حديقة الحيوانات بلاهور.. آخر ضحايا الفساد في باكستان

اتهامات بسوء معاملة الحيوانات وتحقيق في فضيحة تهريب نمرين أبيضين.. عشية هجوم انتحاري طال الحديقة

TT

دمرها هجوم إرهابي، ويعاني سكانها من اضطرابات، ويتعرض مسؤولوها إلى انتقادات بسبب فشلهم في توفير مياه نظيفة وطعام لائق ورعاية صحية أساسية. هل هو مجتمع يسكن المنطقة الحدودية المضطربة في باكستان؟ هل هو معسكر للمشردين الهاربين من القتال في وادي سوات؟. لا، لكنها حديقة الحيوانات في لاهور.

ويقول محبو الطبيعة وأعضاء سابقون في مجلس الحديقة، إن تاريخا طويلا من سوء الإدارة والمعاملة غير اللائقة في حديقة الحيوانات، التي يبلغ عمرها 137 عاما، يعرض الحيوانات التي يفترض أن تحميها للخطر. ويقول مسعود حسن، مدير تسويق وعضو سابق في لجنة إدارة حديقة حيوانات لاهور: «إذا لم يكن كل ذلك فسادا واستغلالا للمناصب، فلا أعرف ما يكون. ربما لا تكون تلك فكرة سيئة أن نضع جميع المسؤولين داخل الأقفاص».

وكانت آخر مشكلة تصيب المؤسسة المتعثرة فضيحة تهريب نمرين أبيضين، حيث يزعم استيرادهما من إندونيسيا منذ عدة أشهر بدون التراخيص اللازمة لنقل الفصائل المعرضة لخطر الانقراض دوليا. ووفقا لتقارير إخبارية محلية، تقدمت الحديقة بطلبات الحصول على تراخيص بأثر رجعي بعد الموافقة على دفع نحو 47 ألف دولار للنمر الواحد، وهو رقم يزيد كثيرا على سعر الاستيراد البالغ 1.250 دولار.

وسيجرى التحقيق لتحديد الدور الذي لعبته كل من الحديقة والمستورد والوسيط، وما إذا كانت هناك رشاوى تم دفعها، ولكن حسن قال، إنه لا يتوقع أن يصل التحقيق إلى شيء.

ولا يبدو رواد حديقة الحيوانات على وجه خاص مندهشين من المزاعم. ويقول عياض أحمد، 56 عاما، رجل الأعمال المتقاعد وهو يقف أمام قفص النمور مع أحفاده: «إذا كان هناك فساد فذلك أمر سيء للغاية. ولكن مجددا، الفساد موجود في كل مكان في باكستان، فلماذا لا يشمل الحيوانات أيضا؟».

وتجلس لبؤتان بيضاويتان في تكاسل في طقس شديد الحرارة، حتى يأتي الحارس ويلكزهما بعصا حديدية لتنظرا إلى الجمهور، مطلقتين صوتا غاضبا. ولا توجد مكيفات هواء، وإنما مجرد جهاز يطلق الهواء من خلال خرقة مبللة بالماء إلى القفص. وكتب على لافتة: «انقرضت النمور في باكستان في عام 1886».

وعلى الرغم من أن النمور تفضل العزلة، فإن الحيوانين موضوعان في قفص من الحديد والأسمنت، مساحته 16 في 20 قدما. وإلى جوارهما يوجد قفص أكثر ازدحاما تسكنه أربعة أسود كبيرة.

وحتى تنتهي تحقيقات التهريب لا يمكن للنمرين مغادرة قفصيهما ولا حتى تمديد أرجلهما. وقالت سامان بهاتي الطبيبة البيطرية الوحيد في الحديقة: «إن ذلك يتطلب الكثير من الموافقات».

ويقول منتقدون، إن حديقة الحيوانات لديها مثال سابق على امتلاك حيوانات مستوردة من الخارج، ثم تم التنصل منها فيما بعد، لزيادة الدخل الذي لا يلقى اهتماما كبيرا من أحد. ويتساءل البعض حول السياسة الرسمية في مزادات الجلود والقرون وأجزاء الجسم الأخرى للحيوانات التي ماتت ميتة طبيعية. وقالت شايستا سونو، الأستاذة بجامعة البنجاب، وعضو مجلس الإدارة السابقة: «إنها مثل معسكر اعتقال. هذه جريمة ومأساة يشرف عليها العمال».

وعلى بعد مئات أقدام قليلة من النمور تعدو قطة بعين متورمة لا تكاد تبصر بها، فقد تشاجر معها ذكر من قبل جلبها للحديقة، وتريد الحديقة الآن أن تستعيد أموالها من البائع، وهو هاو بجمع الحيوانات البرية. وقد وعد المسؤولون على مدار سنوات بتطوير البنية التحتية للحديقة، ما إن يتم الحصول على مبلغ 250 ألف دولار، لكن الأعوام تمر ولا تزال النزاعات على السلطة والصدامات الأنانية حول بنية الخطة والتصميم. وقال حسن: «لن أمانع إذا ما أخذوا كل الأموال شريطة أن يذهب بعضها للحيوانات لكن أحد لا يفعل ذلك».

