياء تكون قريبة من أسرهن، حيث إنه لا يوجد في الرياض إلا معهدان فقط للبنات، وهى في مناطق قد تكون بعيدة عن بعض الطالبات.

وأقرت المسؤولة في وزارة التربية والتعليم، بوجود نواح سلبية لقرار الدمج، غير أن ذلك لا يلغي إيجابياته. وقالت إن وزارة التربية والتعليم حريصة على معرفة أسباب رفض بعض الأسر لمسألة الدمج، وذلك لتصحيح الوضع مستقبلا، لافتة إلى أن القرار الأول والأخير في هذه المسألة يعود لرغبة الأهالي في دمج بناتهن في التعليم العام من عدمها.