مصادر: حكومة سعد الحريري الأولى لن تبصر النور قريبا.. وإعلان الأزمة منتصف أغسطس

مصدر دبلوماسي عربي لـ «الشرق الأوسط»: تأليفها أصبح عملية لبنانية ـ لبنانية

TT

لا تزال التشكيلة الحكومية اللبنانية «بعيدة المنال» حتى الساعة، بسبب عدم توصل الأطراف المعنية بتشكيلتها إلى اتفاق على «المبادئ الرئيسية» لهذه التشكيلة، وتحديدا مسألة توزيع الأرقام بين فريقي الأكثرية والأقلية البرلمانية، بالإضافة إلى حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من وزرائها.

ودعا مصدر دبلوماسي عربي إلى عدم النظر إلى ما وراء الحدود اللبنانية في إشارة إلى الكلام عن «تعثر» في الاتصالات السعودية ـ السورية يعرقل قيام الحكومة الجديدة في لبنان. وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن الاتصالات السعودية ـ السورية لم تتوقف منذ قمة الكويت وكلام خادم الحرمين الشريفين عن فتح «صفحة جديدة» في العلاقات العربية. وخلص المصدر إلى التأكيد على أن الكرة الآن في الملعب اللبناني، وأن قضية قيام الحكومة وترتيباتها هي «لبنانية ـ لبنانية» مائة في المائة.

وعلى الرغم من أجواء التفاؤل التي يبثها رئيس مجلس النواب نبيه بري «وحيدا» بإمكان تأليف الحكومة قبل نهاية الشهر الحالي، فإن الأجواء لا تؤشر لإمكان ولادة الحكومة الجديدة في المدى المنظور، بعد مرور نحو شهر على تكليف النائب سعد الحريري تأليفها. ويعتصم الحريري بالصمت المطلق في مساعيه لتأليف الحكومة، غير أن ما يتسرب من معلومات لا يوحي بأي تقدم حقيقي. وتبقى العقدة الأساسية هي طلب المعارضة حصة تسمح لها بتعطيل القرارات الأساسية في الحكومة المقبلة، وهو ما ترفضه الأكثرية بشكل قاطع. واللافت أن الطرفين يتجنبان خوض مواجهة علنية في هذا المجال إفساحا في المجال أمام «المناورات التشاورية». ويبقى موقف الحريري واضحا في هذا المجال لجهة مطالبته بـ«حكومة قادرة على أن تحكم» ويبقى تأليف الحكومة الائتلافية رهن بإقرار المعارضة بهذا المبدأ الذي يعني تخليها عن طلب «الثلث المعطل».

وتؤكد مصادر متابعة لعملية التأليف أن المهلة التي استغرقتها عملية التأليف حتى الآن «مقبولة»، غير أنها قالت لـ«الشرق الأوسط» إن امتداد العملية إلى ما بعد منتصف أغسطس (آب) المقبل سيكون بمثابة «إعلان أزمة» وهو لن يكون في مصلحة الجميع.

ونقل السفير الإسباني في لبنان خوان كارلوس غافو عن الحريري «انطباعا بأن الأمور تسير في الطريق الصحيح، وأن المهم هو أن القوى السياسية التي تملك وجهات نظر مختلفة حيال تأليف الحكومة، تشعر جميعها بأن الوقت حان للقيام بعمل بناء وأن تعمل جميعها في إطار حكومة وحدة تكون مقبولة وتخدم الشعب اللبناني ولبنان، وتساعده على انجاز الإصلاحات واتخاذ القرارات التي تساهم في بناء البلد وإرساء الاستقرار فيه». وكان الحريري قد زار أمس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس اغناطيوس الرابع هزيم ومطران بيروت للطائفة المطران الياس عودة، في حضور وزير الإعلام الدكتور طارق متري ومستشار الحريري هاني حمود. وأكد الحريري بعد اللقاء أن ما يهمه هو «العيش المشترك والتركيز عليه، لأننا في لبنان مسيحيين مسلمين، لسنا فقط محكومين بالعيش معا، ولكن إرادتنا هي في أن نعيش مع بعضنا وأن نتساوى ونتناصف في ما بيننا».