ومن التطويرات المقترحة في الخطة متنزهات ترفيهية وعروض العرائس ومطاعم ومقاهي وجلسات ليلية بها موسيقي وأضواء، كقاعات الديسكو ومسجد ومتجر متعدد الطوابق، الأمر الذي سيعمل على تضييق المساحة التي توجد فيها الحيوانات حيث يوجد 1.100 حيوان في 16 فدانا، وفي المقابل فإن حديقة حيوانات لوس أنجليس بها العدد نفسه من الحيوانات، لكنهم يوجدون في مساحة 100 فدان. وقال شعيب أحمد، مراسل الحياة البرية في صحيفة «ذي دون» الباكستانية: «إن الأمر أشبه بالجنون والخطة في غير محلها».

في الوقت الحالي لم تستثمر الحديقة في صيدلية أو جناح للحيوانات المريضة وغرفة الأشعة والفحص وجداول التطعيمات أو معدات الموجات فوق الصوتية. فتنهار الأسقف وتضيق المجاري المائية وتعج الأقفاص المليئة بالأمراض والضغوط، وقد تأجلت الإصلاحات الرئيسة. وقال ظفار شاه مدير الحديقة، إنه لم يتول مسؤولية الحديقة سوى منذ أشهر قليلة ويأمل في تحسن أوضاعها. ورفض شاه التعليق على الفساد أو المزاعم بالتهريب، مشيرا إلى أن التحقيقات الخاصة بالنمر جارية. وقال: «الكثير من هذه الوفيات حدثت من قبل ودائما ما تكون هناك حوادث».

وقال توقير شاه، وهو صياد وصاحب مزرعة للحياة البرية وعضو في إدارة الحديقة منذ فترة طويلة، إن التحقيق في قضية تهريب النمر ستثبت أن الحديقة بريئة. وأضاف أن الحيوانات في صحة جيدة والأقفاص الأكبر موضوعة في الخطة، ويتوقع الحصول على معدات بيطرية أكثر في القريب العاجل، كما تمت معالجة مسألة الحصول على قدر أكبر من اللحوم والخضراوات للحيوانات بالحديقة. وقال أيضا: «تطورت الأمور كثيرا فلا أحد يستطيع الحصول على موزة واحدة الآن».

وفي أحد أركان الحديقة التي تضم مباني الإدارة تبدو الأبواب مستهلكة والنوافذ محطمة والجدران متسخة. وإضافة إلى التحديات الكثيرة التي تواجهها، أصيبت الحديقة في أواخر مايو (آيار) الماضي في هجوم انتحاري استهدف وكالة للاستخبارات الباكستانية.

على مدى أكثر من 30 دقيقة جثمت الطبيبة البيطرية بهاتي والآخرون عندما اشتعلت معركة إطلاق النار على بعد أمتار قليلة منهم. وعندما فجر المقاتلون سيارة مفخخة قتل الانفجار غزالا، وفجر الحظائر المفتوحة وجعل الحيوانات المذعورة تفر وتناثرت الشظايا في الأشجار. وأشارت بهاتي إلى أن الحادث سبب الكثير من المعاناة للحيوانات، التي لم تأكل غالبيتها لعدة أيام، مع إظهار الكثير منهم الآن لبعض علامات التوتر بعد أكثر من شهر.

وفي مكتب ضيق يغص بالأوراق وزجاجات الأدوية والإبر والملصقات لطيور وسلاحف تتلقى بهاتي الكثير من النداءات للعناية بالحيوانات المريضة، وتفحص قرونا متناثرة واحدا تلو الآخر، أو تحضر ولادة حيوان جديد.

وقبل أن تلتحق بالعمل قبل عامين، وتقريبا عقب تخرجها، لم تعمل الحديقة على تدريب أطباء بيطريين. من الواضح أن بهاتي تحب الحيوانات فتحك قرن وحيد القرن، وتداعب القرود خلال الجولة. لكن التعامل مع حيوانات كثيرة العدد كهذه يشكل عبئا ثقيلا بالنسبة لطبيبة بيطرية غير متمرسة مثلها، فتقول: «إنها ليست وظيفة لشخص واحد». ويقول محبو الحيوانات إن البعض يتساءلون حول الجدوى من وراء اهتمام باكستان بمجموعة من الحيوانات، فيما يموت الناس في هجمات انتحارية.

وقال حسن، إن الأمر يتعلق بالقيم الأصيلة وروح الأمة، مجددا قول مهندس غاندي، إن قيمة الدولة يمكن أن تقاس بعنايتها بحيواناتها فقال: «إذا سمحت الدولة لمواطنيها بالانحدار الأخلاقي فلماذا يجب على الحيوانات إتباع النظام؟»

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»