لماذا لم تنتشر الهواتف الجوالة اليابانية عالميا؟

مصنعوها كانوا أكثر ذكاء واتجهوا بها نحو الداخل

في اليابان حوالي 100 مليون مستخدم للجيل الثالث من الهواتف الذكية المتطورة وهو ضعف عدد المستخدمين في الولايات المتحدة («نيويورك تايمز»)
TT

للوهلة الأولى، تبدو الهواتف اليابانية الجوالة هي الحلم المثالي لكل عشاق الهواتف: فهي مجهزة لاستقبال الإنترنت والبريد الإلكتروني، وتقوم بمقام البطاقات الائتمانية، ويمكنك عن طريقها حجز تذاكر السفر وحساب نسبة الدهون بجسم الإنسان، ومع ذلك فإنه من الصعب أن تجد شخصا في شيكاغو أو في لندن يستخدم هاتفا يابانيا مثل باناسونيك أو شارب أو «إن إي سي». وبالرغم من السنوات الطويلة من محاولة اختراق الأسواق الخارجية، فإنه ما زال لمصنعي الهواتف الياباني تواجد محدود للغاية خلف حدود دولتهم.

يقول غيرهارد فاسول رئيس شركة «يوروتكنولوجيا» لاستشارات تكنولوجيا المعلومات والتي يقع مقرها في طوكيو: «لقد كانت اليابان دائما سابقة بسنوات طويلة في أي تطور، ولكنها لم تتمكن أبدا من تحويل ذلك التقدم إلى إنجازات مالية».

ويقول تاكيشي ناتسونو الذي يدرس في جامعة «كيو» بطوكيو إن اليابانيين يطلقون على تلك المشكلة اسم متلازمة غالاباغوس، حيث تماثل الهواتف الجوالة اليابانية الأنواع المتوطنة التي وجدها دارون على جزر الغالاباغوس، التي تطورت بطريقة مذهلة ومختلفة عن مثيلاتها في الموطن الأصلي.

وقد جمع ناتسونو الذي قام بتطوير خدمة إنترنت لاسلكية أطلق عليها اسم «أي مود» عددا من أفضل العقول في المجال للتفكير في تسويق الهواتف اليابانية عالميا. يقول السيد ناتسونو: «إن الشيء المذهل فيما يتعلق باليابان هو أنه حتى الشخص العادي يستطيع الحصول على هاتف شديد التطور، ولذلك فنحن نتساءل: ألا تستطيع اليابان أن تستغل تلك الميزة؟».

وليس لليابان حصة في السوق العالمي بخلاف حصة شركة سوني إريكسون وهي شركة مشتركة بين شركة تصنيع الإلكترونيات اليابانية وشركة الاتصالات السويدية ويقع مقرها في لندن؛ وتعرضت تلك الشركة لخسائر ضخمة؛ حيث بلغت حصتها في السوق 6.3 في المائة فقط في الربع الأول من عام 2009، حيث كانت تلي شركة نوكيا الفنلندية، وسامسونغ للإلكترونيات، وإل جي من كوريا الجنوبية وموتورولا من إلينوي.

ولكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة، هو أن اليابان ما زالت غير قادرة على الهيمنة على السوق العالمية رغم أنها هي التي تحصل دائما على قصب السبق في التجديد الصناعي: فقد أضافت القدرة على استخدام البريد الإلكتروني في 1999، وأضافت الكاميرات إلى الهواتف في 2000، والجيل الثالث من الشبكات في عام 2001، والقدرة على تحميل الملفات الموسيقية الكاملة في 2002، والقدرة على الدفع الإلكتروني في عام 2004 واستخدام التلفزيونات الرقمية في 2005.

ولدى اليابان حوالي 100 مليون مستخدم للجيل الثالث من الهواتف الذكية المتطورة وهو ضعف عدد المستخدمين في الولايات المتحدة، بالرغم من أن حجم سوق الولايات المتحدة أكبر بكثير من السوق اليابانية، كما يعتمد العديد من اليابانيين على هواتفهم وليس حواسبهم في الدخول على الإنترنت.

وبلا أدنى شك، كان المصنعون اليابانيون يفكرون في أنهم قد وضعوا أنفسهم في الموقع الملائم للسيطرة على عصر البيانات الرقمية ولكن مصنعي الهواتف اليابانيين كانوا أكثر ذكاء من اللازم، وتزايد اتجاه الصناعة نحو الداخل.

وفي التسعينات، قام المصنعون اليابانيون بوضع معيار لشبكات الجيل الثاني لم يحظ بقبول في جميع الأماكن، كما ابتكر المصنعون خدمات للإنترنت خاضعة للحماية مثل «أي مود». وبالرغم من أن خدمات الويب على الموبايل قد عززت التجارة الإلكترونية الضخمة وأسواق المحتوى في اليابان، فإنها زادت من عزلة ذلك البلد عن السوق العالمية.

وسرعان ما تبنت اليابان معيارا جديدا للجيل الثالث في 2001، ولم يلحق باقي العالم بذلك التطور مما جعل الهواتف اليابانية أكثر تقدما بالنسبة لمعظم الأسواق.