واستبعد النائب أحمد فتفت (كتلة المستقبل) «تشكيل حكومة في خلال الأيام المقبلة رغم تفاؤل الرئيس نبيه بري». وقال: «إن العقد ما زالت على حالها من خلال ما يطلق من مواقف للمعارضة»، نافيا في الوقت عينه «أن ندخل في أزمة تأليف تستمر أشهرا». ورأى فتفت «أن هناك فئة في الأقلية لا تؤيد موقف الرئيس بري»، مشيرا في هذا الإطار إلى موقف النائب ميشال عون الأخير. وقال: «إن العقبات لا تزال هي هي، فكل يوم نسمع وفي شكل مختلف في موضوع الثلث المعطل أو ما سمي مشاركة حقيقية أو ما سمي نسبية، كلها تدور حول حجم الدور السياسي في الحكومة للأقلية النيابية». واعتبر «أن الثلث المعطل أصبح بالنسبة إلى حزب الله مطلبا لتغيير المعادلة السياسية الداخلية، ولم يعد ضمانة للسلاح».

وفي المواقف، كرر البطريرك الماروني نصر الله صفير الدعوة إلى حكومة من لون واحد. وأمل أن «تتألف الحكومة الجديدة قريبا ليشعر اللبنانيون بالاسترخاء بعد فترة المعاناة الطويلة». وقال: إن «في كل الأنظمة الحاكمة في العالم يصار إلى حكم الأكثرية ومعارضة الأقلية إلا عندنا في لبنان»، راجيا أن «تزال كل العراقيل من أمام تأليف الحكومة في أسرع وقت».

وأبدى مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني «حرصه أن تشكل الحكومة بمشاركة الجميع لضمان نجاح مهماتها في تحقيق الأمن والاستقرار والإنماء والعمران»، واصفا المرحلة التي تمر بها البلاد بـ«الدقيقة لجهة عملية تأليف الحكومة التي ستكون منطلقا في نهضة المؤسسات الرسمية التي هي في حاجة إلى تفعيل عملها وخاصة الخدماتي». ودعا «إلى التضامن والتعاون لحل العقد التي تواجه تشكيل الحكومة والعمل على تكثيف الجهود الوطنية المخلصة للوصول إلى حلول تصب في مصلحة لبنان واللبنانيين».

وطالب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان اللبنانيين بـ«حكومة مشاركة»، وقال: «نحن نرفض دولة الأقلية والأكثرية والموالاة والمعارضة. وندعو إلى حكومة وحدة وطنية تكون المعارضة مشاركة فيها، فلا يجوز التمييز بين الأكثرية والأقلية، ونرفض تهميش اللبنانيين ونطالب كل اللبنانيين بالعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإذا لم يتم الاتفاق على حكومة وحدة وطنية، فلتشكل حكومة عسكرية لأن إسرائيل تتهدد لبنان ونواياها سيئة جدا». ونصح قبلان الرئيس المكلف أن يختار حكومة أقطاب من خارج الموالاة والمعارضة، فيتم اختيار أصحاب الأكف النظيفة المشهود لهم بالوطنية والخبرة والعلم والنزاهة، وعلينا أن نسرع في تشكيل الحكومة، ونسأل الله أن يتحقق تفاؤل الرئيس بري بتشكيل الحكومة قبل آخر الشهر».

أما المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله، فقد رأى أن عملية تشكيل الحكومة «تسير سيرا سلحفاتيا، بفعل تدخلات خارجية، وإيحاءات تأتي من هنا وهناك»، وقال: «إننا نلمح مخططا خبيثا تحاول من خلاله الجهات أو الأدوات التي استخدمتها محاور دولية وغير دولية خلق مناخات لفتنة داخلية لا تبقي ولا تذر، من خلال توجيهها المرسوم والمدفوع من جهات معادية تسعى لاختلاق ملف جديد يعيد تحريك خيوط الفتنة المذهبية، تارة باستخدام عنوان المحكمة الدولية، وطورا باستخدام عناوين أخرى، ربما للمساومة في بعض الأمور السياسية التي تريح الآخرين وتجعلهم يستفيدون من ذلك في لعبة فرض الشروط على هذه الجهة الداخلية أو هذه الدولة أو تلك، في لعبة الأمم التي يراد للبلد الصغير أن يدفع ثمنها لاحقا كما دفعه سابقا». وحذر «كل من تسول له نفسه أن يعبث بالساحة الداخلية، وخصوصا الساحة الإسلامية، وتحديدا من يسعى لإحداث فتنة بين السنة والشيعة، بأننا لن نسمح له بذلك حتى ولو اختفى وراء عناوين دولية، أو حاول التسلل إلى المواقع القضائية الدولية أو غيرها».