«إيتا»: مستقبل غامض.. بعد 50 عاما من العمل المسلح

المنظمة صارت بدون قيادة موحدة.. لكن تجنيدها للشبان يؤرق الشرطة الإسبانية

TT

نشأت حركة «إيتا» (وطن الباسك والحرية)، في إسبانيا، قبل خمسين عاما، في ظل نظام ديكتاتوري يسوده العنف وانعدام الحرية. ففي 31 يوليو (تموز) 1959، شكلت مجموعة من الشباب الجماعة، واختاروا لها اسما، وكان ذلك في ذكرى عيد القديس إغناسيو دي لويولا. واختار سابينو أرانا، الشهير وواضع نظرية قومية الباسك، تأسيس حزب الباسك القومي في عام 1895.

ربما لم يدرك المؤسسون مآلات الجماعة التي كانوا بصدد تشكيلها، وربما لم يدركوا أيضا أنهم لن يستطيعوا التخلي عن السلاح في اللحظة المناسبة، خصوصا بعد أن تحولت إسبانيا لاحقا من الديكتاتورية إلى الديمقراطية. وعلى مدى الأعوام الخمسين ضاعت عدة فرص، والآن تتأرجح الجماعة بين الفوضى والارتجال، لكنها دائما تسبب الألم والقتل.

ومن خلف أسوار السجون طلب بعض من أهم نشطائها، علنا وسرا، إنهاء العنف، وبدء مرحلة جديدة. وأكد محامي «إيتا» الشهير تكسيما ماتانزاس، في رسالة اكتشفتها الشرطة منذ أسبوعين: «لقد حان وقت إنهاء حالة العمى». لكن إجابة الجماعة جاءت الأسبوع الماضي، في ذكرى التأسيس، بتنفيذ هجومين بالقنابل خلفا مقتل شرطيين في جزيرة مايوركا.

والمشكلة هي أنه بعد 50 عاما، ومقتل 823 شخصا من جراء الهجمات وحوادث الاختطاف وعمليات الابتزاز الاقتصادي، وإخراج أعداد غير معلومة من سكان الباسك من أراضيهم، لم تعد الجماعة تستمع إلى أحد. وحاولت حكومات مختلفة التوصل إلى اتفاق مع ممثلي «إيتا»، ثلاث مرات، وفي كل مرة كانت الجماعة ترفض ترك السلاح. وبدا أن «إيتا» فقدت شيئا من التأييد، داخل وخارج إسبانيا، بعد إتمام عملية السلام في أيرلندا الشمالية.

ويؤكد بعض مؤسسي المنظمة وكبار أعضائها الذين حضروا الاجتماع الأصلي في 31 يوليو (تموز) 1959، في الوقت الحالي، أن العنف الذي تتبعه «إيتا» عديم الجدوى. وقال جولين مادارياغا، أحد مؤسسي «إيتا» لصحيفة «الباييس» الإسبانية: «إن (إيتا) تتجه نحو الأسوأ. ولا أحد يعرف من الذي يتخذ القرار، ومن الذي يصدر التوصيات والنصائح. ومقارنة بعصرنا، يعد هذا أمرا مخزيا».

وقد غادر مادارياغا التشكيل السياسي باتاسونا، الذي يؤيد منظمة إيتا، عام 1995، وأسس حزبا سلميا ذا مطالب قومية هو «أرالار». وحاليا، أصبح تنظيم باتاسونا محظورا في إسبانيا، بسبب رفض قادته إدانة الهجمات العنيفة. ولا يستطيع الأشخاص الذي يقولون إنهم يمثلون «إيتا» أن يتخذوا أي قرار مع المسؤولين الأمنيين تقبله المنظمة. وتعد ازدواجية القيادة في الأساس إحدى المشاكل الرئيسة في أي مباحثات مفترضة مع الحكومة، في حال قررت المؤسسة السياسية أن تمنحهم فرصة أخرى.

وانهارت آخر محاولة للتوصل إلى اتفاق للسلام مع الحكومة، بشن هجوم في مطار مدريد، خلف قتيلين، في 30 ديسمبر (كانون الأول) 2006. وقد اعترفت الحكومة بوجود مباحثات مع أعضاء الجماعة، بل ذهب رئيس الوزراء خوسيه لويس رودريغز ثاباتيرو إلى حد إطلاق البرلمان على تلك الاجتماعات. واعتقد كثيرون في البلاد أن البلد على وشك الوصول إلى اتفاق ينهي العنف. لكن خلية نسفت تلك المفاوضات بتفجير قنبلة في مطار مدريد.

وكتبت الصحف الإسبانية حينها أن خلية أصدرت الأوامر بشن ذلك الهجوم، دون إطلاع الممثلين الذين يشاركون في المحادثات مع الحكومة. وتردد أن القيادة التقليدية في «إيتا» لم تكن تعرف ما يخطط له الأعضاء الجدد. وحينها، تناولت الأخبار الانفصال بين الجناحين السياسي والمسلح. ولم يتم التوصل إلى اتفاق على ممثل موحد لـ«إيتا».

وحاليا، تحذر مصادر في الشرطة من أن المنظمة منقسمة إلى خلايا لا تخضع لسيطرة قائد واحد. وقال صحافي إسباني، يعد متخصصا في شؤون «إيتا» منذ أعوام عديدة، لـ«الشرق الأوسط»: «الشرطة تواجه حاليا مشكلة خطيرة تتمثل في انخراط أعضاء جدد من الشبان في المنظمة، لا تملك الشرطة عنهم ملفات، ولذا يصعب التعرف عليهم». ويضيف: «إضافة إلى ذلك، لا توجد قيادة تسيطر على المنظمة ككل، لقد فقدوا هيكلهم التقليدي».

ويعد انخراط أعضاء جدد في المنظمة واحدة من المشاكل الكثيرة التي تواجهها الشرطة. فهؤلاء غالبا ما يكونون في العشرينات من العمر، ولم يعاصروا الأفكار الأساسية التي أدت إلى نشأة المنظمة، وهم معتادون على استخدام العنف يوميا. وغالبا ما يأتي الأعضاء الجدد من حركة أخرى تسمى «كال بوروكا»، وهي مسؤولة عن الكثير من أعمال الشغب والهجمات العنيفة في شوارع الباسك، والتي لا تسفر في غالبيتها عن ضحايا، ولكنها تتسبب في خسائر اقتصادية كبرى.

وأضاف الصحافي: «بعد الهجوم الذي وقع على مايوركا، حصلت الشرطة على ست صور لإرهابيين مشتبه بهم. وظهر واحد منهم فقط من قبل في قائمة المطلوبين الخطرين في (إيتا)».

وفي داخل الباسك، يمنع قانون الأحزاب السماح للأحزاب السياسية التي لا تدين العنف بالمشاركة في العملية السياسية، مما أدى إلى فقدان المنظمة التأييد. وإضافة إلى ذلك، أصبحت دول كانت تؤيد في الماضي «إيتا» أو تتسامح معها، مثل فرنسا وأيرلندا الشمالية والمكسيك وفنزويلا، تتعاون بشكل جيد مع الشرطة الإسبانية، وخصوصا فرنسا. وربما كانت آخر ضربة سددت إلى «إيتا» عندما صدقت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية على قانون الأحزاب الإسباني وعلى حظر حزب باتاسونا، في 30 يونيو (حزيران) الماضي. وكانت تلك أكبر ضربة لمصداقية «إيتا» سياسيا.

* صحافية من «الموندو» الأسبانية متعاونة مع «الشرق الأوسط»