خاتمي يطالب باستفتاء.. وموسوي يعلن ظهور جيل جديد لا يخشى التخويف

خامنئي يندد مجددا بالتدخل الخارجي ويدعو الإيرانيين لمراقبة «كلامهم ومواقفهم.. وحتى أسرارهم»

الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد يلقي كلمة في احتفال حضره المرشد الايراني آية الله علي خامنئي، ويظهر في الصورة آية الله شهرودي رئيس السلطة القضائية وعلي لاريجاني رئيس مجلس الشورى (أ ف ب)
TT

طالب التيار الإصلاحي في إيران باستفتاء حول شرعية الحكومة، متحديا بذلك المرشد الأعلى للجمهورية الذي أيد نتيجة انتخابات الرئاسة المتنازع على نتيجتها، والذي جدد أمس تنديده «بالتدخلات الخارجية» في الشأن الإيراني، وطالب الإيرانيين بمراقبة «كلامهم ومواقفهم.. وحتى أسرارهم».

ونقلت مواقع إلكترونية أمس عن الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي قوله: «الطريقة الوحيدة للخروج من الوضع الحالي هي إجراء استفتاء. يجب سؤال الناس ما إذا كانوا سعداء بالوضع الحالي. إذا كانت أغلبية الناس سعيدة بالوضع الحالي فسنقبله نحن أيضا».

وفاز الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة التي جرت في 12 يونيو (حزيران) الماضي، محققا انتصارا ساحقا، مما أشعل أكبر مظاهرات في إيران منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979. ولقي 20 شخصا، على الأقل، حتفهم في أعمال العنف قبل أن تقمع «شرطة مكافحة الشغب» و«ميليشيا الباسيج» الاحتجاجات. كما كشفت الانتخابات عن انقسامات شديدة داخل النخبة الحاكمة في إيران، إذ واصل المرشح المهزوم مير حسين موسوي، وخاتمي، ورفسنجاني، التشكيك في النتيجة حتى بعد أن أيدها الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.

وجاءت دعوة خاتمي إلى الاستفتاء بعد خطبة الجمعة التي ألقاها رفسنجاني، والتي أشارت إلى أن معسكر الإصلاحيين ما زال غير مستعد للاستسلام بهدوء، رغم الإجراءات القمعية المشددة واحتجاز المئات ومن بينهم إصلاحيون بارزون وصحافيون ونشطاء ومحامون. وقال خاتمي: «كما قال رفسنجاني فلا بد من إعادة الثقة العامة إلى المجتمع. أعلنا منذ البداية أن هناك سبلا قانونية لإعادة تلك الثقة ولكن دعواتنا تقابل بالتجاهل. أقول مرة أخرى إن الحل الوحيد هو التفكير في أصوات الناس وإجراء استفتاء قانوني». واقترح خاتمي، الذي ما زال يحظى بشعبية لكنه يتمتع بسلطة ضعيفة داخل المؤسسة الرسمية، أن يشرف مجمع تشخيص مصلحة النظام على الانتخابات. وقال خاتمي في تعليقات نُسبت إليه خلال اجتماع مع أسر السجناء السياسيين: «يجب أن نسأل الشعب هل هو راض عن الوضع الراهن، ولو كانت الأغلبية توافق على الظروف الراهنة فإننا سننضم إليهم».

