وسيلة جديدة.. تتيح العثور على المفقودين

أكثر من 4 آلاف جثة غير معروفة الهوية تنتهي كل عام في الحدائق والغابات

TT

تعرفت السلطات في فيرجينيا على جثة مراهق كان قد اختفى منذ 14 عاما في أول نجاح تحققه باستخدام قاعدة بيانات على مستوى الدولة بأسرها، تهدف إلى التعرف على آلاف الجثث للأشخاص الذين ماتوا من دون أن تحدد هويتهم وفي بعض الأحيان ظلوا كذلك لعقود. ويتمنى ممثلو الإدعاء في ماريلاند أن يستخدم النظام لإغلاق قضية تتعلق بجريمة قتل كانت قد تم إبطالها مرتين؛ مرة بسبب خطأ في الإجراءات، ومرة أخرى بسبب عجز هيئة المحلفين عن اتخاذ قرار بشأنها.

وتستهدف الأداة الجديدة الموجودة على شبكة الإنترنت (قاعدة البيانات) التي أطلق عليها اسم «نظام وزارة العدل للأشخاص المفقودين أو الذين لم يتم التعرف عليهم» التعرف على عدد لا يحصى من الجثث التي تخزن ملفاتها على أرفف مكتب المحقق الطبي ومعامل الطب الشرعي في أنحاء البلاد كافة؛ حيث تقارن بين قضايا الأشخاص المفقودين والجثث أو الهياكل العظمية التي لا تحمل أسماء.

ولكل من الشرطة والطب الشرعي، والمحققين الجنائيين وأفراد أسرة الشخص المفقود الحق في الدخول على قاعدة البيانات، وهم يحاولون حاليا استخلاص المعلومات من تقارير الأشخاص المفقودين لعدة سنوات ومقارنتها مع مواصفات جثث المتوفين المجهولين.

وفي قضية فرجينيا، تم إدخال وصف تفصيلي لجثة توسينت غامبس ـ بدءا من ندبة على رجل الولد الذي يبلغ من العمر 16 عاما ـ على الموقع الإلكتروني، واستطاع متطوع كان يتصفح الإنترنت رصد عوامل التشابه بين التقرير المتعلق بالجثة مع التقرير المتعلقة باختفاء توسينت في ريتشموند. وباستخدام أحدث تقنيات الحمض النووي، أكد المسؤولون وفاة المراهق، وأخيرا استطاعوا تقديم إجابة لعائلته.

مما لا شك فيه أن تلك الحقيقة قد أحزنت روبرت غامبس، الذي كان مقتنعا بأن ابنه يتعاطى المخدرات وأنه هرب بصحبة أصدقائه، ولكنها أعطته كذلك فرصة الحداد على ابنه. ويقول غامبس الذي يعيش في نيويورك وعلم بوفاة ابنه في الأسابيع الأخيرة: «لقد بدأت في الصراخ داخل حجرتي، فأنا لم أفكر أبدا في أنه قد مات. لقد كانت الكلمات الأخيرة التي قالها لي: أبي، سوف أعود لأنه علينا أن نتحدث سويا».

تقول كريستينا روز القائم بأعمال مدير المعهد القومي للعدالة إن مستقبل ذلك النظام الجديد مستقبل باهر، مضيفة: «بدلا من استخدام ذلك النظام المشتت؛ حيث يضطر الناس إلى الذهاب إلى المحققين الجنائيين، والأطباء الشرعيين، وقوات فرض القانون، فقد وضعنا كل شيء في مخزن مركزي، حيث يستطيع الناس أن يشتركوا في التعرف على أقاربهم، كما أنهم هم الذين سيعملون طوال الليل على القضايا الخاصة بهم».

ووفقا لتقرير فيدرالي صدر في 2007، فإن نحو 4400 جثة لم يستدل على صاحبها تنتهي كل عام في الحدائق والغابات والمنازل المهجورة وبعض الأماكن الأخرى، وعلى الرغم من أن السلطات تتعرف سريعا على معظم تلك الجثث، فإنه يبقى نحو 1000 جثة لا يستدل على صاحبها سنويا. وتختلف التقديرات حول إجمالي عدد الجثث إلى حد كبير، فهي تتراوح بين 13500 إلى 40000.

