جنبلاط: لم أغادر «14 آذار».. والتفاهم السعودي السوري وحده يحفظ الطائف

قال إنه أكد لخوجه ضرورة دعم المملكة للمصالحات اللبنانية.. وأهمية العلاقات المميزة مع سورية

جنبلاط خلال زيارته لرئيس الجمهورية ميشال سليمان في القصر الجمهوري امس (تصوير: دالاتي ونهرا)
TT

بدا في بيروت أمس أن «سحابة الصيف» التي تسبب بها إعلان رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط نيته مغادرة فريق «14 آذار» في طريقها إلى التبدد، بعد «توضيحات» أطلقها جنبلاط ـ على طريقته المعتادة ـ تأكيدا لـ«تحالفه الاستراتيجي» مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، كما أكد لـ«الشرق الأوسط» أمس، فيما عادت «بعض الروح» إلى عملية تأليف الحكومة التي قال عنها رئيس مجلس النواب نبيه بري إنها «لا تزال تسير في طريقها الصحيح»، كما نقل عنه زواره لـ«الشرق الأوسط»، مؤكدا أن أحدا لن يخرج عن الاتفاق الذي جرى على صيغة تقسيم المقاعد الحكومية المتمثلة بـ15 وزيرا للأكثرية و10 للمعارضة و5 لرئيس الجمهورية.

وعلى الرغم من أن «سحابة جنبلاط» تسببت بعاصفة سياسية كانت شديدة الوطأة على الوضع السياسي اللبناني، خاصة أن الجميع كانوا يتوقعون ولادة الحكومة هذا الأسبوع، لتلد بدلا منها أزمة سياسية هددت الصيغة الحكومية وتوازنات القوى.

وفي حين غادر وزير الإعلام السعودي عبد العزيز خوجة بيروت عائدا إلى المغرب بعد يوم أمضاه في لبنان التقى خلاله جنبلاط واتصل ببري، قال جنبلاط لـ«الشرق الأوسط» إن اللقاء الذي جمعه والوزير خوجة كان «أكثر من ممتاز»، مشيرا إلى أن خوجة أكد أهمية قيام حكومة الوفاق الوطني. وأوضح أنه أكد لخوجة في المقابل أهمية الوفاق و«دعمنا لعملية تشكيل الحكومة واستعدادنا لتقديم التسهيلات اللازمة»، وقال: «أبلغته أن الكلام الذي أدليت به في مؤتمر الحزب التقدمي الاشتراكي ليس خروجا من 14 آذار، لكنني كنت أدعو إلى إعادة قراءة داخل الأكثرية من أجل مشروع سياسي جديد لـ«14 آذار» بعد الإنجازات التي تحققت والعناوين التي توصلنا إليها بفضل الدعم العربي، وتحديدا السعودي، إنما لكل حزب حيثيته وحضوره وخصوصيته ويجب على الآخرين احترامها، كما أن للدروز أيضا خصوصيتهم».

وأضاف: «أكدت له أيضا أهمية دعم المملكة لجهود المصالحات اللبنانية ـ اللبنانية، وأيضا أهمية التقارب السعودي السوري لأنه يحفظ الإنجاز الأساس للبنان وهو اتفاق (الطائف)». وشدد جنبلاط على «أهمية حماية هذا الاتفاق، بالإضافة إلى أهمية العودة إلى اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل، بما تعنيه هذه الاتفاقية من عدم التطبيع أو الصلح»، كما شدد على أهمية «الحفاظ على عروبة لبنان والعلاقات المميزة بينه وبين سورية، والتي بدأت بالتحسن مع إقرار العلاقات الدبلوماسية بين البلدين».

وشدد على أنه «لم يغادر الأكثرية» وأن مواقفه الأخيرة لن تعرقل عملية تأليف الحكومة الجديدة، داعيا إلى انتظار ما سوف يقوم به الرئيس المكلف في هذا الإطار، مكررا أن تحالفه مع الحريري «استراتيجي ويعود إلى العلاقة المميزة التي كانت تجمعني بالرئيس (الراحل) رفيق الحريري».

