حملة طموحة تدعمها لندن وواشنطن لزيادة كوادر الجيش الأفغاني

من 88 ألفا إلى 134 ألف رجل خلال ثلاث سنوات لمواجهة متمردي طالبان

جندي أفغاني خلال تدريب بالأكاديمية العسكرية بكابل («واشنطن بوست»)
TT

في صباح يوم ماض، كان كل اثنين من الجنود يزحفان خلف شبكة من الأسلاك الشائكة في سهل كئيب تتبعثر فيه الدبابات السوفياتية الصدئة، وفي جو قائظ الحرارة، وهما يجران سلاحهما خلفهما في التراب، وكان في إثرهما مدربان يصيحان فيهما لكي يتحركا أسرع ويصححا تحركاتهما.

وقد صاح السيرجنت وحيد الله في فرقته المكونة من 200 جندي ينتظر كل منهم دوره بعصبية: «يجب أن تتعلموا ذلك الآن. فأنا لن أكون معكم في المعركة. ازحف بتحريك يدك وقدمك المتقابلتين. ولا توجه البندقية إلى ذقنك. ولا تتحرك حتى تتأكد من تغطية شريكك. ولا تلمس السلك الشائك لأنه ربما يكون معدا لقتلك».

لقد كانت محاضرة التدريب تلك جزءا من حملة طموحة تدعمها الولايات المتحدة وبريطانيا لزيادة كوادر الجيش القومي الأفغاني من 88 ألفا إلى 134 ألف رجل، خلال السنوات الثلاث القادمة، لكي يستطيعوا إرسال عدة آلاف من الجنود والضباط المدربين حديثا إلى ميدان المعركة ضد متمردي طالبان كل شهر، في الوقت الذي يمكنون فيه الأفغان من تولي عملية الدفاع عن أنفسهم.

وتمثل عملية زيادة الجنود الأفغان عنصرا حيويا بالنسبة لاستراتيجية الولايات المتحدة وحلف الناتو في أفغانستان، التي ينتشر بها نحو 100 ألف جندي أجنبي لقتال المتمردين.

وكلما ازداد عدد الإصابات ـ حيث وصل إلى 75 جنديا أجنبيا في يوليو (تموز) وهو ما يعد رقما قياسيا ـ تزايد نفاد الصبر العام في أوروبا والولايات المتحدة، وتزايد الضغط من أجل زيادة أفغنة جهود الحرب؛ التي تعد عملية طويلة ومعقدة تتداخل فيها عوامل مثل ارتفاع معدلات الأمية والإحساس بالغربة بين المجندين القادمين من مقاطعات بعيدة، والتحول الأخير من استخدام البنادق السوفياتية إلى استخدام البنادق الأميركية، وهو التحول الذي لم يحظ بشعبية، بالإضافة إلى تردد بعض المجندين الجدد في قتال المتمردين نظرا لكونهم مسلمين ومن إخوانهم الأفغان كذلك.

وعلى الرغم من ذلك فإن أعداد الجند كانت تتزايد بمعدلات ثابتة منذ بداية الهجوم في العام الماضي، كما انخفضت معدلات الفرار من الجيش من ما معدله 40% خلال الأعوام الماضية، إلى أقل من 20%، ويقول مسؤولون أميركيون إنها أقل من 5%. ويرجع ذلك جزئيا إلى الزيادة الكبيرة في أجور الجنود التي وصلت إلى نحو 120 دولارا أميركيا في الشهر (وتبدأ رواتب الضباط من 210 دولارات أميركية) بالإضافة إلى تزايد الإحساس بارتفاع مقام العاملين بالجيش الأفغاني.

وقد أخبر الكولونيل فريد باروان المجندين في حوار صباحي بمركز تدريب عسكري بكابل يستهدف بث الحيوية فيهم: «تحتاج هذه البلاد إلى شباب مثلكم لكي يخدموا بجيشها، ولا أحد يجبركم على البقاء هنا».

ويتألف المجمع الذي يقيم فيه المجندون من غرف نوم حديثة وفصول ومسجد وقاعة فسيحة لتناول الطعام، ويقع في قاعدة عسكرية سوفياتية سابقة خارج العاصمة. وأضاف باروان: «إنكم محظوظون لأن الحكومة تطعمكم، وتدربكم وتدفع لكم رواتب جيدة. وعليكم إطاعة الأوامر، ومن فضلكم لا تحاولوا الهرب. إخوتي الأعزاء: هذه فرصة عظيمة بالنسبة لكم يا أولاد أفغانستان لكي تدافعوا عن بلادنا وعن أمنها».

ومن العلامات الجلية على التقدم أن معظم الضباط وصفوا الضباط الذين يدربون الرجال يوميا بأنهم من الأفغان. فقبل عام واحد كان معظم المدربين من الأميركيين أو البريطانيين؛ ولكن الآن يتمركز معظم الخبراء الغربيين في قاعدة قريبة، ولا يتدخلون إلا عندما يبدأ المجندون في التدريب باستخدام الذخيرة الحية.

وخلال أحد الأيام الماضية وأثناء التدريب على إطلاق النيران، كان ستة من المدربين البريطانيين يراقبون بحرص تدريب مجموعة من الضباط الأفغان الذين أتوا مباشرة من الحياة المدنية على إطلاق النيران على الأهداف المتحركة، سواء من وضع الوقوف أو الركوع أو الانبطاح. ويقول المدربون إن بعض الرجال كانوا مترددين بشأن خضوعهم لتدريب الأجانب، خاصة هؤلاء القادمين من قرى استقطعت من أفغانستان في ظل الحروب الاستعمارية المتتالية.

يقول الميجور البريطاني وليام واجيربيك بصوت مرتفع لكي يتغلب على ضجيج إطلاق النيران: «هؤلاء الشباب لديهم ثقافة المحاربين، فكل ما يريدونه هو القتال. وبشكل عام؛ هم سعداء بوجودنا هنا ولكنهم يعتقدون أنهم هزمونا في المعركة ثلاث مرات هزيمة ساحقة. ولدى بعضهم اعتقاد بأننا ليس لدينا شيء نعمله لهم».

وكان القرار الذي اتخذته الحكومة الأميركية أخيرا بشأن تمويل الجزء الأكبر من تدريب وإعداد الجيش لاستبدال بنادق الكلاشينكوف السوفياتية ـ التي كانت السلاح التقليدي للأفغان خلال الثلاثين عاما الماضية ـ بالبنادق الأميركية «إم 16» مصدرا آخر للخلاف، وقد تلقت بالفعل القوات الأفغانية أوامر منذ فبراير (شباط) الماضي بالبدء في التدرب على استخدام «إم 16».

ويقول مسؤولون أميركيون إن بنادق الـ«إم 16» هي بنادق أكثر خفة ودقة وأكثر فعالية في المسافات البعيدة إذا ما تم الاعتناء بتنظيفها وصيانتها. ويقول الجنود الأفغان إنهم يعرفون مميزات استخدام الـ«إم 16» ولكن الكثير من الجنود في معسكر التدريب يتذمرون من صعوبة الحفاظ على نظافتها والتصويب بها، كما أنهم يقولون إنها لا تبقى مدة بقاء البنادق السوفياتية نفسها.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»