من جهة أخرى، وخلال اجتماع مع إدارة جمعية أسر الأشخاص الذين اعتقلوا الأسبوع الماضي، طلب خاتمي من جديد «الإفراج عن الموقوفين». وقالت وكالة الأنباء «إيلنا» إن «خاتمي طلب الإفراج في أسرع وقت ممكن عن الموقوفين». وانتقد «سير الانتخابات وزعزعة ثقة الشعب». كذلك، أصدرت «جمعية رجال الدين المجاهدين» المؤيدة لخاتمي، التي تضم رجال دين إصلاحيين، أمس بيانا طالبت بتنظيم استفتاء معتبرة أن «ملايين الإيرانيين فقدوا الثقة بالعملية الانتخابية». وقالت الجمعية في بيانها: «بما أن ملايين الإيرانيين فقدوا ثقتهم بالعملية الانتخابية، فإن جمعية رجال الدين المجاهدين تطالب ـ بإلحاح ـ بتنظيم استفتاء من قبل هيئات مستقلة». وحسب الدستور الإيراني، وحده المرشد الأعلى للجمهورية آية الله علي خامنئي يمكن أن يأمر بتنظيم استفتاء. وتؤيد الجمعية أيضا مقترحات الرئيس الأسبق رفسنجاني الذي طالب الجمعية بالإفراج عن المعتقلين، والسماح بإعادة صدور الصحف المحظورة لتهدئة المناخ السياسي، وإعادة الثقة التي فقدها جزء من الإيرانيين. ومن جانبه، جدد موسوي أمس دعوته إلى السلطات بالإفراج عن الأشخاص الذين تم توقيفهم بسبب الاحتجاجات على نتائج الانتخابات. وقال موسوي خلال اجتماع مع عائلات المحتجزين «من يصدق أن هؤلاء الناس، وكثير منهم شخصيات بارزة، يمكنهم العمل مع أجانب وتعريض مصالح بلادها للخطر. يجب أن يفرج عنهم على الفور». وتساءل موسوي حسبما جاء في موقع «مشاركت» الإلكتروني: «أليست إهانة لأربعين مليون ناخب عندما يجري ربط المحتجزين بدول أجنبية؟ أحباؤنا في السجن والمحامون غير قادرين على الوصول إليهم، وهم تحت ضغط لانتزاع اعترافات منهم».

واعتبر موسوي أيضا أن اعتقال المحتجين لن يحل أي نزاع انتخابي، فقال: «الاعتقالات لن تحل القضية. اتركوا الناس تعبر بحرية عن احتجاجها وأفكارها».

وقال موسوي إن إيران شهدت ظهور جيل جديد لا يخشى الاعتقالات.

وأضاف في لقاء مع عائلات المعتقلين السياسيين: «ظهر اليوم جيل جديد وصحوة جديدة، لا يمكن القضاء عليها عن طريق الاعتقالات والاتهامات الباطلة».

وأضاف موسوي «إننا سنقبل كل الصعاب، وندفع كل ما يلزم ثمنا لمستقبل أفضل، لقد قدمنا التضحيات (في الثلاثين عاما الأخيرة) لصالح الحرية وليس من أجل زيادة عدد سجنائنا».

كما ندد بالحكومة ووسائل الإعلام التي تديرها الدولة لوصفهم بأنهم عملاء لدول أجنبية. ووصف موسوي تلك الادعاءات بأنها «إهانة لذكاء الشعب، مما سيكون لها نتائج بشعة للغاية».

وبالإضافة إلى المعارضين والمتظاهرين، فقد تم اعتقال عدد من الوزراء ونواب البرلمان السابقين واحتجزوا لمدة ثلاثة أسابيع تقريبا.

وتساءل موسوي «كيف يمكن تصديق اتهام هؤلاء الأشخاص، الذين أظهر بعضهم التزاما كبيرا، ببيع أنفسهم للأجانب؟».

وقال موسوي «إن إرادة الشعب من أجل الحرية تستحق معاملة أفضل من استخدام العصي والهراوات ضدهم»، محذرا قوات الأمن من استخدام الأساليب نفسها ضد المتظاهرين، التي كان يستخدمها نظام الشاه المخلوع ضد الثورة الإسلامية عام 1979.

وجدد موسوي معارضته لأحمدي نجاد، وقال إن حكومته لا تتمتع بتأييد شعبي.

