«المدواخ» لدى الإماراتيين.. بين العادة والهواية

بعض الأهالي يرون فيه ضررا كبيرا على الصحة

ظاهرة المدواخ راجت بكثرة في السنوات الماضية في أوساط الشباب الإماراتيين («الشرق الأوسط»)
TT

ثوان معدودة هو ما يحتاجه عمر بانتظار أن تصبح إشارة المرور خضراء «ليملأ رأسه» بتدخين دوخة بمدواخه الذي يخرجه من جيبه مع قنينة تبغ صغيرة تسمى «المضرب».. يملأ مدواخه بقليل من التبغ ويشعله بعود الثقاب ساحبا دخانا ينفثه من حوله ليعيد المدواخ بعد أن ينفضه إلى جيبه بانتظار دوخة جديدة.. فالمدواخ الذي هو أقرب في شكله إلى الغليون ويصغره حجما يرافق عمر (27 عاما) في حله وترحاله، وهو حال معظم المدخنين من مواطني الإمارات، فبعد أن كان المدواخ في السابق مقتصرا على كبار السن وفي المجالس العامة، انتشر الآن بشكل واسع وفي كل مكان، فمعنى أن الرجل مدخن فهو قلما لا «يدوخ» المدواخ.

ويتعارف أهل الإمارات، وكبار السن من بينهم تحديدا، على أن المدواخ كان يصنع محليا في المناطق الجبلية بواسطة أبناء البادية من جذوع شجر السدر ويزين إما بالنحاس أو الصدف وبالذهب أحيانا في هذه الأيام، أما طريقة تحضير التبغ، فبعد أن يجلب من إيران كان يحمى على النار حتى يصبح جافا، ثم يطحن يدويا ليصبح ناعما، ثم يحفظ في «قرن عنز» كان المدخن يحفظه والمدواخ في جيبه ليستخدمه متى شاء. هذا في الماضي، أما في هذا الزمان فقد تغيرت التفاصيل التي تحيط به وأصبحت أكثر سهولة.

في شارع الجميرا، أحد الشوارع الراقية في إمارة دبي، يقع محل لبيع المداويخ والتبغ «الدوخة» وملحقاته.. يزدحم المكان بسيارات الدفع الرباعي التي ينزل منها شبان ورجال، ومراهقون أحيانا، ليحصلوا على ما يبتغون من المداويخ والدوخات، وكل وفقا لما يفضله، على اعتبار أن ليس كل المداويخ متماثلة. في الداخل سوق قائمة بحد ذاتها توفر للمدخن أدق ما يحتاجه لمدواخه من علبة لحفظ المدواخ، إلى ريشة لتنظيفه. أما التبغ فتصطف إلى جانب البائع براميل صغيرة بأسماء يختارها تتراوح، وفقا لما يسميه، حرارة الدوخة أو حدوديتها.

يقول أحد الشبان الذي يرفض أن يذكر اسمه: «أدخن المدواخ منذ أربع سنوات، وهو لا يفارقني أينما ذهبت». أما عدد «الدوخات» اليومية، فيقول إنها تصل إلى 12 مرة، يبدأها منذ الصباح الباكر «فدوخة الصباح لا غنى عنها.. وبعدها يبدأ اليوم». أما عن تكلفة تدخين المدواخ الشهرية، فيقول هذا الشاب: «هناك من يقول إنه أوفر من تدخين السجائر بكثير، ولكن أنا شخصيا يكلفني تدخينه 1000 درهم شهريا، لأني أحب أن أتفنن في كل شيء، كنوع التبغ، وتجديد المدواخ، وأمور كمالية أخرى، ولكن قد لا يكلف المدواخ البعض الآخر 100 درهم في الشهر» هي ثمن التبغ المستخدم في تدخينه.

أما سعر المدواخ، فهو يتراوح من 100 درهم إلى آلاف الدراهم، وفقا للمادة التي يصنع منها، وتشير الروايات إلى أنه، وفي منتصف القرن الماضي، عندما كان لا يتوافر «المدواخ» الخشبي، كان بعض المدخنين، خاصة في المناطق الساحلية يستخدم بعض أنواع القواقع البحرية للتدخين فيه. أما اليوم، فكل الأنواع متوفرة، والذهب متوفر أيضا، فقد يطعم البعض مدواخه بالذهب. أما أغلى الأنواع فهو ذلك المصنوع من العاج الطبيعي.

أما أبو محمد، الذي يخرج من سيارته وهو يدوخ المدواخ، فيقول إن الأمر يكلفه 100 درهم في الشهر.. أساله هل يمانع أن التقط له صورة وهو يدوخ فيرد: «صحيح أن الجميع من حولي يعرفون أنني أدخن ولكن لن أظهر في الصحافة وأنا أدخن» فيما يبدو رفضا ضمنيا لهذه العادة، فظاهرة المدواخ التي راجت بكثرة في السنوات الماضية في أوساط الشباب الإماراتيين لتمتد أيضا إلى جنسيات أخرى مقيمة في البلاد تلقى اعتراضا من بعض الأهالي أيضا الذين يرون فيها ضررا كبيرا على الصحة وهو ما أثبتته الدراسات. يقول أبو فيصل (50 عاما): «كنت أدوخ المدواخ في السابق، ولكني أقلعت عنه عندما نصحني الطبيب بذلك، ولكن ابني الآن يستخدم المدواخ بشكل متكرر. سألته في أحد الأيام: لماذا تضع المدواخ في جيبك؟ أجابني أن جميع أصدقائه في الجامعة يدوخون المدواخ»، وهو ما يراه أبو فيصل مجرد محاكاة لزملائه، ولكنه يقول إن المدواخ لا يسبب الإدمان بالمستوى نفسه الذي يسببه تدخين السجائر، ويرى أنه هواية واستعراض لدى كثير ممن يدخنونه، وقد تحول إلى عادة عـامة بفعل تقليد البعض للآخر.