ويتزايد الرابط الذي يصل بين قوائم المفقودين ومواصفات الموتى كل يوم، حيث تضيف السلطات وأفراد الأسر مزيدا من البيانات، إنه ألبوم كئيب من المواصفات، بعضها رهيب وبعضها عادي؛ فهناك امرأة توفيت في منتزه روك كرييك في فبراير (شباط) 2008 وهي تحمل مرطبا للشفاه وكيسا من الحلوى الصلبة في جيب معطفها الشتوي الأزرق، بينما هناك ذلك الشاب الذي قتل في حادث سير مروع في مونتغومير كاونتي ولديه شارب.

وفي عام 1976، ألقيت جثة امرأة من دون رأس أو أصابع، عارية ومقيدة على شاطئ شكسبير.

يقول أرثور إيزنبرغ المدير المشارك لمركز الهوية الإنسانية بجامعة شمال تكساس الذي يعمل على هوية الجثث ويجري اختبارات الحمض النووي مجانا لأفراد أسر المفقودين: «هناك أمهات وآباء يستيقظون كل يوم لسنوات طويلة وهم لا يريدون سوى أن يعرفوا ما الذي حدث لابنهم. لذلك نحن نفعل ذلك».

وتمنح قاعدة البيانات تلك الأمل لأناس مثل دارلين هانتسمان الذي لم يتوقف أبدا عن البحث عن شقيقته برناديت كاروسو. ففي أحد الأيام من عام 1986، تركت كاروسو، من بين أكثر من 100500 شخص تم تسجيلهم كمفقودين في جميع أنحاء البلاد في ذلك الشهر، مكان عملها في محل المجوهرات ببالتيمور كاونتي، ولم ترها عائلتها مرة أخرى.

وقد أدخل هانتسمان بحرص كل البيانات التي يعرفها حول اختفاء أخته في قاعدة البيانات وهو مدرك أن كل معلومة يضيفها ربما تكون هي المعلومة الفاصلة في الوصول إلى الحقيقة. كانت كاروسو على الأرجح ترتدي ساعة ميكي ماوس، وكانت ترتدي ثوبا أسود عاري الكتفين، وحذاء وردي اللون وقد غادرت إيستبوينت في نحو 5:05 في ذلك المساء من شهر سبتمبر (أيلول).

كما أعطى هانتسمان وبعض أفراد الأسرة الآخرين بعض العينات الجينية لكي يتم مقارنتها مع تلك العينات المأخوذة من الجثث والهياكل العظمية. يقول هانتسمان: «إن ذلك يجعلك تشعر أنك تفعل شيئا لذلك الشخص، فأنت تشعر أنها تعرف أنك ما زلت تحاول».

وقد نشأ مفهوم إنشاء قاعدة البيانات تلك في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على مركز التجارة العالمي عندما اتضحت صعوبة مقارنة الأشخاص المفقودين بالجثث؛ فبدأ الأطباء الشرعيون والمحققون الجنائيون في إدخال أوصاف الجثث غير معروفة الهوية عام 2007 حتى وصل العدد إلى نحو 5225 في قاعدة البيانات بما يشمل 273 من ماريلاند وفيرجينيا، وتمت إضافة قضايا الأشخاص المفقودين لهذا العام، حيث ما زالت هناك نحو 1772 قضية مفتوحة.

وقد بدأت قاعدة البيانات أوتوماتيكيا هذا الشهر في مقارنة الملفات وإرسال إنذارات إلى قوى فرض القانون أو عائلات الضحايا عندما تكتشف وجود علامات تشابه بين الأشخاص المفقودين وأحد الجثث غير المتعرف على هويتها. ولكن حتى الآن، فإن النجاح الذي استطاعوا تحقيقه كان يأتي من أفراد الأسر أو الضحايا أو غيرهم ممن حاولوا البحث في الموقع.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»