وعلى الجانب الآخر، اتهم المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، خامنئي، مجددا «أعداء الشعب الإيراني» بدعم أعمال العنف التي تلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لا سيما عبر وسائل إعلامها. وقال المرشد الأعلى في خطاب ألقاه أمام مسؤولي البلاد بمناسبة «ذكرى الإسراء والمعراج»: «إن أعداء الشعب الإيراني أذاعوا، عبر وسائل إعلامهم، وبشكل علني، تعليمات إلى مثيري أعمال الشغب حول كيفية تعكير الأمن والقيام بأعمال التخريب والاشتباكات، ومن جهة أخرى يدعون أنهم لا يتدخلون في شؤون إيران». وأضاف: «إنهم يقومون بالتدخل بشكل مفضوح». وكان خامنئي يشير إلى مظاهرات الاحتجاج التي تلت إعادة انتخاب الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد وأوقعت 20 قتيلا على الأقل.

واعتبر خامنئي، في خطابه الذي نشرت مقتطفات منه وكالة «مهر» للأنباء الإيرانية، أن «عزة الشعب الإيراني في الوقت الحاضر تحققت نتيجة نجاحه في الاختبارات الصعبة التي واجهها على مدى الثلاثين عاما الماضية»، مضيفا أن الجهات المناهضة لإيران «جعلت شعارها (مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، وتعتبر النظام الإسلامي عقبة أمام تنفيذ مآربها المشؤومة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط».

وتطرق المرشد الأعلى لإيران إلى مظاهرات الاحتجاج التي تلت إعادة انتخاب نجاد، وشدد، حسب وكالة «مهر»، على «ضرورة التمييز بين مثيري أعمال الشغب والمواطنين». وأضافت الوكالة أن خامنئي اعتبر أن «الشعب الإيراني يلفظ كل من يريد أن يسوق المجتمع باتجاه انعدام الأمن، مهما كان موقعه أو منصبه». وتابع قائلا: «يجب على الجميع أن يراقب كلامه ومواقفه، وحتى أسراره، لأن عدم التحدث عن قضايا ينبغي التصريح بها هو بمثابة عدم أداء الواجب، والتحدث عن قضايا لا ينبغي التصريح بها يعد خلافا للواجب». وقال أيضا: «إن على النخب أن تراقب نفسها لأنها تخوض اختبارا عسيرا، وعدم النجاح في هذا الاختبار لن يكون عدم القبول فحسب، وإنما سيؤدي إلى سقوطهم». ويتوقع أن تشهد طهران تظاهرات بين طرفي الأزمة السياسية، اليوم، بمناسبة إحياء ذكرى رفض الجنود إطلاق النار على متظاهرين كانوا خرجوا عام 1952 دعما لرئيس الوزراء محمد مصدق، الذي أطيح به في انقلاب في العام الموالي. وتحدث مراقبون مسبقا عن مشاركة مفترضة للآلاف من أنصار موسوي في تظاهرات اليوم. وأشارت مواقع إلكترونية إلى أن محمد كامراني، الذي ألقي القبض عليه في تظاهرة في التاسع من الشهر الحالي، قد أصيب بجروح شديدة خلال اعتقاله في سجن إفين بطهران، ومات في مستشفى خاص بعد أيام. وأدى النزاع الذي سببته الانتخابات الرئاسية الأخيرة إلى توتر العلاقات بين إيران والغرب، المنخرطين أصلا في نزاع بسبب البرنامج النووي الإيراني. وانتقدت قوى غربية قمع المحتجين واتهمتها إيران بالتدخل في شؤونها الداخلية. وتقول جماعات لحقوق الإنسان إن السلطات احتجزت المئات، بينهم ساسة كبار مؤيدون للإصلاح وصحافيون ونشطاء ومحامون منذ الانتخابات منهم شادي صدر، وهو نشط بارز في حقوق الإنسان.

وأفرجت السلطات الإيرانية، أول من أمس، عن حسين رسام، الموظف الإيراني بالسفارة البريطانية، بكفالة بعد ثلاثة أسابيع من احتجازه لاتهامات بالتحريض على الاضطرابات. وكان رسام هو آخر من بقي محتجزا من بين تسعة موظفين من السفارة البريطانية في طهران ألقي القبض عليهم أواخر الشهر الماضي بسبب مزاعم بتورطهم في احتجاجات الشوارع الهائلة التي أعقبت الانتخابات.