وزار جنبلاط أمس رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ليدلي بعد اللقاء بـ«توضيحات» حول موقفه الأخير «كي نخفف التأويلات والتأويلات المضادة، والتحليلات والتحليلات المضادة»، وأضاف: «قلت بالحرف: إن تحالفنا، تحالف 14 آذار، لا يمكن أن يستمر. هذا لا يعني الخروج، بل يعني إيجاد شعارات جديدة. فالشعارات التي ناضلنا من أجلها هي السيادة والحرية والاستقلال. الاستقلال تم، والسيادة لم تتم بعد لأنه لا تزال هناك مزارع شبعا وتلال كفر شوبا محتلة. أما بالنسبة إلى الحرية، فأعتقد أنه ليس هناك نظام يقمع الحريات في لبنان». وسأل: «ما هي 14 آذار؟» ثم أجاب: «إنها تنوع أحزاب وشخصيات، لكل أدبياته وثقافته. وربما تصادف مؤتمر الحزب مع تشكيل الحكومة، فأسيء التفسير، وظن البعض والرئيس المكلف أنني تخليت عنه. أنا لم أتخل عنه ولن أتخلى عنه وفاء لرفيق الحريري ولصداقتي مع سعد الحريري وللجهود الجبارة التي يقوم بها الرئيس ميشال سليمان للوصول إلى صيغة حكومة توافقية، شراكة كما اتفقنا. لكن عدت إلى أدبياتي في الحزب. وأعلم أنني عدت إلى القرن العشرين أو إلى منتصف القرن العشرين، وأعلم أن بعض المعطيات آنذاك انتهت. الأمور والأحداث والعالم تتغير. ولكن اعذروني وليعذرني اللبنانيون إذا قلت شيئا؛ للجبل الدرزي خصوصية معينة، وللحزب الاشتراكي خصوصية معينة، ولا خلاص للحزب وللدروز إلا من خلال الالتصاق بالعروبة وبفلسطين. هذا هو رأيي، وأعلم اليوم أن عبارة «عروبة» و«فلسطين»، ويا للأسف، في القاموس العام العربي، لم تعد موجودة إلا عند البعض. ونرى ما يجري في فلسطين من تقسيم، وأن كلمة «عروبة» أصبحت عملة نادرة، لكن حمايتنا كدروز وكحزب اشتراكي هي فلسطين والعروبة، وطبعا العودة لاحقا إلى ثوابت اليسار. لا يمكن للمرء أن يعود إلى يسار إلا بأن يجدد هذا اليسار. هذه كانت رسالتي في مؤتمر الحزب، على ألا تفسر تفسيرات مختلفة كي يأتي البعض ويقول عطلت تشكيل الحكومة. أنا لم أعطل، سأبقى أحترم إرادة الناخبين الذين أفرزوا ما يسمى أقلية وأكثرية، لكن في الوقت نفسه، كما فهمت من رئيس الجمهورية ومن الرئيس المكلف، هناك مشروع مهم جدا هو تأليف حكومة شراكة وطنية». ورأى جنبلاط أن «الكلام أسيء تفسيره»، وقال: «وحده صحافي فهم الموضوع هو الأستاذ عبد الرحمن الراشد في جريدة (الشرق الأوسط)، وألتقط الفرصة التاريخية، وأقول مجددا لرفاقي في (14 آذار) إننا أنجزنا الكثير الكثير ولا بد من رؤية جديدة، ولا بد أيضا، كما أحترم خصوصيات البعض، أن يحترموا أيضا خصوصيات الحزب والدروز».

وسئل هل انقطعت خطوط التواصل بين «كليمنصو» (مقر إقامته) و«قريطم» (مقر إقامة الحريري)، فأجاب: «الآن هناك الوسط. فلنعد إلى الأساسيات، هذه هي رسالتي اليوم من بعبدا، من عند فخامة الرئيس إلى الشيخ سعد الحريري، إننا على الثوابت في تشكيل الحكومة، ولكن فليحترم حلفائي الخصوصيات التي سبق أن ذكرت. وأذكر أن كل ما أفعله وسأفعله كان وسيبقى لمعالجة رواسب السابع من أيار (مايو 2008)».

وكانت الأمانة العامة لقوى «14 آذار» قد عقدت أمس اجتماعا بغياب ممثل الحزب التقدمي الاشتراكي، غير أن منسق الأمانة العامة للحزب النائب السابق فارس سعيد توقع «عودته قريبا». وقال سعيد: «إن موقف النائب جنبلاط يوم الأحد الفائت يشكل صدمة كبرى، وعاشت الحياة السياسية في لبنان منذ ذلك اليوم في تحليل ومحاولة استكشاف الأسباب الموجبة للموقف الذي اتخذه». وأضاف: «نحن لسنا متفقين مع وليد جنبلاط في هذه الخطوة، ونعتبر أنها تعنيه وحده، وقد برهنا في بيان الأمانة العامة أن هذه الحركة التي تتضمن إدارة سياسية وجمهورا عريضا هي حركة كان له فيها ولا يزال أياد بيضاء، وبالتالي هو جزء لا يتجزأ من هذه الحركة، ونحن مستمرون في نضالنا وفي الدفاع عن الثوابت التي كنا ولا نزال نؤمن بها خلال مرحلة انتفاضة الاستقلال وما بعد». وأضاف: «أعتقد أن لا خلاف مع جنبلاط على ثوابت ثورة الأرز ولا على التوجهات الوطنية الكبرى، أما المواقف السياسية فهي مواقف عابرة وتعني الفريق الذي يتخذها». وعن تفسيره لغياب «اللقاء الديمقراطي» عن اجتماع الأمانة العامة، وهل ذلك يفسر بأن هناك إجماعا على القرار الذي اتخذه جنبلاط، قال إنه «ليس هناك إجماع أو رغبة لدى النائب جنبلاط للانسحاب من فريق 14 آذار».