وفي الوقت نفسه، لم يعط النمو المتسارع لسوق الهواتف اليابانية الداخلية في أواخر التسعينات وبداية الألفيات الشركات اليابانية سوى دافع ضئيل كي يحاول المصنعون اليابانيون التسويق خارج اليابان. ولكن ذلك السوق يتضاءل حاليا بسرعة عالية متأثرا بالانكماش؛ حيث شحن المصنعون نسبة أقل من الهواتف بنسبة 19 في المائة في 2008 ومن المتوقع أن يقوموا بشحن عدد أقل في عام 2009، وتتنافس ثماني شركات على جزء من السوق الذي سيصبح أقل من 30 مليون وحدة خلال العام الجاري.

وتفكر حاليا العديد من الشركات اليابانية في محاولة ولوج الأسواق الخارجية، بما فيها شركة «إن إي سي» والتي كانت قد أوقفت مشروعاتها الدولية الخاسرة في عام 2006، ويقال إن شركة باناسونيك وشارب وتوشيبا وفوجيتسو تستعد للقيام بخطوات مشابهة. يقول كينشي تازاكي نائب رئيس شركة الاستشارات غارتنير: «على شركات تصنيع الهواتف اليابانية إما التطلع نحو الأسواق العالمية أو ترك ذلك المجال».

وفي اجتماع أخير لمجموعة السيد ناتسونو التقى عشرون رجلا وامرأة واحدة حول طاولة الاجتماعات في إحدى ناطحات السحاب في وسط طوكيو، لفحص بيانات السوق، وكانوا يقدمون نقدا لاذعا ويهزون رؤوسهم بين فينة وأخرى، ثم تحولت المناقشة إلى مناقشة حول صناعة الهواتف نفسها؛ حيث قال بعض المشاركين إنه بالرغم من وجود أجهزة أكثر تطورا لديهم فإن مظهرها يبدو بدائيا. كما لا توجد في معظم تلك الهواتف طريقة سهلة لتصنيف البيانات من خلال الدخول على أجهزة الكومبيوتر كما تفعل أجهزة الآي فون وبعض الأجهزة الذكية الأخرى.

ويقول تيتسوزو ماتسوموتو نائب الرئيس في سوفتبانك موبايل وهي من الشركات الرائدة: إن كل موديل من موديلات الهواتف له واجهة مصممة لمستخدم محدد، وبالتالي تستغرق عملية التطوير الكثير من الوقت والتكلفة، مضيفا: «تصنع الهواتف اليابانية بأكملها «يدويا»، وبالتالي فقد وصلت للحد الأقصى».

ثم هناك خصوصية السوق الياباني مثل تصميم الصدفة الذي لا يلقى رواجا بالخارج وتم اعتبار بعض الابتكارات الجديدة مثل شحن البطاريات بالشمس، أو الهواتف المقاومة للمياه، أفكارا زائدة عن الحد.

كما أن الهواتف اليابانية تعد كبيرة الحجم نظرا لتركيز المصنعين على تطوير الهاردوير، فيقول بعض المحللين إن المصنعين يؤثرون سلبا على تلك الهواتف لأنهم يتطلبون قدرا كبيرا من الخصائص فيها.

فعلى سبيل المثال، يأتي هاتف شارب 912SH مزودا بشاشة إل سي دي يمكن إدارتها حتى زاوية 90 درجة، كما أنه مزود بنظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس)، وقارئ للباركود، وتلفزيون رقمي، وخصائص البطاقات الائتمانية، وعقد المؤتمرات المصورة عبر الهاتف، وكاميرا، بالإضافة إلى أنه يمكن فتح تأمين لوحة المفاتيح عن طريق التعرف على ملامح الوجه.

وفي الوقت نفسه، يشعر المبرمجون اليابانيون بالغيرة من الشعبية العالمية المتزايدة لهواتف آي فون آبل وأب ستور، التي جعلت مصنعي الهواتف الأميركية والأوروبية يبتعدون عن ولعهم بخصائص الهاردوير ويمنحون اهتمامهم للسوفت وير. يقول السيد ناتسونو وهو يلعب بهاتف الآي فون من الجيل الثالث الخاص به: «ذلك هو نوع الهاتف الذي أحب أن أصنعه».

وقد تسبب التمايز الشديد بين الهاردوير المتطور الذي تنتجه اليابان والسوفت وير البدائي في خلق موقف مضطرب حول كيفية نظر اليابان إلى هواتف الآي فون. فهل تنظر إليها على أنها أحد الإنجازات الإلكترونية، أم أنها تنظر إليها على أنه اكتشاف باعث على الملل؟ ويقول أحد المحللين إنهم فقط غير معتادين على الأجهزة التي تتصل بالكومبيوتر.

وقد أصدر المنتدى الذي عقده السيد ناتسونو لبحث متلازمة غالاباغوس سلسلة من التوصيات: يجب أن يعطي مصنعو الهواتف الجوالة اهتماما أكبر للسوفت وير، كما يجب أن يكونوا أكثر جرأة في تعيين مواهب أجنبية، والتطلع إلى السوق الخارجية. يقول تستسورو تسوساكا محلل الاتصالات في باركليز كابيتان باليابان: «ليس الوقت متأخرا على أن تتوجه اليابان بصناعة الهواتف نحو الخارج، بالإضافة إلى أن معظم الهواتف خارج الغالاباغوس هواتف بدائية للغاية».

*خدمة «نيويورك تايمز»